-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العلاقات الصينية – الجزائرية .. نموذج لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية

بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر لي جيان
  • 421
  • 0
العلاقات الصينية – الجزائرية .. نموذج لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية

منذ أن اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في عام 2013، تتقدم دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد ظافرة متحدية الرياح نحو هدف بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تطور بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية من مفهوم إلى نظام علمي ومنهجي، ومن مبادرة صينية إلى توافق دولي، ومن رؤية جميلة إلى ممارسة حية.

في الوقت الحاضر تتجلى المشاكل والتحديات العالمية واحدة تلو الأخرى، وخلفت جائحة كورونا عواقب بعيدة المدى، وترتفع الصراعات الجيوسياسية هنا وتنخفض هناك، ولا يزال انتعاش الاقتصاد العالمي صعباً، وكثيرا ما تتعرض مفاهيم التعددية للهجوم، وتحقيق السلام والتنمية والحوكمة يشكل تحديات قاسية للبشرية. في مواجهة السؤال المستمر منذ قرن من الزمان حول “ما مشكلة العالم، ماذا نفعل؟”، أكد الرئيس شي جين بينغ مرة أخرى ضرورة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية الذي يحث جميع البلدان على العمل معًا للاستجابة للتحديات العالمية وتحقيق الرخاء المشترك، ودفع العالم نحو مستقبل مشرق ينعم بالسلام والأمن والرخاء والتقدم.

أولا: في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، نعتبر أن التعددية العالمية القائمة على المساواة والنظام والعولمة الاقتصادية القائمة على الشمول والمنفعة العامة تشكل اتجاهات مهمة لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. بينما تتبع بعض البلدان الأحادية سياسة العناد، وتثير المجابهة بين المعسكرات، وتبذل قصارى جهدها للمبالغة في المعارضة الأيديولوجية، فالصين تدعو دائماً إلى التعددية العالمية القائمة على المساواة والنظام بدلاً من الهيمنة وسياسات القوة، والمساواة بين جميع البلدان سواء كانت كبيرةً أو صغيرةً، وتدعو إلى ممارسة تعددية الأطراف الحقيقية وتعزيز إضفاء الطابع الديمقراطي بشكل فعال في العلاقات الدولية، والدفاع عن مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الأساسية المعترف بها عالميًا في العلاقات بين الدول، والمشاركة في إصلاح وبناء منظومة الحوكمة العالمية بشكل مشترك. وفي هذا الصدد، إن الصين تتخذ إجراءات عملية لتعزيز عملية التعددية العالمية، فقد كانت الصين أول من أعرب عن دعمه لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، وتنشط إلى جانب الجزائر ودول أخرى للنضال من أجل مصالح الأسواق الناشئة والدول النامية في الشؤون الدولية، وتعزز التنسيق والتعاون معها على المسرح المتعدد الأطراف مثل الأمم المتحدة لدفع تغيير النظام الدولي في اتجاه عادل ومعقول بشكل مشترك.

بينما تقوم بعض الدول بإضفاء طابع الأمن والأيديولوجية على التبادلات التجارية الطبيعية، ونصب الحواجز باسم إزالة المخاطر، فإنّ تدعو الصين إلى العولمة الاقتصادية القائمة على الشمول والمنفعة للمشتركة بدلا من مختلف أشكال الحمائية وتراجع العولمة، وتدعو إلى تعزيز استجابة المتطلبات المشتركة لكل الدول في أنحاء العالم وخاصة الدول النامية، وتمتع جميع الدول بإنجازات العولمة الاقتصادية بشكل عادل، بينما تدعمها لإيجاد طريق التنمية الذي يناسب ظروفها وخصوصياتها الوطنية بهدف تحقيق الفوز المزدوج والمتعدد والمشترك وتنمية جميع دول العالم في نفس وقت السعي لتنمية الذات.

تتخذ الصين مع الجزائر إجراءات عملية لمكافحة العقوبات الأحادية الجانب ومعارضة فرض العَقَبَات التجارية، إذ عقدتا الدورة الثامنة للجنة المشتركة الجزائرية- الصينية للتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني لتنسيق المواقف ودعم بعضهما البعض في القضايا الاقتصادية والتجارية، وذلك من أجل تحسين الهيكل التجاري وتعزيز التعاون في المشاريع الكبيرة، واستكشاف إمكانيات التعاون، وتقاسم منافع النمو الاقتصادي، وتعزيز التعاون الصيني الجزائري لتحقيق التنمية المستدامة، بما يُجسّد نموذج التعاون بين دول الجنوب.

ثانيا، في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، إننا نعتبر مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية بمثابة توجيه استراتيجي لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

الهدف من مبادرة التنمية العالمية هو تسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حتى عام 2030، والالتزام باعتبار الشعب محوراً أساسياً للبناء المشترك لشراكة إنمائية عالمية موحّدة ومتساوية ومتوازنة وتحقيق المنفعة للجميع، والالتزام بتوجيه عملي لتعزيز تنمية عالمية أقوى وأكثر خضرة وصحة، وبناء مجتمع تنمية عالمي بشكل مشترك.

إن الجزائر بمكانتها كدولة إفريقية كبيرة ذات سمات ثلاثية إفريقياً وعربياً وعلى مستوى البحر الأبيض المتوسط، تتمتع بمكانة إستراتيجية هامة، إذ تولي الصين أهمية كبيرة لتحقيق التنمية المشتركة معها،تسعى الصين والجزائر باعتبارهما من الأعضاء الأوائل في “مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية” إلى تعزيز الالتحام الاستراتيجي بين التحديث الصيني النمط والرؤية الجزائرية الجديدة، من خلال تعميق التعاون العملي في الحد من الفقر والأمن الغذائي وتغير المناخ وغيرها من المجالات استفادة من المزايا التكميلية، وتوسيع مساحة التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي والطاقة الخضراء والتصنيع المتقدم والزراعة وغيرها من المجالات، من أجل بناء مجتمع تنموي مشترك صيني جزائري وحتى عالمي.

تهدف مبادرة الأمن العالمي إلى تكريس أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والدعوة إلى روح التضامن للتكيف مع المشهد الدولي المعدَّل بشكل عميق، والاستجابة لمختلف المخاطر والتحدِّيات الأمنية التقليدية وغير التقليدية بعقلية الفوز المشترك، وخلق طريقة جديدة تعتمد على الحوار بدل المواجهة، والشراكة بدل الانحياز، والفوز المشترك بدلا من لعبة المحصّلة الصفرية.

شددت كل من الصين والجزائر على ضرورة تعزيز التسوية السياسية السلمية للقضايا الساخنة الدولية والإقليمية، إذ نجحت الصين في رعايتها لوساطة في المصالحة بين السعودية وإيران، مما أدى إلى خلق “موجة المصالحة” في الشرق الأوسط ووضع مثالا للدول المعنية لحل الخلافات وتحقيق علاقات حسن الجوار. إن الصين والجزائر باعتبارهما من أعضاء مجلس الأمن للأمم المتحدة، تؤيدان بالإجماع وقفا فوريا لإطلاق النار في قطاع غزة، إذ ساهمتا بشكل مشترك في تبني القرار 2728 من قبل مجلس الأمن، مما استجاب للتوقعات العامة للمجتمع الدولي ورافعتا على وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ “حل الدولتين” وتنفيذ مبادرة أمنية عالمية بفعالية وضخ الطاقات الإيجابية للاستقرار والسلام في العالم بشكل مستمر.

وتدعو مبادرة الحضارة العالمية إلى احترام تنوع الحضارات العالمية، وتكريس القيم المشتركة للبشرية جمعاء، والاهتمام بتراث الحضارات وابتكارها، وتعزيز التبادلات والتعاون الثقافي والإنساني الدولي. على عكس فخاخ الخطاب العدائي الذي أعدّته عمدا بعض الدول الغربية باسم “النظرة العالمية المتمحورة حول الحضارة الغربية” و”القيم العالمية”، تدعو كل من الصين والجزائر إلى تعزيز تنوع الحضارات العالمية وتعزيز القيم المشتركة للبشرية جمعاء. وقد دفعت الأطراف في مختلف المجالات التبادلات الحضارية بين الدولتين لترقيتها إلى مستوى أعلى، فمنذ عام 2023 تزايدت التبادلات الودية بين الصين والجزائر في مختلف المجالات، إذ لقي أداء فرقة باليه سوتشو في الجزائر استجابة حماسية، وقام وفد كوادر حزب سياسي جزائري بزيارة استطلاعية إلى الصين، وأنشأت جامعة شمال غرب مركز بحث جزائري، كتابة فصول جديدة من التعايش السلمي والشمول والتبادلات والمنفعة المتبادلة بين الحضارات.

ثالثا، في مواجهة الأوضاع والتحديات الجديدة، إننا نعتبر مبادرة الحزام والطريق بمثابة المنصة الفعالة لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

على مدى السنوات العشر الماضية، التزمت مبادرة الحزام والطريق بمبدأ التشاور والتشارك والتنافع ومفاهيم الانفتاح والخضرة والنزاهة في اتجاه التنمية عالية الجودة، بهدف تحقيق المعايير العالية والاستدامة وتحسين معيشة الشعب، بما يساهم في بناء أكبر منصة تعاون في العالم اتساعاً وحجماً وتعزيز طريق التعاون والفرص والازدهار لنمو الدول المشتركة سوياً.

في الوقت الذي يشهد فيه العالم فترة تغيرات واضطرابات متكررة، تواصل الصين والجزائر باعتبارهما شريكين طبيعيين في البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” وتعزيز تناسق السياسات وترابط المنشآت وسلامة القنوات التجارية وتداول الأموال وتفاهم الشعوب فحققت نتائجَ مثمرة وفتحت آفاق التنمية الواسعة.

وفيما يتعلق بتناسق السياسات، وقّع الجانبان الصيني والجزائري على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق” و”الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الهامة 2022- 2024″ و”الخطة الخماسية الثانية للشراكة الإستراتيجية الشاملة”، والتي توفّر توجيهات سياسية موثوقة للتعاون الصيني الجزائري في مختلف المجالات.

تتخذ الصين مع الجزائر إجراءات عملية لمكافحة العقوبات الأحادية الجانب ومعارضة فرض العَقَبَات التجارية، إذ عقدتا الدورة الثامنة للجنة المشتركة الجزائرية- الصينية للتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني لتنسيق المواقف ودعم بعضهما البعض في القضايا الاقتصادية والتجارية، وذلك من أجل تحسين الهيكل التجاري وتعزيز التعاون في المشاريع الكبيرة، واستكشاف إمكانيات التعاون، وتقاسم منافع النمو الاقتصادي، وتعزيز التعاون الصيني الجزائري لتحقيق التنمية المستدامة، بما يُجسّد نموذج التعاون بين دول الجنوب.

وفيما يخص ترابط المنشآت، أصبحت الصين أكبر منشئ للبنية التحتية في الجزائر، إذ يمثّل المسجد الكبير في الجزائر العاصمة المطبوعة صورته على النسخة الجديدة من العملة الجزائرية مشروعًا تاريخيًا للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، وتتوالى البشائر مع تدشين الطريق السيار شرق-غرب، ووضع حجر الأساس لمشروع إنجاز خط السكة الحديدية بشار-تندوف-غارا جبيلات والمناقصة الخاصة بمشروع توسعة ميناء عنابة.

وفيما يتعلق بسلامة القنوات التجارية، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للجزائر منذ عام 2019، وفي عام 2023 وصل إجمالي حجم التجارة بين الدولتين إلى مستوى قياسي يتجاوز 10 مليارات دولار أمريكي، بزيادة سنوية بلغت 40.3 %

ومن ناحية تداول الأموال، وبالاعتماد على الأساس القوي للتعاون في مجال البنية التحتية الكبيرة بين الجانبين، تدفع الصين بنشاط لتقديم دعم تمويلي لبناء مشاريع كبيرة في الجزائر، فأصبح تعزيز التعاون المالي وتمويل المشاريع اتِّجاها جديدا في التعاون بين الصين والجزائر.

تسعى الصين والجزائر باعتبارهما من الأعضاء الأوائل في “مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية” إلى تعزيز الالتحام الاستراتيجي بين التحديث الصيني النمط والرؤية الجزائرية الجديدة، من خلال تعميق التعاون العملي في الحد من الفقر والأمن الغذائي وتغير المناخ وغيرها من المجالات استفادة من المزايا التكميلية، وتوسيع مساحة التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي والطاقة الخضراء والتصنيع المتقدم والزراعة وغيرها من المجالات، من أجل بناء مجتمع تنموي مشترك صيني جزائري وحتى عالمي.

وفيما يتعلَّق بتفاهم الشعوب، فإنَّ تاريخ دعم الصين لنضال الجزائر من أجل الاستقلال الوطني معروفٌ لدى الجميع في الجزائر، كما تم توليد أكثر من عشر آلاف جزائري من البعثة الطبية الصينية وأطلق عليهم اسم “شنوي”، إضافة إلى المساهمة في التبادل والتعاون في مجالات عديدة أخرى مثل النشر الثقافي والأفلام وبرامج التبادل الطلابي في التمازج الثقافي والتقريب بين الشعوب.

إن الصين والجزائر باعتبارهما من أعضاء مجلس الأمن للأمم المتحدة، تؤيدان بالإجماع وقفا فوريا لإطلاق النار في قطاع غزة، إذ ساهمتا بشكل مشترك في تبني القرار 2728 من قبل مجلس الأمن، مما استجاب للتوقعات العامة للمجتمع الدولي ورافعتا على وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ “حل الدولتين” وتنفيذ مبادرة أمنية عالمية بفعالية وضخ الطاقات الإيجابية للاستقرار والسلام في العالم بشكل مستمر.

والجدير بالذكر أنه قد تم عرض الفيلم الخاص بالجزائر الذي أنتجه طاقم فيلم وثائقي اسمه “جولة السينما العالمية” في بداية هذا العام على قناة السينما السادسة التلفزيونية الوطنية الصينية، مما سمح لمئات الملايين من الصينيين بالتعرُّف على الجزائر الجميلة والشعب الجزائري الباسل.

يصادف عام 2023 الذكرى السنوية الخامسة والستين لإقامة العلاقة الدبلوماسية بين الصين والجزائر، إذ قام الرئيس تبون بزيارة دولة ناجحة إلى الصين وعقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعا تاريخيا مع الرئيس تبون وأكدا عمل الدولتين بكل الجهود على بناء المجتمع الجزائري الصيني للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.

ويصادف عام 2024 الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر، وسيلتزم الجانب الصيني بحزم بتنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا الدولتين، وتعميق التعاون العملي مع الجزائر في مختلف المجالات ودعم بقوة الاهتمامات المهمة للجزائر ودعمها للقيام بدور أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية ودعمها للسير على طريق تنموي يناسب واقعها.

إننا على استعداد لتعزيز الثقة المتبادلة والتنسيق مع الجزائر، من أجل بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية لتحقيق سعادة الشعب والنهوض الوطني والتنمية الإقليمية حتى بلوغ السلام العالمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!