ابدؤوا بأنْفسِكم في التّقشف
بِتهاوِي أسعار النّفظ إلى ما دون 60 دولارا للبِرميلِ تكون الحكومة ومن ورائها السّلطة، قد دخلت أخطر امتحان، وهي التي كانت تعتمد بشكل كلي على مداخيل البترول لتغطية فشلها في تسيير الشأن العام.
لقد استخدمت السّلطة أموالَ الرِّيع لإخْمادِ الاحتجاجات الشّعبية وأنفقت ملايير الدولارات لشِراءِ السلم الاجْتماعي عبر برامج اجتماعية استهدفت جميع الفئات، خصوصا فئة الشباب، ولم تبخل الحكومة في الإنفاق في المجالات الكمالية، وبتنا نسمع عن حفلات ومهرجانات تكلّف خزينة الدولة الملايير دون أن يكون لهذه الأنشطة أدنى تأثير إيجابي على حياة النّاس.
آن الأوان أنْ تُبادِر الحكومةُ إلى إجراءات تقشّف تبدأ بإِلْغَاء كل الاعتمادات المرصودة لمثل هذه الأنشطة على مستوى الهيئات الرسمية، ثم تمر إلى أجور الوزراء والنّواب والإطارات العليا في الدولة فتقلصها، كما حدث في العراق قبل أيام حين أقدم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تقليص عدد الوزراء إلى 25 وزيرا من خلال إلغاء بعض الوزرات وإدماج البعض الآخر، كما قام بخفض رواتب أعضاء البرلمان إلى النصف.
على الحكومة أن تبدأ بنفسها في أي إجراءات جديدة للتقشف، وذلك قبل مجرد التّفكير في إجراءات تقشفية تؤثّر على الحياة اليومية للمواطن، لأن المواطن لا يحتمل معاناة أكثر من التي يعانيها بسبب إخفاق الحكومة في توفير العيش الكريم رغم الوفرة المالية التي أصبحت من الماضي على أساس أن الموجود لا يكفي لأكثر من سنين حسب تأكيدات المختصين.
إنّ المعضلة التي نعيشُها اليوم سببها المباشر الفساد الذي عشّش في كل المؤسسات والقطاعات وعلى كل المستويات، وأصبحت الجزائر ضمن الدّول الأكْثر فَسَادا في كل التّصنيفات الصادرة عن المؤسسات الدولية المهتمة، والأخطر هو تلك الأرقام التي تتحدث عن الأموال المهربة إلى الخارج أو تلك التي تذهب رشاوى وإكراميات وعمولات وغيرها، حيث يتم الحديث عن ملايير الدّولارات وليس الملايين.
هذا كله كان نتيجة منطقية لبرنامج قتل مؤسّسات الرّقابة والمُحاسبة، بدءا من المجالس المنتخبة، وعلى رأسها البرلمان الذي تحول بشهادة الجميع إلى مكتب لتسجيل القوانين إلى باقي المجالس المنتخبة التي لا تفعل شيئا في محاربة الفاسدين إن لم يكونوا هم الفاسدين.
الوضع خطير ويستدعي قرارات جريئة لمواجهته، وإلاّ فإنّ الطّوفان سَيجْرِفُنَا جميعا وأول خطوة هي فضح الفاسدين واسْترجاع ما سرقوه من مال الشّعب الذي كان ولا يزال فقيرا في دولة كان يقال عنها إنها غنية.