الرأي

إخوتنا في كاليدونيا

أية لغة تسع تصوير جرائم فرنسا في الجزائر..؟ ما أظنها إلا اللغة العربية التي وسعت كتاب الله لفظا وغاية، وما ضاقت عن أي به وعظات، ولكن المشكلة الآن هي أن الناطقين بها لا يكادون يَبِينون إلا بقية ممن قبضوا قبضة من فحول هذه اللغة.

طبقت فرنسا في الجزائر جميع صور الإجرام التي عُرفت في أقطار الأرض، ولم تكتف بذلك، بل سَنّت في عالم الإجرام جريمة لم يسبقها إليها سابق، ولم يلحق بها فيه لاحق.. لا نتكلم عن القتل الجماعي، ولا الإبادة، ولا عمليات الحرق للبشر وللشجر، ولا انتهاك الأعراض، وفرض الجهل.. وكل هذه الجرائم مارستها دول أخرى، بل مارسها حتى   بعض الذين يزعمون أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ وما أُنزل عليه..

إن الجريمة التي أشير إليها اليوم هي جريمة “التهجير الجماعي” للجزائريين إلى مطلع الشمس..

قد يقول قائل إن الإسبان قد فعلوا ذلك، وهو قول مردود، لأن الإسبان قد هجّروا مسلمين إلى أراض إسلامية، وهو تخفيف عن آلام التهجير، فالمسلمون إخوة… ولكن الجزائريين هجّرتهم فرنسا اللئيمة إلى أرض لم يكن يذكر فيها اسم الله..

إن القتل أخف وطأة، فمن مات فقد استراح، وأما من هُجّر إلى ما هُجّر إليه الجزائريون فقد كان يُقتل حتى يأتيه الموت الذي هو نهاية كل حي.. إلا الله ـ عز وجل ـ فـ”كل شيء هالك إلا وجهه”.

من أكبر جرائم فرنسا هو تهجير مئات من الجزائريين إلى ما يسمى كاليدونيا، خاصة عقب الجهاد الذي قام به الشيخ الحداد والمقراني، وكاليدونيا تبعد عن الجزائر آلاف الأميال..

تشكلت هناك جالية، وقد راهنت فرنسا على أن ينسى الجزائريون دينهم، ولغتهم، وأصولهم، خاصة بعدما حرّفت أسماءهم وألقابهم.. ولكن بعد أمة نزعهم عرقهم، خاصة بعد تطور الاتصالات، وسرعة المواصلات..

لقد زار وفد منهم وطنهم الجزائر، وودوا لو تقوم دولتهم بما هو واجب عليها نحوهم.. كما زار وفد منهم الشيخ العباس في مسجد باريس وطلبوا إرسال أئمة يعلمونهم دينهم، ومعلمين يعلمونهم لغتهم، وما كان الشيخ العباس يستطيع إلا أن ينبه ويذكر… وليس له سلطان… وكان في آذان من بينهم الأمور وقر، وفي أعينهم عمى، وعلى قلوبهم غشاوة..

منذ أيام قليلة كلمني فضيلة الإمام موسى عزوني، وأخبرني أن شخصا زاره وذكره بأولئك الجزائريين الذين يستغيثون، وسيحاسبوننا أمام الله بأنهم استغاثوا فلم يغاثوا.. بينما الأموال تبذر في الفساد وعلى الفاسدين والمفسدين، سواء كانت أموالا عامة أو خاصة…

مقالات ذات صلة