-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إيمانويل تود: رهان العدمية هزيمة أكيدة للغرب

إيمانويل تود: رهان العدمية هزيمة أكيدة للغرب

لم يعد هناك من تفسير للعدوان الظالم الذي يشنه الغرب بقيادة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على غزة سوى كونها العدمية في أجْلى تصوراتها. إن ما يُعرَف اليوم بالقيادة الأمريكية الغربية للعالم، أو ما توصف ذاتها به إنما هو في واقع الأمر تجسيد حي لما سمّاه “إيمانويل تود” Emmanuel Todd في كتابه الصادر منذ أيام “هزيمة الغرب” La défaite de l’occident “بالهروب إلى الأمام العدمي” ص125..

الذي ينطبق تماما مع الأوليغارشية الأمريكية التي تقود هذا البلد اليوم والتي خصص لها فصلا بعنوان “الطبيعة الحقَّة لأمريكا: أوليغارشية وعدمية” ص192… وبرغم من أن الكاتب أنهى مؤلفه في أواخر سبتمبر من العام الماضي، أي قبل معركة طوفان الأقصى، وخصَّصه لدراسة مصير الغرب بعد حرب أوكرانيا، إلا أن القارئ لمحتواه يتأكد بأن مؤلِّفَه لن يُراجع تحليلَه قيد أنملة بعد استخلاص ما يجري في غزة اليوم، بل بالعكس سيؤكد جميع افتراضاته. ويمثل هذا الاتجاه في التحليل الغربي، للسياسات الدولية وللجغرافيا السياسية في العالم، مدرسة من شأنها مساعدتنا على فهم مآلات الحروب التي يشنها الغرب على شعوب المعمورة بقيادة الولايات المتحدة، وسواء اتفقنا مع الكاتب أم لم نتفق في بعض تحاليله، وسواء أدرج واقع الجنوب العالمي ضمن معطياته أو قام بتحليل داخل الدائرة الشمالية للأحداث فقط، فإننا نستطيع القول أن تشريحه للواقع الغربي يُفيدنا في كل الحالات لِفهم ما يَحدُث لدينا، ولِبَلورة إدراكٍ موضوعي لحقيقة الطرف الآخر الغربي الصهيوني الذي يُواجهنا مباشرة، سواء فيما تعلق بنقاط قوته أو ضعفه.

يرى الكاتب أن العَدمية  nihilisme تأخذ مظهرين: الأول مادي يمكن تحسُّسه ويتعلق بتدمير الأشياء والإنسان، وهو أكثر ما نراه، والثاني معنوي لا يبدو لنا بشكل واضح وهو ما تعلق بالقيم، وتحطيم مفهوم الحقيقة ورفض رؤية الواقع كما هو، أو تقديم توصيف معقول للعالم (ص22)، أمران يتجليان بوضوح في العدوان الهمجي الواضح اليوم على أبناء فلسطين في غزة والقطاع: الجماعة الحاكمة في الولايات المتحدة، (ولا يُسمٍّيها الكاتب النخبة)، إنما تقوم بممارستها العدمية على أوسع نطاق، ناقلة المرض الأمريكي والغربي إلى كافة شعوب المعمورة من دون استثناء.

ويرجع الكاتب هذا السلوك، المريض، إلى الحالة التي أصبح عليها الحُكّام في العالم الغربي بعد أن فقدوا كل وازع ديني أو أخلاقي أو قيمي في ممارساتهم، سواء تعلق الأمر بالسياسة الداخلية أو الخارجية، وبدل ذلك تفرغوا للبحث عن مزيد من السلطة وسَكَنَهم هوس المال والعسكرتارية… ومنه يستخلص الكاتب ـ بعد دراسته للحرب ضد روسيا. وبعد أن يضيف لتحليله التدهور في كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للغرب مقارنة مع الدول الصاعدة مثل روسيا والصين والهند وإيران وتركيا وغيرها، يستخلص بأن هزيمة الغرب قد بدأت منذ سنوات وهي تتجسد يوما بعد يوم في أكثر من واقعة، وستستمر في المستقبل..

لذا فإن رهان الكيان الصهيوني اليوم على النصر من خلال إطالة زمن العدوان والزيادة في حدة الهمجية إنما هو رهان خاسر لا محالة، مادام السيد الأمريكي يعيش حالة انهزام بداخله وفي أكثر من مكان في العالم.. أما رهان الذين ينتظرون انتصار هذا الكيان والعودة إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023، فليس أكثر من انعدام الرؤية للعدمية ذاتها.. بل هو اختيار لِلطريق اليائس عديم المَخرج، في الوقت الذي تشق فيه المقاومة طريق الأمل بالدماء والدموع والتضحيات الجسام أساس كل تغيير لهذا الواقع الظالم ومدخل كل نصر قريب بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!