إنّما الثورات بالنيات!
قال روبيرغايتس، وزير الدفاع الأمريكي، إن ما يشهده العالم العربي حاليا من ثورات، هو أهم حدث يمر بالمنطقة خلال الخمسين سنة الماضية، إنه أهم من استقلال بعض الدول، بل أكثر أهمية حتى من سقوط الدولة العثمانية قبل قرن.
- لو كان الحكّام العرب يعلمون ما قد يقع لهم في 2011، لدفعوا ما لهم وما عليهم، في سبيل إدخال إصلاحات، ولو وهمية، من أجل إرضاء الشارع، وإسكات المعارضة، وتمديد بقائهم فوق الكرسي بكرامة، وليس بقوة السلاح، لكن، فات الأوان، والسلطة المطلقة، مفسدة مطلقة، لا تدع مجالا للتفكير؟ !
أمريكا وفرنسا تتصارعان حاليا حول موطئ قدم في ليبيا، ولا يهم هنا، من جلب المستعمر، استبداد القذافي، أم استقواء المعارضة بالأجنبي. فالأكثر أهمية، وإثارة للقلق والمخاوف، أن المستعمر، سواء كان فرنسيا أو أمريكيا، بات أقرب للجميع من أي وقت سابق.
الثورات العربية، ساهمت في إسقاط الأنظمة المستبدة، والبوليسية، وفي تعبئة المجتمعات بأفكار الحرية والديمقراطية، لكنها في الوقت ذاته، وضعت رزمة من التحديات أمام الثوار الحقيقيين، ومعهم المتسللون للثورة، والمدّعون بتفجيرها وإطلاق الرصاصة الأولى فيها. وأبرز تلك التحديات، أن بلاد العربان الجديدة، لا يمكن أن تتسع لهؤلاء جميعا في وقت واحد.
فكرة نفي الآخر، ليست بدعة اخترعها الثوار، أو أسياد المرحلة الجدد، في العالم العربي. إنها فكرة مستمدة من الأنظمة الدكتاتورية الساقطة أو المهددة بالسقوط، وقد كان آخر مستعمليها، العقيد الليبي معمر القذافي حين طالب معارضيه بمغادرة البلاد، والطلب ذاته وجّهه، الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قبل يومين، ولا ريب أننا سنسمعه أيضا من الرئيس السوري بشار الأسد، ومن غيره، طالما أن الأنظمة البوليسية تعتقد أن البلدان تتبعها وليس العكس، وأن الله خلق هؤلاء الحكام، ليحكموا ويتحكموا فقط، وقد ساد الاعتقاد لوقت طويل، بأنه يجوز تغيير الشعب، ولا يصح تغيير الحاكم أو مطالبته بالرحيل، طالما أنه قدرنا جميعا !
عندما يقول وزير الدفاع الأمريكي إن الثورات العربية أهم حدث في المنطقة خلال السنوات الخمسين الماضية، فهو يدرك تماما حجم التحولات التي يمكن أن تفرزها مثل هذه الثورات الاحتجاجية ضدّ الأنظمة، وأن العديد من الدول ستتغير ملامحها بالكامل. يكفي أن صورة الحاكم الواحد، الذي لا شريك له في السلطة، باتت من الماضي، سواء في البلدان التي عرفت الثورة، أو من يجاورها وتختمر بين أضلاعها.
دعونا نتفق مع وزير الدفاع الأمريكي، وربما حتى الرئيس الفرنسي ساركوزي، في تصورهما، بأن التغيير مطلوب، والثورة شيء إيجابي، لكن الخطير والممنوع، هو الموافقة على نوايا هؤلاء المستعمرين الجدد، فلكل أجندته وأولوياته ورجاله، ومثلما هي الأعمال بالنيات، فإن الثورات أيضا بالنيات.