-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى كلّ مدرِّب وطني .. اللهث وراء المال ليس من حب الوطن!

بقلم: مسعود قادري
  • 573
  • 0
إلى كلّ مدرِّب وطني .. اللهث وراء المال ليس من حب الوطن!

لم يكن من حقنا كإعلاميين انتقاد المدربين الوطنيين السابقين بشدة، لأن ظروف عملهم كانت قاسية وناقصة من جميع الميادين، فحتى تحضيراتهم للمنافسات العالمية الكبيرة لم يكونوا يعرفون هذه البرامج التحضيرية والمباريات الكبيرة مع الأندية والمنتخبات، خاصة قبل التأهل لنهائيات كأس العالم 82، أما العقود والمرتبات فلا نعرف عنها شيئا، بل قد تكون مجرد منح تعطى تنفيذا لقرارات التعيين.

لذلك، أعتبر أن من حق الإعلام والمواطنين حاليا مطالبة المدربين بالنتائج، وهذا ليس عيبا أو تجنيا، فكما أنّ للمدرب الحق في المطالبة بتنفيذ بنود العقد، فمن واجبه إذا لم يحقق ما اتفق عليه في العقد، أن يعتذر ويتنازل عن جزء من مستحقاته أخلاقيا، حفاظا على الود وشعرة معاوية ربما في التواصل مستقبلا.. أما إذا كان التعامل بمنطق “فولتي وإلا..” فلا يمكن أن نتلاعب بالعواطف الوطنية ونبني العلاقات من الأول على أساس تجاري في شفافية تامة، وإذا كان المبلغ المطلوب يفوق طاقة المدرب، فليبحث كل طرف عن مصلحته.

وبالعودة إلى التاريخ سنعرض صورا مما تعرّض له المدربون الجزائريون والأجانب عبر العقود الأربعة الأخيرة بداية من السبعينات، دون الحديث عن المدربين الأوائل انطلاقا من “قادر فيرود” ومن لحقه من أعضاء فريق جبهة التحرير الوطني فقط، سنعرج على مرحلة السبعينيات وما بعدها اختصارا والبداية من رشيد مخلوفي الذي شكّل المنتخب الوطني مع المرحومين الشقيقين سوكان من المنتخب العسكري وطعّمه بعناصر من البطولة اقتحم بها في ظرف قصير ألعاب المتوسط 1975 والألعاب الإفريقية 1978 وتُوِّج في المناسبتين بالذهب، ولكنه كان محل انتقادات دفعت به إلى ترك مكانه لخالف محيي الدين واليوغسلافي رايكوف. سبب الاستقالة حُكمٌ مسبق على نتائج منافسة لم تكمل، فإثر فوزه الضئيل (1\0) أمام مالي سنة 1979 في تصفيات ألعاب موسكو الأولمبية 1980 خلال مباراة الذهاب في الجزائر ورغم الأداء الجيد للمنتخب، إلا أن عدم توفيق الهداف الشاب آيت الحسين في التسجيل عرّض المدرِّب رشيد مخلوفي واللاعب آيت الحسين لانتقادات لاذعة دفعت مخلوفي إلى ترك مكانه للسيد محيي الدين خالف بعد أن ضمن التأهل إلى الدور ما قبل الأخيرمن تصفيات ألعاب موسكو 80 بعد مباراة العودة إذ تأهل “الخضر” وقتها بضربات الترجيح.

لم يُعب مخلوفي وقتها على الصحافة انتقاداتها لأنها كانت موضوعية وأخلاقية، وأكمل السيد محيي الدين خالف المهمة مع “الخضر” بانتصارين تاريخيين أمام المغرب (1\5) في الدار البيضاء و(3\0) في الجزائر وتأهَّل لألعاب موسكو..

قبل الأولمبياد قاد خالف ورايكوف المنتخب ألعاب المتوسط 1979 بسبليت اليوغسلافية (كرواتيا حاليا) وكان مرشحا للحفاظ على ميداليته الذهبية لولا سوء التحكيم في المباراة نصف النهائية، إذ كان تحيُّز الحكم السويسري واضحا للمنتخب المحلي فحوّل المباراة إلى منازلة للملاكمة. في نفس المسار مع بداية سنة الأولمبياد شارك المنتخب في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بنيجيريا 80 وحقق نتائج باهرة أوصلته إلى الدور النهائي ضد النسور النيجيرية الفائزة باللقب.. وفي ألعاب موسكو خرج المنتخب من الباب الواسع ولم يتأهّل إلى الدور الثاني إلا بفارق ضئيل.

واصل المدربان عملهما بالدخول في تصفيات كأس العالم 1982 باسبانيا وكانت نتائجهما مرضية، لكنهما لم ينجوَا من انتقادات البعض، فانسحب خالف من القيادة بعد مباراة سيراليون الثانية (3\1 لصالح الجزائر) ولحقه رايكوف قبل الدور ما قبل الأخير من التصفيات عقب انتصار كبير ضد النيجير (4\0) إذ حمل أمتعته وغادر البلاد من دون استئذان أو توضيح، وللعدل والإنصاف نقول، وربما الأخ خالف ومن عاشر اليوغسلافي رايكوف يوافقني الرأي، إن رايكوف كان مدرِّبا كبيرا ورجلا محترما، لم يبخل بجهده وخبراته كلاعب دولي يوغسلافي سابق وكمدرب محنك على المنتخب الوطني.

بعد مغادرته المفاجئة، تولى قيادة “الخضر” عبد القادر بهمان رحمه الله في مباراة النيجر إياب وانتهت لصالح المحليين (1\0) فأنتُقد هو الآخر انتقادا كبير حتى من بعض اللاعبين، لكنه تحمّل وترك المهمة للثلاثي روغوف ورابح سعدان ومعوش الذين وُفِّقوا في نيجيريا وضمنوا التأهل بالفوز في اللقائين وكسبوا ورقة الذهاب إلى المونديال الكروي بأسبانيا 82 لأول مرة في تاريخ الكرة الجزائرية.

قبل بداية مونديال إسبانيا، أقيل روغوف ومعّوش فجأة، وعُيّن رشيد مخلوفي مديرا فنيا وطنيا وخالف محيي الدين مدرِّبا للمنتخب، وسعدان مساعدا، وحاولت جهاتٌ خلق جوّ مسموم بين مخلوفي وخالف، لكن الرجلين أكملا مهمتها دون الاهتمام بكل ما يُكتب… ومع أن وسائل الاتصال في تلك الفترة كانت محدودة والمنتخب كان معزولا عن الصحافة في مقاطعة الأستورياس الإسبانية، إلا أن مقالات كثيرة نُشرت وقتها من وحي الخيال وكانت فيها مغالطات كثيرة، الأمر الذي جعل الجمهور ينظر بنظرة حاقدة إلى مخلوفي وكأنه حرم المنتخب من نيل كأس العالم..

ستتاح لنا فرصة أخرى إن كان في الحياة بقية، سواء من خلال مؤلفنا الذي ينتظر الطبع، أو في مناسبات لعرض تفاصيل ما ألِّف وقتها من روايات خيالية الهدف منها إبعاد مخلوفي عن المنتخب من قبل جهات معينة..

تحمّل الرجلان كل الانتقادات مع أن العقود مع الاتحاد لا ندري ماذا كانت تتضمن وما قيمتها مقارنة بما يتلقاه حاليا مدربو الأندية فقط من منح التوقيع الخيالية التي تتنازل الأندية عن نصيب منها وتسرح المدرّب عند أول هزيمة!

من المدربين الذين تعاقبوا على المنتخب الوطني، رابح سعدان الذي حقق الكثير مع التشكيلة الوطنية، ومع ذلك تنكّر الناس لجهوده ودوره في تشريف العلم الوطني في العديد من المناسبات الهامة، أهمّها تأهيل المنتخب الجزائري ثلاث مرات إلى المونديال: 1982 و1986 و2010.. المرحوم عبد الحميد كرمالي كان وراء تتويج المنتخب بالنجمة القارية الأولى مع فرقته التقنية (سعدي وفرقاني والمرحوم عبد الوهاب مدرب الحراس)، لكن عندما وقع للمنتخب ما وقع في السنغال سنة 1992، أصبح الرجل لاشيء وربما يتذكر الصحفيون الذين حضروا الدورة في السينغال بكثرة كيف كانت علاقته مع المرحوم عمر كزال (رئيس الاتحاد وقتها) رحمهما الله سيئة، مع أن الجميع يدرك ويعرف الظروف السياسية الصعبة التي كان يمر بها الوطن والضغط الذي كان منصبًّا على اللاعبين خلال مباريات كأس 1990 بالجزائر، ثم تطور الأمور سنة 1992 إذ أبلِغ الوفد وهو في موقع المنافسة باستقالة الرئيس الشاذلي رحمه الله ودخول البلد في نفق صعب نحمد الله علي الخروج منه بأقل الأضرار رغم قسوتها.

لم تتوقف الانتقادات بين الأمس واليوم ولن تتوقف مادام هناك منتخبٌ وطني ومدربون يشرفون عليه، لكن الذي لا يقبله العقل هو الانتقادات الجارحة التي تخرج عن إطار اللياقة والأخلاق المهنية، والتي يفترض أن لا تقبل بها الجهات الوصية مهما كان صاحبها، فالبلاد ورياضتها لا تتطوران بالكلام الجارح وخدش المشاعر والإساءة لإطاراتنا التي قد نحتاج إليها يوما، كما احتجنا إلى غيرها سابقا رغم كل ما تعرّضت له من انتقادات.

لم تتوقف الانتقادات بين الأمس واليوم ولن تتوقف مادام هناك منتخبٌ وطني ومدربون يشرفون عليه، لكن الذي لا يقبله العقل هو التصرفات المشينة والانتقادات الجارحة التي تخرج عن إطار اللياقة والأخلاق المهنية، والتي يفترض أن لا تقبل بها الجهات الوصية مهما كان صاحبها والمتسبب فيها والموافق عليها.. فالبلاد ورياضتها لا تتطوران بالكلام الجارح وخدش المشاعر والإساءة لإطاراتنا التي قد نحتاج إليها يوما، كما احتجنا إلى غيرها سابقا رغم كل ما تعرّضت له من انتقادات.

في الختام، يبدو لي أنَّ كثرة الحديث عن هذا الموضوع بعد فوات الأوان وخروج المنتخب من كل المنافسات، لم يعد من أولويات الأمور، فالواجب على اتحاد الكرة الآن أن يبحث عمن يواصل المهمة ويؤهّل المنتخب إلى كأس العالم المقبلة في جو رياضي سليم وشفافية تعيد للصحافة الحق في النقد البنّاء والتنبيه للأخطاء وتفتح قلوب المدرّبين لتقبُّل النصائح مهما كانت قاسية بغية تفادي الوقوع في المطبَّات التي لم ننج منها في كل مرة رغم التنبيهات والتحذيرات.. وبالمناسبة، يبدو أن رئيس الاتحاد الحالي تصرّف بحكمة بتعيين لجنة من الخبراء والتقنيين لاختيار ناخب يقع عليه الاتفاق، وقد تكون هذه الخطوة بداية الدخول في النسق الصحيح.

للختام أقول للزملاء الإعلاميين: من أحب هذه المهنة التي تتضمن رسالة تربوية وتكوينية وتوجيهية، فليجتهد في تحسينها وترقيتها وإعطائها المصدقية التي تستحقها وليجعل أول أهدافه الرقي بمستوى المتابعين لعمله بدل النزول إلى أدنى المستويات الفكرية والسلوكية.. ومن أراد الشهرة بالمزايدات والمساومات فعليه البحث عن تخصص مناسب لمساره.. أما من يريد التألق في الإعلام الرياضي ليلج عالم السياسية كشخصية عمومية، فعليه أن يكون قدوة في الكتابة والتحليل والبحث عن المصلحة العليا للوطن بعيدا عن الإساءة للغيرأو استغلال موقعه في الوسائل الإعلامية ليفرض رأيه على غيره وكأنه المالك للحقيقة وينسى “أن فوق كل ذي علم عليم” لأن الحياة في عمومها قبل كل شيء أخلاق وقيم.

وختاما أريد أن أنبه الناقد والمنتقد هنا، بأن الكمال لله وليس عيبا أن تبصَّر بأخطائك ونقائصك، لكن العيب أن يغض الناس عنك الطرف فتظن نفسك على صواب وتواصل العمل حتى تصطدم بجدار كاسر.. فنحن في مجتمع قيمه النصح والتناصح وليس الفضح والتفاضح.. ورحم الله شخصا أهدى إلي عيوبي باللين والحسنى.. والله المستعان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!