الرأي

إلى المتقاعدين من أبناء الجيش الوطني الشعبي

الشروق أونلاين
  • 16362
  • 25

عرفت الجزائر في الفترة السابقة أزمة كبيرة دفع خلالها الشعب بكل فئاته ثمنا باهظا وكان من بين هذه الفئات المتضررة أفراد الجيش الوطني الشعبي الذي وجد نفسه مكرها في قلب صراع لم يكن سببا له ولا طرفا فيه.

وفي هذا الوقت العصيب الذي كان فيه الجيش بكل فئاته يدفع ثمن أخطاء طبقة سياسية فاشلة وعاجزة، كان الكثير من المتسلقين والوصوليين يبحث عن الغنائم بين ركام الجثث، ويرتقي سلم المسؤوليات على الأشلاء بدون كفاءة ولا مقدرة ولا أي رصيد معرفي، لقد كانوا يومها يلعبون على الحبلين ويتمنون استمرار الأزمة ليستمر الريع ويستمروا في المناصب التي لا يستحقونها، يومها عندما كانت الغربان تنعق في النواحي والبوم ينعي القتلى ويعلن الخراب في كل مكان، كنتم وحدكم يا أفراد الجيش الوطني الشعبي الأمل، كنتم وحدكم جذوة الطور الأيمن التي آنسها الشعب في لياليه المظلمة، يومها عملتم في صمت، لم تبيعوا ولم تخونوا ولم تغادروا كما فعل غيركم، فعلتم ذلك بفخر وعن طواعية، لأنكم تحبون هذا الوطن وتلك كانت ضريبة حبكم له، لقد كنتم كذلك، لأنكم أبناء هذا الشعب وخرجتم من صلبه، ولأنكم أحفاد جيش التحرير. 

لقد كنتم يومها بين نارين، نار الحفاظ على دولة تتداعى أركانها، ونار طبقة سياسية عاجزة عن أداء أي دور، وبعضها يمارس السمسرة ويبحث عن التموقع بأقل التكاليف، لقد أديتم دوركم كما ينبغي وكنتم في مستوى المسؤولية التي أنيطت بكم، لقد أديتم الأمانة وصنتم الوديعة وحافظتم على ميراث الشهداء، لقد تحليتم يومها بالوعي الكافي والمسؤولية المطلوبة لا أحد يجادل في ذلك، لأنكم تخرجتم من مدرسة بن بولعيد وبن مهيدي، الكل يعرف هذا ولا ينكره، وأكثر الناس إدراكا لهذا الأمر ووعيا به هي قيادة الجيش الوطني الشعبي التي كانت يومها جزءا منكم وكنتم انتم جزءا منها، إنها أكثر الناس إدراكا ووعيا بالتضحيات التي قدمتموها والمسؤولية التي تحملتموها وكنتم لها أهلا، وهي لم تتخل عنكم ولن تتخلى عنكم أبدا وهي أكثر الناس إحساسا بكل ما يمكن ان يصيبكم من مكروه، لأنها كانت ولا تزال جزءا منكم، ولا يفرق بينها وبينكم إلا منصب زائل أو لقب تقتضيه ضرورة التنظيم، وكل من يقول غير ذلك يمارس التضليل ويحاول إثارة الشك في الفئة التي تحلت بالوعي والمسؤولية في كل الفترات العصيبة وظلت صامدة موحدة في كل الظروف.

 إن قيادة الجيش كانت ولا تزال تتابع باهتمام بالغ ما تعانونه وما تتحملونه من مشاق الحياة ومتاعبها، وتبحث دائما في إطار الممكن ودون الإجحاف بالفئات الأخرى من الشعب عن الحلول، إنها تحاول ما استطاعت أن تحل مشاكلكم في إطار مشاكل كل المجموعة الوطنية دون مزايدة ولا ضجيج، وبالتنسيق مع الجهات المسؤولة الأخرى حتى لا تغمط أي فئة من الشعب أو تهضم حقوقها، إن قيادة الجيش لا تريد لكم أن تظهروا وأنتم الذين ضحيتم من أجل هذا الوطن على أنكم فئة مميزة لا تهمها إلا مصالحها كما يحاول البعض أن يفعل ذلك، إنها تسعى إلى إيجاد الحلول الممكنة دون الإخلال بحقوق الفئات الأخرى، وفي إطار الإمكانات والموارد المتاحة للدولة، إنها تفعل ذلك في صمت وترى أن ذلك واجب من واجباتها لا تمن به عليكم.

إنني أقول ذلك وأنا واحد منكم متقاعد من صفوف الجيش الوطني الشعبي، أديت واجبي يومها وما زلت مستعدا لأن أؤديه مرة أخرى إذا تطلبت الظروف ذلك، شرف لي أنني خدمت الوطن في صفوف هده المؤسسة العريقة، وأتمنى الخير لكل الزملاء السابقين فيها، ولا أشك في أن لهم حقوقا مشروعة، ربما نختلف فقط في الظرف وطريقة العمل، وأرى أن نتحلى بشيء من الحذر حتى لا تستغل هذه المطالب وتوجه من فئات أخرى لها أهداف غير الأهداف التي نسعى من أجلها، هذه الأطراف لا يهمها المتقاعد من الجيش ولا يهمها الجيش ولا يهمها الوطن برمته، تهمها فقط مصالحها، ومصالحها مربوطة بغياب الاستقرار وضعف المؤسسات، إن هذه الأطراف تسعى إلى زرع الفرقة والشك في صفوف المؤسسة التي كانت ولازالت المظلة التي نحتمي بها جميعا أثناء الأزمات، لقد تشرفنا بالانتساب إليها ولازلنا نعتبر أنفسنا من أبنائها، ولا يمكن أن نسمح لأي طرف أن يمسها بسوء أو أن يفرق بين أبنائها مهما كانت الظروف، أو أن يتخذها غرضا او سلما يرتقي عليه المراتب أو يحقق به أغراضه الدنيئة، إنكم اكثر وعيا وأكبر من أن يستغلكم سياسي متلون أو انتهازي أحمق كان بالأمس مجرد بيدق تعبث به الأيدي الدنيئة تصرفه كيف تشاء، هي الأقدار جعلت بعضنا في مواقع تسمح له أن يرى بعض ما لا يراه إخوانه، وواجب الأخ أن يبصر أخاه وينبهه في الوقت المناسب حتى لا يطعن في ظهره أو يجر إلى غير موقفه الذي يريد. 

لقد كنا بالأمس يا أبناء الجيش الوطني الشعبي حماة هذا الوطن ودرعه الذي تكسرت عليه رماح الغدر والكيد، ونريد أن نبقى كذلك على عهد الشهداء وفي مستوى المسؤولية والوعي الذي تحلينا به بالأمس، كتلة واحدة متحدة لا تسمح بالعبث وتسمو فوق المناورات الدنيئة التي تحركها فئات جبانة فقدت امتيازات لا تستحقها وتريد ان تستغل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد لكي تنفخ في نار الفرقة والفتنة من جديد، أقول لكم من أعماق القلب من لهذا الوطن غيركم إذا تداعيتم وانهرتم وانتم حصونه بالأمس واليوم وغدا، من لهذا الشعب إذا تفرقت كلمتكم أنتم، إن مستوى الوعي الذي تتحلون به ومعايشتكم للأزمة التي مر بها البلد عن قرب، يجعلكم أكثر الناس إدراكا للتكاليف التي دفعناها من أجل العودة إلى الاستقرار، حقيقة أننا لم نصل إلى الوضع المأمول ولم يحقق الكثير منا أحلامه، ولكننا نتقدم نحو الأفضل وانتم أعلم الناس بذلك، إن الاستقرار الذي نعيشه اليوم هو نتيجه تضحياتكم وجهدكم وصبركم، فلا تسمحوا لأحد أن يعبث به من جديد، مهما كانت منزلته ومكانته، لا تسمحوا لهؤلاء أن يعيدونا إلى نقطة الصفر، نسير بخطى ثابتة نحو هدف واضح ونسعى أن نعيد بناء وطن كاد ان ينهار يوما لولا تضحياتكم، وعلينا أن نكون حذرين من المناورات التي تحضر في الخفاء ولا يخفى على أحد أننا اليوم على رأس قائمة الدول التي يراد بها الشر، إننا نمتلك وطنا بحجم قارة أعطاه الله من الخير ما لم يعط غيره، ولنا الكثير من الحاسدين والحاقدين والمتربصين، وقد تسلمناه البارحة فقط أمانة من يد الشهداء والمجاهدين وواجبنا ان نسلمه للجيل القادم موحدا سيدا كما تسلمناه، وهذا اقل ما علينا أن نفعله.

وفي الأخير أقول لبعض السماسرة السياسيين الذين حاولوا ركوب الموجة واستغلال الظرف وراحوا يراسلون جهات رسمية باسم متقاعدي الجيش، أقول لهم لا مستواكم الدراسي ولا تجربتكم السياسية تؤهلكم للحديث باسم هذه الفئة التي تملك من الإطارات ما يغنيها عن خدماتكم المجانية، ولو كان المقام يسمح لذكرناكم بماضيكم وبعض مخازيكم السابقة، والطرق التي تسلقتم بها المراتب في وقت كنا ندافع عن الوطن وكنتم تتاجرون به، والكل يعلم الأدوار المشبوهة التي قمتم بها أثناء الأزمة وبعدها والفئات التي قمتم باستغلالها والفئات التي استغلتكم وتحرككم من خلف الستار، ولو كنتم  تريدون الخير لهذه الفئة لاستعملتم الصلاحيات التي يخولها لكم القانون لحل مشاكلها على الأقل على مستوى الولاية التي تمثلونها، ولو كانت نياتكم صادقة وغايتكم نبيلة لفعلتم ذلك في صمت ولكنا لكم على ذلك من الشاكرين، ولكنكم وللأسف تؤدون دورا أكبر منكم وتتقصون لباسا لا يملؤه جسدكم وما ذلك إلا دليلا على حمقكم وقلة عقلكم، وننصحكم أن تختفوا عن الأنظار مثلما فعل أسيادكم قبل أن يدرككم طوفان فضائحكم التي لا يعرفها الكثير. 

الجزائر في 02/02/2018

مقالات ذات صلة