الرأي

ابحثوا عن “قيس سعيّد” الجزائري!

حسان زهار
  • 2224
  • 7
ح.م
قيس السعيد الذي حصد المركز الأول في الدور الأول للإنتخابات التونسية

يا قوم.. هل فيكم رجل رشيد؟

إذا كان ولا بد من رجل على رأس هذه الدولة القارة، التي اسمها الجزائر، فلا بد أن يكون رجلا نظيفا، لم يتلوث بفساد ولا تزوير أو كذب، ووجها جديدا، لم تشاهده كاميرات التلفزيون الرسمي، ولم يكن يوما في طابور المطبلين، ومثقفا مميزا، ليس بامتلاكه شهادة جامعية فقط، وإنما بامتلاكه رؤية وبرنامجا حضاريا متكاملا.

أقول هذا، لأني شعرت كغيري من الجزائريين، ببعض الغيرة من نتائج انتخابات تونس، على الأقل في دورتها الأولى، فأن يحتل مرشح حر، مثقف ونظيف صدارة الجولة الأولى، في مواجهة مرشح الدولة العميقة نبيل القروي، فهذا شكل بحد ذاته “صاعقا” حقيقيا أخلط الأوراق والحسابات، لكنه بعث مع ذلك في نفوس الجزائريين الأمل من جديد، حول إمكانية أن يكون لدينا نحن أيضا “قيس سعيد” جزائري، يكسر منظومات الانتخاب الكلاسيكية (سلطة ومعارضة حزبية)، ليتصدر المشهد بعيدا عن ديناصورات الحكم والمعارضة القديمة على السواء، الذين تصدروا المشهد باسم الشرعية الثورية فما صانوا شرعية ولا أقاموا ثورة أو تنمية.

لم يكن وراء صعود قيس سعيد آلة انتخابية رسمية أو حزبية، وحتى الحديث عن دور ما لحزب التحرير لا يبرر احتلاله المرتبة الأولى، فالرجل الذي جاء من الخلف ، ليتصدر المشهد تفوق على قوى سياسية متجذرة، وعلى شخصيات مفتاحية في المعادلة التونسية، عبد الفتاح مورو، المرزوقي والشاهد وغيرهم..

الدروس المستخلصة كثيرة، ويجب في حالتنا الجزائرية أن نستفيد منها لتجاوز الأنماط البائدة في الترشيح والمساندة وحسم النتائج.. ومن هذه الدروس:

1/ النظافة والعلم والجرأة في الطرح، كفيلة بأن تجلب الأنصار من المهمشين والناقمين على الفاسدين والمنغلقين، أو الخائفين الذين يحسبون حساب السياسة على حساب الصدق مع الجماهير، ولذلك تفوق الإسلامي المستقل قيس سعيد الذي امتلك جرأة الطرح، والشجاعة في تبني الخيارات خاصة المرتبطة بالهوية وقانون الأسرة، على الإسلامي المنتظم عبد الفتاح مورو، الذي غلب الحسابات السياسية على المبادئ، وحاول أن يلبس لبوس “الألباغا” المتنور، وهو في ثوب شيخ قديم.

وهذا يعني أن الإسلام المنتظم، والإسلام السياسي عموما، بنهجه الكلاسيكي يقف في مفترق طرق حقيقي، بعد أن فشل في إحداث التغيير المنتظر منه طوال العقود الماضية، وأن هنالك توجها نحو خلق تيار إسلامي جديد مستقل، عن التيارات المعروفة والمستوردة، يتسم بالذكاء والتمرد على الأيديولوجيا المنغلقة.

2/ صعود ممثل الدولة العميقة، ومنظومة “السيستام” في شخص المسجون نبيل القروي، يؤكد مجددا قوة هذه الدولة، المدعومة وعلى الدوام، من القوى العلمانية المعادية للدين، وقد ثبت ذلك في الكثير من المحطات من قبل، في تونس بتولي الراحل السبسي لقيادة الدولة بعد ثورة الياسمين، وفي المنافسة الشرسة التي أبدتها الدولة العميقة ممثلة في شخص أحمد شفيق في مواجهة مرشح الثورة مرسي في مصر، بما يؤكد أن هذه الدولة التي تمتلك المال والإعلام والخبرة، تمتلك جذورا عميقة ومشبوهة في المجتمع.. ولعل انتصار القروي المسجون على مورو يكفي لتوضيح هذه الصورة.

3/ شبهة الانتماء والمشاركة في السلطة السابقة، لعبت دورا هاما في إقصاء عديد الأسماء “المعروفة” أمثال يوسف الشاهد (رغم تحكمه في الملفات وخطابه العقلاني)، والزبيدي ومهدي جمعة وغيرهم.

4/ الدور الحاسم للشباب في ترجيح الكفة، خاصة منها الفئة العمرية الحيوية (من 18 إلى 30 سنة) وهو ما استثمره قيس سعيد جيدا، تماما كما استثمره مهاتير محمد في انتخابات ماليزيا للعودة، واستثمره خصوم أردوغان مؤخرا في الانتخابات البلدية في تركيا.

5/ الإمكانيات المادية ليست وحدها من يحدد الفائز، ودخول قيس سعيد بإمكانيات بسيطة جدا، زادت من شغف الجماهير به، فالعبرة ليست بالملصقات الضخمة، بل في الصدق والطرح والنظافة.

6/ الدور الهائل الذي يلعبه امتلاك المترشح للثقافة والعلم اللازمين للسيطرة على المشهد والخطاب، وامتلاك قيس سعيد (أستاذ القانون الدستوري) لهذا السلاح أحبط كل محاولات تدميره، أو التقليل من قيمته في مواجهة القوى الدينية، والعلمانية، والمالية، والإعلامية المعادية، وفرض احترامه على الجميع.

المشكلة في النهاية، أننا في الجزائر فقدنا قدرة الإبداع في إخراج رجال كهؤلاء أو مترشحين، لأننا فقدنا طوال العقود السابقة، الثقة في منظومة الانتخابات، لكن بعودتها اليوم، ننتظر أن تتفتق عبقرية الشعب (رغم عمليات التصحير التي تعرض لها طوال العهد البوتفليقي البائد)، لإخراج نماذج غير منتظرة لرجال حقيقيين لهم القدرة والكفاءة لقيادة الرجال.

دعونا نحلم على الأقل بهذا.. ونحن نعلم أن كابوس النطيحة والمتردية وما أكل السبع ينتظرنا في المنعرج القريب.

مقالات ذات صلة