-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنتاج الفشل!

محمود بلحيمر
  • 5846
  • 3
إنتاج الفشل!

عندما نرى انتخابات رئاسية تحسم بنسبة 90 بالمائة لصالح بوتفليقة وفي الأيام الموالية تندلع مواجهات في عدة ولايات وتستمر الإضرابات والاحتقان في الشارع فهذا يجعلنا أمام رسائل متناقضة، مما يتعذر فهم المنطق التي تخضع له السياسة في الجزائر.

  • منطقيا، عندما يفوز الرئيس بنسبة 90 في المائة، في الانتخابات وبنسبة مشاركة تفوق السبعين في المائة، فهذا يفترض أن هناك رضى عاما بالسياسة التي طبقت خلال العشر سنوات الماضية وأن كل شيء على ما يرام، أو على الأقل، هناك أمل في أن الفريق الذي فاز بهذه النسبة تعول عليه الغالبية الساحقة من الشعب لتحسين الأوضاع.. لكن عندما نلاحظ عودة الشارع إلى الغليان، بشكل حاد، فهذا يحمل رسالة أخرى مناقضة للرسائل التي حملتها أرقام وزير الداخلية السيد نور الدين يزيد زرهوني.
  • من جانب آخر، فإن الإبقاء على نفس الطاقم الحكومي ينسجم مع ما حملته أرقام زرهوني عن انتخابات يوم 14 أفريل 2009، أي “لا جدوى من إدخال تغيير على تشكيلة الفريق الرابح” كما هي لغة الرياضيين؛ فالعهدة الثالثة لبوتفليقة قدمت من طرف السلطة في شكل “نجاح بارع” ينبغي مواصلته، وهو ما يبرر الإبقاء على جميع “الوزراء الناجحين” لمواصلة ذات المهام و”تحقيق إنجازات جديدة”!    
  • غير أن السلطة سترتكب خطأ كبيرا لو واصلت مسايرة سياسة “كل شيء على مايرام”، وتبني الأرقام الرسمية للعملية الانتخابية الأخيرة كمرجعية بدلا من التعاطي بجدية مع حقائق الميدان التي لا تبشر بالخير بتاتا.. فالحصيلة التي قدمت عشية الانتخابات عن مختلف المشاريع والقطاعات كانت جد مضخمة وأعدت لأغراض انتخابية، وعموما فإن الجزائر فشلت في تحقيق الإقلاع المطلوب، رغم الاستقرار الأمني والوفرة المالية غير المسبوقة. والمخيف أكثر هي نشوة الانتصار التي نجدها في لغة الكثير من المسؤولين وهم يتحدثون عن إنجازات كارتونية..
  • صراحة، هناك قراءة واحدة للإبقاء على الطاقم الحكومي الحالي كما هو: الإبقاء على نفس الفريق يعني الإبقاء على نفس التفكير ونفس “الكفاءات” والسياسات الفاشلة، مما يعني ارتقاب إنتاج نفس السياسة ونفس الفشل، في حين أن المعطيات الحقيقية عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي تلح على تغيير الوجوه والسياسات. قد يقول قائل أن ذات الفريق قد يتدارك الوضع وبإمكانه أن يغير السياسات التي لم تثمر، لكن هذا الاحتمال ضعيف جدا، طالما أن العشر سنوات الأخيرة بينت محدودية أداء نظامنا السياسي، وقد بلغ حدوده القصوى في إدارة شؤون البلاد وبالتالي من الصعب الحديث عن سياسة جديدة تقلب المعطيات الحالية، ولو وجدت هذه الرؤية المغايرة لطبقت الآن. 
  • ويأتي العرض الروتيني لبرنامج عمل الحكومة للوزير الأول أحمد أويحيى أمام البرلمان ليعزز هذا الطرح. الرجل يتحدث كالعادة عن أهداف خيالية من دون أن يقدم وسائل تحقيقها ميدانيا، وهو يسرد في الحقيقة الوعود الانتخابية للرئيس بوتفليقة قبل شهرين: 3 ملايين منصب شغل، مليون سكن، رفع سقف الأجر الوطني المضمون، استثمار 150 مليار دولار، خلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة، تقليص التضخم… حقيقة، لا غرابة أن يعود أويحيى ذاته في يوم ما ليقول أن هذه الأهداف تم تحقيقها ويسوق أرقاما لا يصدقها أحد، لكن لننظر إلى بند واحد من النقاط المشار إليها آنفا، وهو خلق 3 ملايين منصب شغل ونقارنه بدول أخرى: فبوتفليقة يريد أن يحقق نفس مناصب الشغل التي وعد بها الرئيس أوباما! لكن أوباما يتحدث عن بلد فيه 300 مليون نسمة، والاقتصاد الأول عالميا بمؤسساته الضخمة وبحجمه وحيويته في مجال خلق المؤسسات، بينما يبلغ عدد سكان الجزائر 36 مليون نسمة، ولها اقتصاد هش وغير مندمج في الاقتصاد العالمي ويعرف مسار خلق المؤسسات صعوبات كبيرة.. طبعا لا مجال للمقارنة لكن كيف نحقق نفس عدد مناصب الشغل!
  • من جانب ثاني، تبدو الحكومة، ربما تحت تأثير البحبوحة المالية غير المسبوقة، مندفعة وغير مستعدة لتأخذ قليلا من الوقت لتقييم سياسة الإنفاق العمومي على نطاق واسع التي طبقت خلال العشرية الأخيرة؛ فلقد تم استثمار 160 مليار دولار لكن تبقى غير ملموسة في الميدان ولا أثر بارز لها على الاقتصاد، الذي يبقى رهن الاستغلال المفرط للثروة النفطية والتبعية المطلقة للاستيراد حيث بلغت واردات الجزائر رقما قياسيا السنة الماضية باجتيازها عتبة الـ 40 مليار دولار.
  • السؤال المطروح هو هل سيتم صرف الـ 150 مليار بنفس الكيفية خلال الخمس سنوات المقبلة؟ إذا كان الأمر كذلك فإن الاقتصاد الجزائري سيزداد هشاشة، بل سيعرض البلاد لمخاطر كبيرة لاحقا: التبعية المطلقة للخارج، قتل المؤسسات الجزائرية، تقلص مناصب الشغل، التبذير… علما أن العديد من الخبراء كانوا قد حذروا من هذا النمط في إدارة الاقتصاد سيما مع التراجع الظاهر لأسعار المحروقات، ومن بين ما حثوا عليه تقليص تسجيل المشاريع الكبرى تفاديا لثقل إضافي على الميزانية.
  • لكن أويحيى قالها صراحة في أكتوبر الماضي أنه لن يصغي لكلام الخبراء في هذا المجال، مشيرا إلى أنه إذا كان هناك ركود اقتصادي في العالم فإنه في الجزائر هناك استثمارات ومشاريع لا تتوقف.. لكنه عاد ليقول أمام الغرفة السفلى للبرلمان عند عرضه برنامج عمل الحكومة أن “الأزمة الاقتصادية العالمية تقلص مجددا من مداخيلنا الخارجية وتذكرنا مجددا بهشاشتنا الداخلية..” لكن السؤال الذي لم يبحث عنه أويحيى هو ما العمل لتجاوز هذه الهشاشة؟
  • فنفس الأشخاص ونفس السياسات والرتابة في الإدارة، بل والرفض حتى النقاش العلني لبحث كيفية تجاوز المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المعقدة، سيقود في النهاية إلى ذات النتائج السلبية التي نراها اليوم، رغم أن الجزائر تتوفر على كل الإمكانيات التي تجعلها في وضع أحسن، لتنتج النجاح بدل الفشل الحالي.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • boudjema

    alah ijib elkhir

  • MAMID

    اولا لا اوافق على ان الحكومة فشلت لان النجاح او الفشل محكوم بالهدف المسطر و النتيجة المرجوة و لان اغلب الوزراء من اصحاب الجنسية المزدوجة و خاصة اصحاب الحقائب الهامة و السيادية فانهم يعملون لصالح بلدان جنسيتهم المكتسبة و لذالك نجدهم قد نجحوا الى ابعد الحدود في برامجهم من خلال التمكين للشركات الاجنية و المتعددة الجنسيات من استغلال السوق الجزائرية و الثروات الطبيعية و الامكانات المادية وذالك بتكسير المؤسسات و الشركات الوطنية و عرقلة اي جهد او عمل او حتى التفكير في بعث اقتصاد وطني منافس و الامثلة كثيرة لاتعد و لا تحصى مثل مجمع (طونيك) و السيارة الجزائرية التى لم ترى النور (فاتيا).دون ان ننسى الاشارة الى قانون المحروقات الذي كاد ان يكون كارثة حقيقية على ثروة اساسية للجزائر لولا ان ستر الله و الغي من طرف رئيس الجمهورية ومن هنا فقط نستطيع الحكم على النجاح او الفشل اي معرفة الهدف.

  • amine

    السلام عليكم، أتدكر أني أضفت تعليقا على هدا المقال و لم ينشر تعليقي و لا اعرف السبب لكن رغم هدا فإن المقال يشرح الوضع الحالي الإقتصادي و السياسي بالجزائر بشكل جيد و أوافق كاتبه فيما دهب إليه، حيث نسمع رئيس الجمهورية يصرح بعد 10 سنوات من الحكم على أن كل ما أنجز خطا وحمل على ما أدكر طاقمه الحكومي الدي أتهمه حين داك على أنه لم يطبق برنامجه في التمنية و دفع عجلة الإقتصاد إلى الأمام، وخاض بعدها حربا ضروس ضد ارانب انتخابات و حصد تسعين بالمئة من اصوات "بقدرة القادر أو بقدر قادر" اخر جزائري يعرف إختيار قدرة من؟
    بعد فوزه ضن الجميع على أن التغيير ات لا محالة بسبب التنائج الكارثية و ما وصل إليه الإقتصاد من تدهور غير أن حضرته إحتفض بنفس الطاقم الحكومي الدي أتهمه بإفشال برنامجه التنموي وكأنه يقول للجزائريين على أن العيش في العزة و الكرامة مؤجل إلى حين و الوعد بخلق ثلاثة ملايين منصب شغل ما هو في الحقيقة إلى خلق ثلاثة ملايين حراق
    لخلق ثلاثة ملايين منصب شغل و أكثر و إنهاء أزمة السكن التي أوجدتها سياسات الفشل المتعاقبة يجب الدهاب إلىما قاله رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور لتغيير وضع الجزائر إلى الإيجاب يجب تغيير جميع الوجوه التي تحكمنا و تسطر حياتنا، أنا ضد بوتفليقة و وزيره الأول أحمد أويحي وو ضد سياستهما التي تتمخض في كل مرة لتلد لنا فشلا و راء فشل الإستمرار على هدا المهج السياسي الحالي لا يقودنا إلا نفق مسدود و سوف يسد مدخله حينها لا نجد أكسجين نتنفسه.