-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أيها النواب.. صحفيٌّ محترف أم منحرف؟

أيها النواب.. صحفيٌّ محترف أم منحرف؟

قبل سنوات قليلة اضطرّت وزارة الاتصال إلى توقيف العمل ببطاقة الصحفي المحترف نهائيا، بعد تجميد اللجنة المكلفة بتوزيعها، إذ اكتشفت أن الجميع صار يحوزها بفعل فاعل، حتى أضحى حاملها مشتبها به مسبقا بانتحال الصفة.

يبدو أنّ تلك الواقعة هي التي دفعت المشرّع إلى التشدد مرة أخرى في منح صفة “الصحفي المحترف” في مشروع القانون الجديد للإعلام، لكنه للأسف وقع عن حسن نيّة في الخطأ من حيث لا يحتسب، بل من حيث أراد بالمهنة خيرًا.

وفي نص المادة 17 التي ثبّتها أعضاء لجنة الاتصال البرلمانية، نقرأ “يُعدّ صحفيا محترفا كل شخص يمارس النشاط الصحفي بمفهوم القانون العضوي، وعليه إثبات حيازته إما على شهادة التعليم العالي لها علاقة مباشرة بمهنة الصحفي وخبرة مهنية لا تقلُّ عن 3 سنوات في مجال الصحافة، أو شهادة التعليم العالي في أي تخصص مع تلقي تكوين في الصحافة وخبرة مهنية لا تقلُّ عن 5 سنوات في مجال الصحافة”.

لقد كان طبيعيّا أن يشترط مشروع القانون تجربة ميدانية أطول بالنسبة لخريجي الكليات خارج تخصص الإعلام، (5 سنوات مقابل 3 فقط)، باعتبار أنّ الشهادة المحصّل عليها في هذه الحالة غير أصليّة ويمكن أن يعادلها صاحبُها بممارسة ميدانية إضافية في غضون 24 شهرًا، ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الفارق التشريعي وفق معايير التأهيل الجامعي والمهني في أيِّ قطاع.

لكن الغريب في هذه المادّة، موازاة مع اشتراط الخبرة المُراكمة في الميدان، هو إرفاقها بإلزاميّة تلقّي “تكوين متخصّص”، بصفة حصريّة للوافدين على المهنة من خارج كليات الصحافة، مهما كانت شهاداتهم ولو في العلوم الاجتماعية والإنسانية القريبة جدًّا من التخصُّص، على غرار العلوم السياسية والعلاقات الدولية والقانون بكل فروعه وعلم الاجتماع وغيرها.

إنّ مثل هذا الشرط غير منسجم أوَّلا مع مفهوم التجربة العمليّة في عالم شغل يحتكم اليوم إلى الكفاءات والمهارات أساسا، بينما تبقى الشهادات وحدها مجرد ألقاب على الورق حتى يصدّقها الاختبارُ العملي، أما المسألة الثانية فهي كونه لا يراعي الانحرافات وحجم الاستغلال المادّي باسم التدريب والتكوين.

إذا كان مشروع القانون المتواجد قيد النقاش البرلماني حاليا يشترط 5 سنوات للفئة الثانية، فإنّ الواقع يثبت أن أغلب الزملاء تفوق تجربتهم العقد والعقدين ومنهم من تجاوز 3 عقود في مهنة المتاعب، فهل يعقل أن هؤلاء ليسوا مؤهلين لاكتساب صفة الصحفي المحترف، حتى يستظهروا شهادة “تكوين متخصّص” يبيعها تجّارٌ ينتحلون صفة التدريب؟!

لعلّ النواب لم يسمعوا بإعلانات “كيف تصبح صحفيّا لامعا في 3 أيام؟” و”مذيع أخبار في 3 حصص”، والتي تذكِّرنا بكتب “كيف تصبح مليونيرًا في 7 أيام؟”، لذلك نلفت عنايتهم إلى أن أصحاب تلك العروض المقدَّمة في المستودعات وقاعات الفنادق هم الذين سيمنحون الصحفيين شهادات تزكية!

كنّا ننتظر أن يضع القانون المرتقب حدًّا لفوضى المكوِّنين المزيّفين، بعد ما أصبح كلّ منْ هبّ ودبّ يقدم دورات بالملايين للاحتيال على شباب بطال وطلبة حالمين بولوج عالم الأضواء الصحفية والظفر بفرصة عمل تحقق أحلامهم المهنيّة، فإذا بالمفاجأة تحدث في الاتجاه الآخر، وهي إضفاء شرعيّة قانونية على تلك الممارسات بجعلها ممرّا إجباريّا لكسب صفة “الصحفي المحترف”، ومن دونها لا يعتدُّ بخبرة الممارِس مهما كانت شهادته وسنوات انتسابه للمهنة.

لقد بنى المشرّع صلب القانون على قطع الطريق أمام المال الفاسد من الاستثمار في الإعلام لتبييض عوائده الإجراميّة، لكنه فتح من جانب آخر الباب لأعمال أخرى من الفساد، وفي حال تمرير “المادة 17″، على حالها لا قدّر الله، فإنّ بيع تلك الشهادات الفارغة سيصبح فعلا تجاريّا مشجَّعًا بقوة القانون.

على النوّاب التفطّن إلى هذا الفخّ بتعديل المادة الملغّمة والاكتفاء ببنائها على طبيعة الشهادة الجامعية وفترة الممارسة التطبيقيّة، حتى لا يتحوّل الصحفيُّ المحترف إلى منحرف بتواطؤ القانون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!