-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أيّ شروط لرفع الدعم الاجتماعي؟

أيّ شروط لرفع الدعم الاجتماعي؟

إنّ قرار الحكومة، عبر مشروع قانون المالية 2022، الرفع التدريجي للدّعم عن مواد واسعة الاستهلاك، خيارٌ صائب من حيث المبدأ الاقتصادي، على أن تُراعى وُجوبًا شروط عدم تأثيره على حياة المواطنين ومعيشتهم اليومية، لأن المسألة ستكون معقدة عمليّا وتقنيّا، ولا يُطلب من الجزائريين دفع ضريبة “إصلاحات” لا تقدِّم بالتزامن بدائلَ وحلولا ناجعة تضمن لهم الكرامة الاجتماعية، وهو بلا شكّ قضية لا تغيب، أو يفترض كذلك، عن خطة السلطات العمومية في الانتقال نحو الدعم الانتقائي الموجَّه لصالح العائلات المعوزّة.

نتفق مع كل التبريرات التي ساقتها الوزارة الأولى لإقناع البرلمان هذه الأيام بتبنّي فكرتها في التخلّص من سياسة الدعم الشامل الموروثة منذ نصف قرن، باعتبارها على حالتها اليوم تبذيرا للمال العام واستنزافا مزمنًا لخزينة الدولة دون طائل مكافئ لها، لذا نؤيّدها مبدئيّا في ترشيد السياسة الاجتماعيّة، لتكون أكثر واقعيّة واقتصاديّة.

لكن ما ينبغي تأكيدُه هو أنّ استمرار سياسة الدعم الاجتماعي بصوره التقليدية بعد 30 عامًا من اندماج الجزائر في اقتصاد السوق الحرّ، لم يكن قطّ خيار الشعب الجزائري، إنّما يعبّر في الأساس عن فشل الحكومات المتعاقبة في التأسيس لنموذج اقتصادي عصري، متوازن ومتعدد الموارد، يضمن الدخل الكافي للمواطن، ليعيش حياة كريمة تغطّي كل حاجياته الاجتماعية خارج كفالة الدولة الأبويّة ورعايتها المسيّسة.

إنّ التعثّر الذريع في إنجاز الاستحقاق الاقتصادي، بالخروج من ربقة التبعية للريع النفطي، فرض عليها الارتهان لسياسة اجتماعيّة تشُوبها الكثير من اختلالات التسيير الرشيد، فراحت تزيّنها بشعارات المبادئ الثوريّة والتضامن الوطني ومقتضيات إعادة توزيع الثروة، للتغطية عن قصورها الفاضح في الأداء العامّ.

ولنكن أكثر صراحة للقول إنّ المستفيد الأول في الفترات السابقة من “الدعم الفوضوي” المعتمد لم يكن المواطن البسيط، بل السلطة السياسية بالدرجة الأولى؛ فقد وظفت المال العامّ بأشكال غير عقلانيّة في شراء السلم الاجتماعي، لتأمين ديمومتها في مراكز النفوذ العليا والامتيازات اللامحدودة، مقابل فتات زهيد يعود للمواطن مع الإهانة والاستغلال السياسوي.

ونحن على مقربة من الانتخابات المحليّة، فإنه لا يُخفى عن الجميع كيف يتم ابتزاز الفقراء في البلديات من أجل الظفر بمساعدات رمزية في شهر رمضان والدخول المدرسي ومناسبات أخرى.

هذا زيادة على أنّ الدعم المفتوح قد ورّث سلوكيات التبذير في الاستهلاك، كما ساوى دون وجه حق بين وضْع الوزير والسفير والمدير والفقير.

لكن إذا كانت تلك هي مسوّغات تصحيح سياسة الدعم الاجتماعي التي لا يعارضها عاقل، فينبغي بالمقابل التشديد على أنه من غير المقبول تمامًا تصويب الأخطاء بمثلها، حيث تزيد الإجراءات الترشيديّة المرتقبة، لا قدّر الله، من معاناة المواطنين بتوسيع دائرة الاحتياج وتآكل القدرة الشرائية.

وإذ نستبشر خيرا بتوجُّه الحكومة نحو تثمين أجور الموظفين، تقديرا منها لإكراهات الظروف الاجتماعية واستعدادًا لتداعيات قراراتها المنتظرة، فإنّ ذلك قد لا يكون كافيا لتأمين الانتقال السَّـلس نحو الدعم العقلاني.

وأول التحديات المطروحة هو أن الأغلبيّة الساحقة من الجزائريين مُستحِقّة في الواقع للاستفادة من الدعم، وإن بمستويات متباينة، لأن متوسط الرواتب الشهرية يبقى بعيدا عن مؤشرات السوق، بمعنى أن شهادة البطالة أو عتبة الحدّ الأدنى للأجر المضمون لا تصلح عمليّا معيارًا موضوعيّا للانتقاء.

لذلك سيكون التحديد المنصف والدقيق للفئات المشمولة رهانا كبيرا، وكمْ هي عملية صعبة حين تأخذ السوق الموازية حيزا واسعا من النشاط الاقتصادي، فقد يثبت لك التاجر “غير الشرعي” والموّال والفلاح والعامل غير المصرَّح به من ميسوري الحال، أنهم فقراء من عدم التعفُّف.

إنّ مما يجب أيضا على الحكومة النظر فيه هو تحسين وضعية المستخدَمين لدى الخواص، لأن مراجعة النقطة الاستدلالية تخصّ موظفي القطاع العام، أمّا تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي فلا يُتوقع أن يكون أثرُها معتبرًا وفق تصنيف مشروع قانون المالية للأجور، ما يقتضي تدابير تحفيزية إضافية تعود على هؤلاء العمال بالإيجاب.

وبما أنّ الحكومة، على ما يبدو، تعمَّدت “مقايضة” رفع الدعم بتحسين الأجور، فإنّ قواعد المنطق الاقتصادي تؤكّد أن قيمة الرواتب يحددها وضع السوق، إذ تفقد أهميتَها في ظل تصاعد التضخم، وما يكسبه الموظف بيمينه سيخسر أضعافه بشماله، ما يفرض أولاً تأهيل الإنتاج الوطني لمواكبة منظومة الأجور تفاديًا للاختلال المحتوم، موازاة مع ضبط النشاطات التجارية لحماية المستهلِك من المضاربين وتجّار الأزمات.

إن كل المعطيات سالفة الذكر، وبقدر ما تحكم على خيار الحكومة بالصواب، فإنّها تُثبت حساسيّة الانتقال وتعقيدات الظرف القائم، لتكون السلطات العمومية على بيّنة من مقومات الإصلاح الآمن، حتّى توفر شروط نجاحه الكاملة دون تقصيرٍ ولا عجلةٍ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!