-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إضعاف التعليم ضياعٌ للمستقبل!

إضعاف التعليم ضياعٌ للمستقبل!

لا شك أن كل جزائري سيكون سعيدا بتحقيق بلاده لنتائج متقدمة في أي قطاع، فكيف إذا تعلّق الأمر بحصاد التعليم، عماد المستقبل ونهضة الأمم، ولذلك نفرح بتسجيل ثالث أعلى نسبة نجاح هذا الموسم في شهادة البكالوريا منذ الاستقلال، بانتقال 61 بالمئة من أبنائنا إلى الطور الجامعي، وهو بالمناسبة معدّل قريب من دول الجوار، يقتضي الثناء على جهود الأسرة التربوية، من أعلى مسؤوليها إلى أدنى القائمين على شؤونها، وكذا الأولياء الذين رافقوا أبناءهم في رحلة النجاح.

لكن الانزعاج الوحيد الذي لم ترغب النخبة في حدوثه، هو تخفيض معدل نيل الشهادة الرئيسة في المسار التعليمي إلى أقلّ من 10/20 للمرة الثانية على التوالي، بذريعة الظروف الوبائية، وهي حجة غير مستساغة تمامًا، فقد ظلّ المسؤولون يطمئنونا طيلة الموسم الدراسي على أنّ العملية البيداغوجية تجري على أحسن ما يرام، بل إنهم ثمّنوا التدريس بنظام الأفواج، مؤكدين أنه أعطى نتائج دراسيّة جيدة، تجسّدت في تحسّن مستوى التحصيل المعرفي لدى التلاميذ، قبل أن نفاجأ بتنزيل عتبة النجاح إلى 9.50.

وإلى الآن لم تفصح الوصاية عن عدد هؤلاء الناجحين بالإنقاذ، لنقف على مبرر اللجوء إليه وحجم تأثيره على المرحلة الجامعية، بل وليتمكن المختصون والشركاء من تقييم الأداء التعليمي الفعلي لموسم 2020/2021، قياسًا بما سمعناه من تصريحات إيجابية لمسؤولي الوزارة في كافة المستويات، علمًا أنهم في السنة الماضية أكدوا أن نسبة المؤهلين بمعدلات تقل عن 10/20 لم تتجاوز 1 بالمئة من المجموع العام للنجاح، وهو ما يعني عمليّا أن القرار لم يكن للأسف مبرّرًا وقتها، إلا إذا كان الوجه الآخر للحقيقة مغيّب عن الرأي العام، في حين لم تلجأ دول شقيقة مجاورة لمثل ذلك، وهي تعيش ظروفا صحية أخطر من الجزائر.

لا نتمنّى أن يرسب تلميذ واحد من أبنائنا في أي طور تعليمي، لكنه ليس مقبولا على الإطلاق تحديد مسبقا نسبة نجاح معينة، لأي غرض شخصي أو إداري أو سياسي أو اجتماعي، إذ يكفي أن ينجح من يستحق بجهده الخالص، ليكون انتقاله، في إطار من الشفافية الكاملة، إلى طور أعلى عن جدارة، حتى يكمل مساره الجامعي بأمانٍ، لأن الكثير من إخفاقات التعليم العالي مرتبطة بإفرازات التعليم العام.

إنّ قرار الإنقاذ قد فتح باب التأويلات والانتقادات على وزارة التربية الوطنية، وخدش في جهودها الكبيرة لتطوير المنظومة التعليمية، فقد نظرت إليه أطراف كثيرة من داخل القطاع نفسه، فضلا عن الخبراء والأكاديميين، من زاوية الخيارات الشعبويّة ذات الأهداف الكميّة الاجتماعية على حساب المردود النوعي لمخرجات التعليم، الأمر الذي قد يمسّ بمصداقية الشهادة داخليا وخارجيّا، وقد يجعل التعامل معها مستقبلاً خاضعا أكثر لمزاجات ظرفيّة، وربّما حتى رهانات سياسويّة.

لقد شدّد دستور 2020 في المادة 65 منه على أنّ “الدولة تسهر على ضمان حياد المؤسسات التربوية وعلى الحفاظ على طابعها البيداغوجي والعلمي، قصد حمايتها من أي تأثير سياسي أو أيديولوجي”، ونعتقد أنّ صيانة شهادة البكالوريا، بصفتها قيمة تعلميّة تكوينية، بتأمينها من التدخلات الإدارية السياسية مشمول بالمنطوق الدستوري أعلاه، لأنّ تجاوز مبدأ الاستحقاق والجدارة في النجاح المدرسي كشرط حتمي للظفر بشهادة نهاية مرحلة التعليم العام، يُعتبر شكلا من أشكال التسييس، بغضّ النظر عن المخطط له أو المستفيد منه.

لقد أدت ممارسات العهد البائد إلى إفساد الحياة السياسية بتخريب الأحزاب والجمعيات والانتخابات والبرلمانات والزوايا والمدرسة والجامعة وباقي الفضاءات والمؤسسات القاعدية، حيث تحولت إلى مجرد أدوات وظيفية لإسناد السلطة، بعيدا عن أدوارها الأصلية في خدمة المجتمع والدولة، ليصبح من أولويات الجزائر الجديدة اليوم تصويب الوضع الأعرج وتصحيح الانحرافات وقطع الطريق أمام القرارات المشكوك في دوافعها ونجاعتها، بل المطعون في آثارها المستقبليّة.

إنّ ما يبعث الأمل في استدراك تلك الأخطاء الكارثية على قطاع تنشئة الأجيال، هو تركيز برنامج الرئيس عبد المجيد تبون على  التربية والتعليم العالي، فقد تعهّد بإطلاق مراجعة بيداغوجية، مع وضع الجودة والفعالية في قلب النظام التربوي، وهو ما يعكس الإرادة والرؤية في الانتقال بإدارة القطاع من الأرقام الكميّة إلى المخرجات النوعيّة، لذلك فإنّ المطلوب الآن من الوزارة التنفيذية هو ترجمة التصور الرئاسي إلى خطة عمل إجرائية مستعجلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عز الدين

    بارك الله فيك ،في رايي يجب تحسين النوعية لا رفع الكمية و شكرا.

  • خالد

    نوعية محتشمة على هامش نجاح عريض للكمية !

  • الحسين الجزائري

    على التربية والتعليم السلام.