-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إبادة.. مسكوت عنها

إبادة.. مسكوت عنها

كلنا نعلم بأن ثروة النفط في زوال، وقد يكون زوالها أقرب من لمح البصر، وكلنا نعلم بأن الأرض وحدها باقية، ونعلم بأن لا أرض من دون أوكسجين، ولا أوكسجين من دون أشجار، ومع ذلك نتابع بلا اهتمام وفي غالب الأحيان لا نتابع أصلا هذه الإبادة- بفعل فاعل- للغابات، إما في حرائق أتت هذه الصائفة على آلاف الهكتارات لتواصل مسلسل الإبادة، الذي ابتلع في العامين الماضيين ربع المساحة الغابية للجزائر. وقد أحصت الحماية المدنية في الجزائر يوم الاثنين، اثنين وخمسين حريقا غابيا مهولا، ومع ذلك لم نسمع عن رجل دولة ذرف دمعة أو رئيس حزب أصدر بيانا، أو مواطنين شرفاء اعتصموا أمام مديريات الغابات أو البيئة للمطالبة بحماية هاته الثروة التي حمت الإنسان والحيوان لعدة قرون.

في روسيا التي تمتلك أكبر غطاء نباتي في العالم، بمساحة تزيد عن الثمانية ملايين كيلومتر من الغابات، أي أربعة أضعاف مساحة الجزائر، عندما شبت عشرة حرائق فيها، تمت إقالة وزير الطوارئ، واستدعى البرلمان الروسي طاقم الحكومة لاجتماع طارئ واستثنائي، وفي البرازيل التي تقارب مساحة الغابات فيها خمسة ملايين كيلومتر، جرّت وزيرة البيئة مارينا سيلفا وزراء ومليارديرات إلى العدالة، لأنهم أجهزوا على بضع شجيرات، من أجل إنشاء مشاريع بعضها تعليمي، وتظاهر الشعب البرازيلي في الشوارع لأجل إقالة كل من يمسّ الشجرة بسوء، بينما في الجزائر التي لا تمتلك أكثر من ثلاثين ألف كيلومتر من الغابات في أرض تخنقها الصحراء من كل جهة، تحترق الغابة وتباد بالنار وبنار القلوب أيضا، ولا أحد يتحرك بل ولا أحد يؤلمه ما يحدث، سواء في الدولة التي لا تمنح الغابات أدنى ميزانية مقارنة بوزارات الاستهلاك والإسمنت، أم من طرف المواطنين الذي أعلنوا الطلاق بالثلاث مع كل ما هو أخضر في الحياة، فمن وهران حيث اشتعلت بعد عيد الفطر، إلى القالة التي صار حريق ثروتها الطبيعية يثير مخاوف اليونيسكو، مرورا بالبليدة.. تتواصل إبادة الحياة في صمت، يسيّره الشياطين الخرس، نحو تحويل الجزائر إلى أرض صلعاء لا تختلف عن الجزر الشهيرة التي تنعدم فيها الأشجار مثل ماريا الشمالية وغوام وساوتومي وبرينسيب.

منذ قرابة نصف قرن عندما حكم هواري بومدين، قدّم له المفكر مالك بن نبي مشروعا قوميا مكتملا عن السد الأخضر، الذي يمنع الصحراء من الزحف نحو الشمال، ويقلب الهجوم الأخضر إلى قلب الصحراء، ولكن الراحل الذي ضخ أموال النفط على مصانع مفلسة، وعلى قرى فلاحية قيّدت أيدي الفلاحين، ترك المشروع للمتطوعين من الشباب ومن جنود الخدمة الوطنية من دون أن ينفق عليه دينارا واحدا، ففشل المشروع وبدأ الزحف الذي انتهى بالقرع العنيف لأبواب العاصمة وقسنطينة ووهران من غول لا يبقي ولا يذر اسمه الصحراء.

لقد تمكنت الكويت وخاصة الإمارات العربية المتحدة من تحويل صحرائها بأموال النفط إلى حدائق تصدّر الورد إلى شمال أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، وتمكنت الجزائر من تحويل حدائقها التي كانت تصدّر الفرولة والكرز إلى أوربا، إلى صحراء مغروس فيها الإسمنت. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • أيوب الصابر

    وتتحمل الصحافة المكتوبة والمرئية جزء كبير من المسؤولية لأنها سكتت في وقت كان لا بد لها فيه أن تتكلم عن الجرائم التي لحقت بغابات الشريعة وأكفادو وإيعكوران وباينام وخنشلة بومرداس والبويرة وغيرها الكثير والكل يعرف من يقف وراء هذه الجرائم ولماذا ولكن الصحافة اكتفت بنقل الوقائع دون تحليلها وفضح المتسبيبين حتى يرتدعوا ولكن من يبكي من أجل الغابات أو الأراضي الفلاحية التي أصبحت في خبر كان وكأن قدرنا أن نحيا وسط أكوام الخراب في جمهورية الفوضى.

  • بدون اسم

    الله غالب هذا حال الجزائر كل شئ ماشي بالفوضى الا الفساد و الرشاوي و المحسوبية و الحقرة ...فانها تسير وفق نظام عجيب .

  • نور الدين

    يا أستاذ في الجزائر لم يبق شخص ينتفض من أجل المصلحة العامة أبدا، كل جزائري يلهث وراء مصالحه الخاصة ، لوقلت لجزائري أعطيك مشروع أونساج تبيعه وتشتري إبيزا أو قولف وأحرق من الغابات العمومية ألف هكتار يوافق على الفور ، أخاف يأتي يوم يقوم فيه الجزائري ببيع أرضه الخاصة التي ورثها عن أجداده بثمن بخس للأجانب لا قدر الله ، أعطيك مثالين سياسيين : 1- لي صديق مناضل قديم في حزب جبهة التحرير الوطني ، دائماً يتملق بالنضال والمبادئ ، وذات مرة ترأس حملة انتخابية .يتبع.

  • عبدالقادر

    وماذاتنتظر من الذين يخربون بيوتهم بايديهم؟هل رايت يوما مامفسدا اصلح ؟المفسد كالفار يحفر من دون ان يدري ان ما يحفره ممكن ان يردم فيه وهذاحال نظام الجزائر اليوم.من يسمح بان تحويل المساحات المخصصةلحدائق ولبساتين الأخضراروالورود وسهل المتيجةالى عمارات ومجمعات البيطون تحت اي ضريعةكانت.فهذاغيرمعقول يريد فاعله الذهاب بالجزائرللمجهول مع سبق الاصرار ومنه فهوخارج عن القانون ويجب ان لايكون مسؤولا ويحاسب على الفور.لكن لمانحن نتواجدفي بلادكل شيء ممكن فليس غريب وعجيب ابدا من ان تبادالغابات والاراضي الفلاحية.