-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

احتجاج الأئمة.. حق على أمة

جمال غول
  • 380
  • 0
احتجاج الأئمة.. حق على أمة
ح.م

لا ينكر عاقلٌ ما آلت إليه أوضاع الأئمة الاجتماعية والمهنية على اختلاف رتبهم إذ أنه لا تخلو دشرة أو قرية أو مدينة أو حي من إمام يؤمهم ويخطب فيهم ويعلّمهم القرآن الكريم والأخلاق وعلوم الشريعة ويمشي بالصلح بينهم ويحضر أفراحهم وأحزانهم بل ويشرف على زواجهم ويصلي على موتاهم في حلقة اجتماعية مكتملة بامتياز، فأصبحت أحواله وأوضاعه معروفة مكشوفة لا تخفى على أكثر الناس على تباين أعمارهم ومستوياتهم، هذا فضلا عن لباسه ومركبه إن كان له مركب!

في آخر كل شهر ينتظر أجرته الضئيلة الهزيلة التي لا تكاد تطعمه من جوع أياما فضلاً عمّا يتربص بها من أنواع الفواتير المسلولة التي تنتظر التسديد والسيولة، فضلا عن الديون التي تُهِمّه بالليل وتُذلُّه بالنهار أمام مدينيه من بقال وخضار وربما جزار وغيرهم ممن يحضر خطبه ودروسه وبقية نشاطاته.

ويتحامل الإمام على نفسه عند كل صلاة وفي دروسه وخطبه ومهامه الأخرى رغم الألم والضرر ويبذل الجهد لوجه الله متناسيا الهم والدَّين ومطالب الأولاد التي تنتظر الوصول ليظهر في صورة المتنعم الذي لا ينقصه شيء كما قال تعالى (يحسبهم الجاهل أغنياءَ من التعفف) .

وبعد ذلك كله لا يسلم من همز ولمز بعض الناس الذين نسوا أو تناسوا أن الدولة الجزائرية هي من ألحقته ضمن دائرة الوظيف العمومي التي ينتمي إليها المعلم والأستاذ والطبيب والمهندس وغيرهم وتجري عليه نفس القوانين نظريا وكلهم في نفس الفلك تقريبا يسبحون ومن البريد وحسابه الجاري يصرفون!

أليس من حق هذا الإمام أن يطالب بالحد الأدنى مما يكفل كرامته ويَقيه ذل السؤال؟ أليس من حقه أن يُؤسس نقابة منظمة وقوية يجمع فيها شمله بإخوانه في الوظيفة وشعارهم في ذلك: أنصر أخاك ظالما أو مظلوما؟
أليس من حقه أن يحتجَّ على ظلم الإدارة وتجبر بعض المسؤولين من مبدأ عدم قبول الظلم والخنوع له؟
أليس من حقه أن يكون شريكا اجتماعيا يُسهم في تعديل القوانين واقتراح البدائل تحقيقا لمبدأ: “أنتم أعلم بأمور وظيفتكم”؟ فما بال فئات من الناس يستنكرون عليه حقوقه تلك؟ ألأن بعضهم لا يريد لنور القرآن أن يسطع فوق ظلام الضلال والفجور والرذيلة؟ وهيهات أن يحصل ذلك فقد وعد الله تعالى بقوله: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ..) الآية.

وإن كان حسدا من عند بعضهم فحقهم أن يقال لهم: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) الآية.

وأما أولئك الهمازون الذين يلمزون الأئمة لحاجة في نفوسهم، فقد أساؤوا واعتدوا وعليهم أن يُسارعوا إلى معالجة أنفسهم من تلك العُقد قبل أن تستفحل وتُصيبهم في مقتل.

وعلى السلطات العمومية أن تعرف للأئمة -وإن كانوا حال احتجاجهم- قدرهم ومكانتهم، ولتكن تلك السلطات على يقين أن احتجاج الأئمة لن يمس بالأمن والاستقرار، وأن ضرب الأئمة أو إهانتهم لا قدر الله سيجلب العار والبلاء وربما منع القَطر من السماء !
وعلى الأئمة الكرام الذين اختاروا الانضمام إلى تنظيم نقابي أن يلتزموا فيه بأساسيات على رأسها:

أولا: بالضوابط الشرعية التي تمنعهم من الكذب والتزوير والتغليط والتهويل أو أن يصير انتماؤهم إلى النقابة سبيلاً للتغطية عن التقصير في أداء المهام أو التعدِّي به على الموظفين الذين يخالفونهم في الانتماء النقابي أو حتى على مديريهم فضلا عن أن يستعملوه لقضاء مآربهم الشخصية. وأن يتحرُّوا الحكم الشرعي في طرق النضال كقراءة القرآن الكريم حال الاحتجاج مما قد يجعله مبتذلا أو في غير ما أنزل له، وأن يتحروا الحق في إطلاق الأحكام المتعلقة بمن يتعامل معهم من الشركاء ولو كان عليهم، فيمتلكون بعد ذلك كله رؤية واضحة محددة الهدف.

ثانيا: بالأطر القانونية التي تفرض أن يكون التنظيم متوافقا مع التشريع الساري وأن يخضع لمبدأ الشورى في اتخاذ القرار عن طريق المؤتمر والمجلس الوطني ويكون المصوِّتون ثلثي المجلس كأدنى حد ليكون قرارهم قرارا جماعيا تشاركيا، بعيدا عن الانفرادية المردية، فضلا عن أن يكون قرارا يصدر عن خارج المجلس الذي لا يجتمع أصلا.
وأن يكون احتجاجهم قانونيا إذ :

1- تدرس طبيعة الاحتجاج وتوقيته وأهدافه بدقة لا تدع مجالا للتخبط والعشوائية.

2- يودع الإشعار في آجاله المحددة قانونا وهي ثمانية أيام وليس يومين قبل الاحتجاج .

3- ينبغي أن لا يتوجّه الاحتجاج إلى جهةٍ لا علاقة لها بمطالب الأئمة خاصة إذا كانت قيادتُها السابقة ممن أساء إلى العمال والموظفين.

4- أن لا يكون مُغذّيا لصراع أجنحة لا ناقة للأئمة فيها ولا جمل وأن لا يكون خادما لجهات تصطاد في المياه العكرة لإشعال الجبهة الاجتماعية خدمة لأجندات تعمل على تحويل الهدف .

وأن يكون احتجاجُهم واعيا حكيما بعد استنفاد طريق قوة الإقناع والحجة بالحوار الاجتماعي الجادّ وبعد صناعة قاعدة نضالية واسعة وواعية ومستعدّة للتضحية، نتاج عمل ميداني عميق وصادق.

إذا حصل الانضباط بتلك الضوابط الشرعية والقانونية، سيمتلك الأئمة تنظيما قويا ذا مؤسسات منتخبة وشرعية ستُخرس الألسن الطويلة لتلتزم حيّز أفواه أصحابها وتبقى مكانة الأئمة محفوظة حتى في تنظيمهم الاحتجاجات كيفما وحيثما كانت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!