الرأي

إيلاف قريش..

عمار يزلي
  • 1478
  • 4
ح.م

كل ضعف يقابله تفكُّك، فتشتُّتٌ فتحاربٌ مباشر، فإن عجزت القوة على الحرب لضعفها ورغبتها في البقاء، تتحالف مع الأقوى ولو كان عدوا. هذه قاعدة تاريخية واجتماعية لتطور الدول وموتها في التاريخ الاجتماعي القديم والحديث.

ما يحدث اليوم في المنطقة العربية والشرق أوسطية من تداعيات للكيان العربي الذي بُني على أنقاض، أو بالأحرى، من أجل تفكيك الإمبراطورية العثمانية، عبر إنشاء تكتل عربي تمخَّضت عنه فيما بعد “الجامعة العربية”، والذي دفعت إليه قوى “سايكس ـ بيكو” الغالبة، على نحو تحالفي بين القوى العربية الإقليمية مع الغرب (فرنسا والانجليز) ضد “العدو المسلم التركي المحتلّ”، كما سُوِّق له أمام القبائل العربية التي كانت تسعى إلى إقامة إمارات لها تحت الرعاية السامية لـ”الحماية البريطانية والفرنسية”، من أجل إنتاج محميةٍ اقتصادية نفطية فيما بعد لتمويل آلتها الاقتصادية والحربية المتنامية.

هذا الكيان القومي العربي، الذي بشر به ميشيل عفلق باسم القومية العربية “العرب العائلات والقبائل العربية المشتتة”، كان يقوم على العرق لا على الدين، فكان إحياءً للقبَلية وقتلا للسطوة الدينية، وبذلك كان بداية تصدُّع الجسم الإسلامي، وتوزّع دم المسلمين بين قبائل المسلمين العرب وقبائل الأعاجم المسلمين، مما أفضى في النهاية إلى تشكُّل جسمين هوياتيين: الجامعة العربية ورابطة العالم الإسلامي.. التي تضم عربا وأعاجم.

حصل التقسيم ووزِّع إرث الرجل المريض حتى قبل أن يُقتل، تمهيدا لبسط نفوذ الغرب المتنامي اقتصاديا وعسكريا عن طريق الاحتلال المباشر أو عن طريق ما يسمى بالحماية.. وهكذا أنتج الغرب فيما بعد محمياتٍ له في الشرق الأوسط وفي الشمال الإفريقي: محميات، أي حديقة خلفية للغرب.

المعادلة اليوم، صالحة للتطبيق إزاء ما تقوم به بعض الدويلات المهروِلة باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني خشية من الجار المسلم غير العربي: معادلة عرفناها عربيا منذ الغزوات الجاهلية وخاصة مع الإمارتين: الغساسنة والمناذرة في اقتتالهما “الأخوي” والاستقواء على الجار وأخ الدار بعدوٍّ جار: “الفرس والروم” كقوى عظمى وقتها. هذا ما حدث في المغرب العربي أيضا إثر انهيار الدولة الموحدية وما أعقبها من تفكُّك وتشرذم قبل السقوط في حبال التناحر بين أجزاء التقسيم: الحفصيون في تونس، الزيانيون في المغرب الأوسط والمرينيون في المغرب.. تحالف الحفصيون مع الصليبيين الاسبان ضد الزيانيين، ومعتمدة أيضا على توظيف “ميليشيات” مستقدَمة من مصر وهم الأعراب الذين طردهم المستنصر لدين الله الفاطمي في القرن الـ11م باتجاه “إفريقية الخضراء”، لتأديب الدولة الزيرية في الجزائر التي خرجت عن ولاء الفاطميين الشيعة، وأعلنت ولاءها للخليفة العباسي في بغداد: صراعاتٌ بين ثلاث دويلات جارة وأبناء عمومة.. تحالفاتٌ مع الأجانب العرب والاسبان الصليبيين، فقط للبقاء على مكاسب السلطان والحكم القبلي العرقي . وفعل الزيانيون والمرينيون فيما بعد ما فعله الغساسنة والمناذرة قبلهم، بل إنهم اعتمدوا على اليهود ضد إخوتهم المسلمين وجعلوا لهم مكانة ومنزلة أكبر في الدولة حتى من منزلة بعض المسلمين، كونهم كانوا أصحاب أموال وتجارة، مما جعل السكان في الدولة الزيانيين يشتكون لأبي حمُّو من تغوُّل المال اليهودي وطلبوا منه أن يعدل بين المسلمين واليهود على الأقل.. والكل يعرف قصة الشيخ المغيلي وهروبه من الوضع في تلمسان أيام الزيانيين باتجاه الجنوب: تمنطيط.. التي أعلن منها بعد فتاوى من الأزهر والقرويين، الجهاد ضد التغوُّل اليهودي ليس في الشمال، بل في الجنوب أيضا.. باتجاه إفريقيا.

وها هي القصَّة اليوم تعود.

مقالات ذات صلة