-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إدارة التناقض وازدواجية القرار المغربي.. خلفياتٌ ودلالات

بقلم: علي لكحل
  • 2222
  • 0
إدارة التناقض وازدواجية القرار المغربي.. خلفياتٌ ودلالات

تتجه الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة لنوع من إدارة التناقض، وازدواجية القيم، التي تؤشر لازدواجية مراكز القرار. وغدا ذلك واضحا في جملة من السلوكات الخارجية التي صاحبتها تناقضات صارخة.

أولا: الازدواجية الهوياتية

ظل المغرب يعبر عن هويات مزدوجة منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وظل مستمرا إلى اليوم. المغرب يشعر بالعزلة في محيطه، المغاربي والإفريقي، وتسعى الدبلوماسية المغربية منذ زمن للبحث في فضاءات جديدة، أوروبية ومتوسطية، فيما يمكن أن يطلق عليه اللجوء الهوياتي، إذ يعتقد المخزن أنه فقدَ هويته المغاربية والإفريقية، باعتبار أن الاتحاد المغاربي تحت التجميد، والاتحاد الإفريقي لا يمكنه تلبية طموحات المخزن، ويدرك أن عودة المغرب إلى عضويته هي مجرد عودة للتأثير في قراراته المتعلقة بالصحراء الغربية.

أول مظاهر هذه الازدواجية الهوياتية تشكلت خلال الحروب العربية الصهيونية، إذ وضع المخزن نفسه في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، وهو يزوّدها بخبايا القمة العربية، والمعلومات العسكرية التي أدت في النهاية لانهزام العرب في حرب 1967م. وهنا تجلت الهوية المزدوجة للمغرب في الانتماء للأمة العربية، والعمل ضدها في التوقيت ذاته.

وأول مظاهر هذه الازدواجية الهوياتية تشكلت خلال الحروب العربية الصهيونية، إذ وضع المخزن نفسه في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، وهو يزوّدها بخبايا القمة العربية، والمعلومات العسكرية التي أدت في النهاية لانهزام العرب في حرب 1967م. وهنا تجلت الهوية المزدوجة للمغرب في الانتماء للأمة العربية، والعمل ضدها في التوقيت ذاته.

المظهر الثاني للازدواجية الهوياتية، يتمثل في تنكُّر المغرب للأمة العربية وإفريقيا بتقديمه طلب الانضمام للاتحاد الأوروبيـ إذ اعتقد الحسن الثاني أن جذور المغرب في إفريقيا لكن أغصانها في أوروبا. وكان بذلك يؤكد على وضع المغرب في خدمة مصالح الضفة الشمالية، فأغصان المغرب تثمر في أوروبا بينما تدير الدبلوماسية المغربية ظهرها بخيانة العرب، ثم الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية لقبولها عضوية البوليزاريو.

المظهر الثالث للهوية المزدوجة، تمحورت في السنوات الأخيرة في الارتماء الكلي في حضن الصهيونية بعد رفض الاتحاد الأوروبي انضمام المغرب، وفشله في تغيير سياسات الإتحاد الإفريقي، وهنا يحاول المغرب أيضا إدارة التناقض حينما يستدعي العدوَّ صاحبَ الهوية المعادية، لتهديد الجار صاحب الهوية المشترَكة.

وقد قادت الازدواجية الهوياتية للمغرب إلى ظهور هوية مزدوجة في مختلف المجالات حتى تلك التي يصعب تصديقُها.

ثانيا: ازدواجية مركز القرار المغربي

منذ العام2017 انتقل المغرب من إدارة التناقض إلى ازدواجية صناعة مراكز القرار، فعودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الإفريقي سنة 2017م، الذي جاء للتخلُّص من الضغوط التي لاحقت المغرب على المستوى الأممي في الملف الصحراوي والحقوقي، واعتبرته  الجزائر والبوليزاريو، اعترافا ضمنيا بالجمهورية الصحراوية. كل ذلك وضع المغرب جنبا إلى جنب مع البوليزاريو، ويقاسمه الحقوق والواجبات ذاتها في الاتحاد الإفريقي، لكن المغرب نفسه وجدناه في المقابل يرفض حضور قمة “تيكاد” المنعقدة بتونس وهي قمة العلاقات الإفريقية اليابانية، ويحتج على تونس لاستقبال رئيسها قيس سعيد في 26 أوت2022، الرئيسَ الصحراوي إبراهيم غالي، المدعو من طرف الاتحاد الإفريقي، وهو الأمر الذي اعتبره المغرب “عملا خطيرا وغير مسبوق”، وأدى إلى استدعاء سفيري البلدين، وأكدت تونس أن “كلًّا من الاتحاد الإفريقي ورئيس المفوضية الإفريقية هما من أرسلا دعوات إلى كل أعضاء الاتحاد ومن بينهم الوفد الصحراوي). وهنا تبدو ازدواجية السلوك الخارجي المغربي، فبدل توجيه خطاب الغضب والاستنكار نحو الاتحاد الإفريقي الذي وجّه الدعوة لزعيم البوليزاريو، تم توجيهه نحو تونس لممارسة نوع من الضغوط عليها ومحاولة التأثير في قراراتها، لكن المخزن صُدم في طبيعة الرد التونسي الذي أكد أنه منظور يخضع للسيادة ويؤكد انسجام الدبلوماسية التونسية مع المؤسسات الدولية التي تنتمي إليها وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي.

وفي هذا الإطار يبدو أن هناك مركزين لصنع القرار، أحدهما تجلس أطرافه مع البوليزاريو في الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وحتى كعضو ضيف في مجموعة عدم الانحياز، والثاني يرفض الانسجام مع هذا التوجُّه.

الازدواجية السياسية المغربية تبدو أيضا في سلوك المخزن تجاه القمة العربية المنعقدة بالجزائر، فالواضح أن أحد مراكز صنع القرار قد رحَّب بالفكرة وبدأ يخطط لحضور العاهل المغربي محمد السادس، ولكن مركزا آخر أكثر تأثيرا ضغط باتجاه غياب الملك وتفويت فرصة المصالحة مع الجزائر، ويبدو أنَّ السِّجال بين المركزين دفع إلى الحل الوسط، وهو إرسال وزير الخارجية المغربي على مضض، وفي ذلك استجابة لمركز القرار الأول، مقابل التشويش على القمة العربية عن قرب، وفي ذلك استجابة لضغوط الطرف الثاني.

والواضح هنا، أن الطرف المعجِّل بحضور القمة هو طرفٌ مغربي من بقايا النظام المغربي السابق، والطرف المعطّل لحضور القمة هو الطرف المتصهين الذي يعبِّر عن جيل جديد من القيادة المتصهينة، فليس من مصلحة هذا الطرف قيام أي تقارب مغربي جزائري، لأن رؤيته مبنية على الانفراد بالمغرب من جهة واستعداء الجزائر من جهة أخرى، إذ وقعت المملكة اتفاقا للتعاون الأمني والعسكري من شأنه أن يسهِّل حصول الرباط على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية. وبالتالي القيادة التامّة للمغرب نحو المنظور الصهيوني.

ثالثا: ازدواجية الدبلوماسية الرياضية

يؤكد السلوك الرياضي المغربي تجاه الألعاب المتوسطية، وكأس إفريقيا للعابين المحليين. ازدواجية القرار المغربي، فالمغرب الذي شارك في ألعاب البحر المتوسط هو نفسه الذي رفض حضور “الشان” الإفريقي، وقاد حملة التشويش على العرس الإفريقي عن بُعد.

وهنا يأتي التساؤلُ المشروع: لماذا توحدت مراكز القرار المغربي في صنع قرار المشاركة في ألعاب المتوسط، ولم يتحقق ذلك في “الشان” الإفريقي.؟

السبب واضح وهو أن اللجنة الدولية لألعاب البحر المتوسط، بالنسبة للمغرب هي الأكثر تقديرا مقارنة بالاتحادات الإقليمية العربية والإفريقية، فالمنظور المغربي ينظر بشيء من الاحتقار والدونية إلى تلك الاتحادات، ويسمح لنفسه بتجاوزها، بينما يعجز عن فعل ذلك على المستوى الدولي والمتوسطي، لأنه يشعر بالدونية تجاه الأطراف الغربية، ويتماهى مع المنظور الهوياتي الأوروبي والمتوسطي أكثر من غيره.

رابعا: الازدواجية الدينية

من أغرب التناقضات التي يعرفها المغرب هو انتقال سلوك السلطة إلى المعارضة، وأعجب ما في ذلك تبني التيارات المحسوبة على الحركة الإسلامية المدخل السلطوي للتفاعل مع المواقف الخارجية، إنها عدوى الازدواجية تنتقل في المغرب كالنار في الهشيم، فقبل مدة دعا الريسوني إلى “الجهاد” ضدّ الجزائر، ولحقه بن كيران بالدعوة للاستعداد إليه، وفي موقفهما قمة الخضوع لتأثيرات المركز الصهيوني الذي جعل من قيادة الحزب الإسلامي الموقعة على اتفاقية التطبيع وتبرر شرعية التهديد الذي أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد من الأراضي المغربية ضد الجزائر.

إدارة التناقض، وازدواجية القيم والقرارات، لم يجن منه المغاربة سوى المزيد من الفشل؛ فقد رفض الاتحاد الأوروبي انضمام المغرب إليه، وعجز المغرب في تغيير الهوية السياسية للاتحاد الإفريقي وظلت الصحراء الغربية عضوا كاملا الحقوق، وسقطت حكومة التطبيع وحزبها الإسلامي، ولم تنجح الضغوط المغربية في منع إبراهيم غالي من ممارسة نشاطاته الدولية، وفرضت الضغوطُ الجزائرية استقالة الريسوني من منبر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.

وستسقط كل السياسات التي لا تتعارض مع طبيعة العلاقات بين الدول فقط، وإنما تتعارض أيضا مع طبيعة الشعب المغربي الذي لا يزال يناضل لاستعادة كرامته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!