الرأي

أَسرى الإطراء.. وأَسرى الذم!

محمد سليم قلالة
  • 660
  • 3

لا تجد في الجزائر هذه الأيام سوى إطراء بلا حدود لما هو موجود أو نقد بلا حدود أيضا لكل ما هو موجود. وبينهما يقل الحديث إن لم ينعدم.. في الوقت الذي كان يجب أن يكون كل الحديث بينهما وأن تنصب عليه كل الجهود.
نحن اليوم لسنا في حاجة إلى مدح أو إلى ذم. كلاهما لن يُصلِح الأمور، إنما في حاجة إلى تفكير واعٍ عن مستقبل هذا الوطن، وكيف نصنعه له الآن، لا كيف نتوقع أن يكون.
مشكلتنا هي بالتحديد هذه وعلى مدار عقود من الزمن، إما أن نكون أسرى الإطراء أو أسرى الذم. قليل ما استطعنا التعامل مع الواقع بموضوعية، أو استطعنا التفكير في كيفية تحسينه بما نملك من إمكانات وقدرات…
هذه الأيام نكاد نغرق في متابعة قضايا الفساد التي غطَّت وسائل إعلامنا، طرف يريد أن ينتصر لنفسه معلنا أنه يحارب الفساد، وآخر يريد أن يكون النقيض له معلنا أنه لا يمكن محاربة الفساد بالفساد! وبينهما يضيع السؤال المركزي الذي كان يُفتَرض أن يكون محط أنظار الناس: وماذا يمكن للجزائر أن تفعله في الخمس سنوات القادمة؟ وكيف يمكن أن تتقدم في ظل معطيات الوضع الراهن والمستقبلي؟ ومَن بإمكانه القيام بذلك؟ وكيف؟
مثل هذه الأسئلة ومثل هذا النقاش غائبان اليوم، ونحن على مقربة من تاريخ مفصلي في تاريخنا الوطني ربما يتعلق بانتقال السلطة من جيل الثورة إلى الجيل الجديد.
هل هذه هي المسائل الجوهرية التي ترافق مثل هذه الانتقال الكبير: فساد ومخدرات تشد أنظار الرأي العام؟
ومَن يطرح إذن المسائل الجوهرية المتعلقة بمستقبل هذا الوطن؟ ومَن يبدأ ذلك؟
أليس مستقبل الدولة الوطنية سؤالا جوهريا؟ أليس مستقبل القاعدة الفكرية التي تحكم هذه الدولة وهذا المجتمع مسألة جوهرية؟ أي إطار حضاري سيحكم هذه الدولة في العقود القادمة؟ أي انتماء لها؟ أيُّ ثقافة وأيُّ هوية؟ أم أننا سنعيش كما كان الحال فقط على توزيع السكنات، وتوفير الخبز وحليب الأكياس المدعمين وبعض الفتات، لمن استطاع إليها سبيلا من المال العام؟
يبدو لي أننا اليوم، في وقت طرح الأسئلة الصحيحة، وإثارة القضايا المصيرية، وعلينا أن ننتبه إلى هذا التوجُّه الخاطئ المتعلق بقضايا تحمل من الإثارة أكثر مما تحمل من الحقيقة لمنعنا من التفكير الصحيح في المستقبل.
ومشكلتنا منذ استعادة السيادة الوطنية هي بالدرجة الأولى هذه؛ بدل أن نطرح الأسئلة الصحيحة لنحصل على الأجوبة الصحيحة، نُدفَع دفعا لطرح الأسئلة الخاطئة التي مهما كانت الإجابات بشأنها “جيدة”، ستكون خاطئة… ومعها لن نحقق التقدُّم المطلوب ولن تَحدث المعجزة التي ينتظرها الناس ليعمَّهم الأمل ويعودوا بالفعل إلى ميدان العمل والبناء.. وسنبقى نعيش على وهم التظاهر بالمدح غير المحدود لما هو موجود أو الذم غير المحدود الذي لا يعترف بأي شيء ولو كان شبه موجود.

مقالات ذات صلة