-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اختيار المؤلفين يصنع جودة الكتاب المدرسي

خير الدين هني
  • 957
  • 1
اختيار المؤلفين يصنع جودة الكتاب المدرسي

أشرتُ في مبحث سابق إلى أن الكتاب المدرسي ذو صبغة تعليمية تعلّمية، ولذلك يخضع لشرائط فنية وتقنية ونفسية وتربوية وجمالية، ولكي يتحقق المراد من ذلك  لابد أن تضع الوزارة معاييرَ موضوعية صارمة تخالف المعايير الغبريطية، وهي المعايير الذاتية التي تستهويها إيديولوجية الاستيلاب والاستغراب، والتبعية للفيفٍ معروف بكرهه الشديد للانتماء والانتساب، ومنهم من طواهم الزمن كما طوى الذين من قبلهم، ومنهم من مازالوا مستترين ويعملون بالتورية، ويتربصون الدوائر وينتظرون الفُرص، حتى إذا واتتهم الأحوال كشروا عن أنيابهم، وانقضّوا على الضحية يفترسونها وهي تئنّ أنين المكلوم، وغايتهم النهائية هي إحداث الفوضى والشغب، وإبعاد الجزائر عن أصلها ودوائر انتسابها، وقطع جذورها وإبعادها عن عاداتها وثقافتها وموروثها الحضاري والتراثي.

ومن شروط المعايير الجديدة، أن تكون صارمة في اختيار المؤلفين المحترفين، من ذوي المعارف العميقة والخبرة الطويلة، ولهم آثار عديدة ومعروفة في حقولها وأبوابها،  ولا يمكن أن يُستقدم إلى تأليف الكتاب المدرسي كل هاوٍ، أو عديم الخبرة في الكتابة والتأليف المدرسي، وأن يكونوا كذلك من ذوي الاختصاص المميَّزين بأعمالهم، واجتهادهم وإنتاجهم في التأليف المدرسي فضلا عن التأليف العامّ، وهم كُثْر ومعروفون بالأسماء والصفات، كما يجب أن يكونوا من ذوي الاختصاص في علوم اللغة العربية بخاصة، وقد أنتجوا تَوَالِيفَ مختلفة ومعروفة، وليسوا منتحلين لصفة الانتساب إلى المعارف اللغوية، بما يساوي أو يكافئ المعارف المدرسية فحسب.

وهي المعارف التي لا تبلغ بصاحبها الغاية، في العمق والإحاطة والشمولية، ولا تروي الغُلّة ولا تسدّ حاجة التأليف وشرائطه المعروفة، ومن لم يكن تخصصه العربية من أصحاب  المواد العلمية والتطبيقية، فيردُّ التدقيق فيه إلى المدقِّقين من ذوي الاختصاص في علوم العربية، حتى تكون الكتبُ خالية من الأخطاء والهَنات اللغوية والفنية.

وتركيزُنا على وجوب تعمّق المؤلفين والمدقِّقين في علوم العربية، لكون العربية أو أي لغة أجنبية معتمدة في مناهجنا، هي وعاء العلوم الأخرى وحاضنة معانيها وحقائقها ورموزها وفلسفاتها، تركَّب في أساليب وسياقات مدبَّجة في قوالب لغوية ضمن أنساق رصينة جزلة الحبك والسبك والمتن، بجملها البسيطة والمركَّبة وصيغها الفعلية والاسمية وشبههما، في أساليب إنشائية أو خبرية، مع الإلمام بالفارق بين العبارات والسياقات التي يُعبَّر بها عن مختلف العلوم والفنون، إذ إن لكل علم أو فن كلماته وألفاظه ومصطلحاته التي تميزه عن غيره عند الاقتضاء في وضوح المعنى والدلالة.

والمؤلفون المحترفون وحدهم من يدرك هذه الفوارق اللغوية والاصطلاحية، فإن اختيرت ألفاظُها وسلمت صياغتُها استقامت معانيها، وسلُس بيانُها وزال غموضها وفُهم مرادُها، لأن المعنى المشعّ في الذهن بصفائه وإشراقه، تحمله الصياغة السليمة في تراكيبها وصياغتها، والصياغة الرديئة في التركيب والبناء والبنية العلائقية بين المتجاورات من الأسماء والأفعال وحروف المعاني والمباني، والإخلال باللزوم والتعدية والتقديم والتأخير والتضمين، تشوِّش المعنى وتلبّسه وتخلّ به وتبعده عن الفهوم، بسبب ما يعتري التراكيبَ من أساليب الحشو (الحشو تكرار المعنى بأسلوبٍ آخر  بما لا تستدعيه الحاجة، أو زيادة اللَّفظ على المعنى زيادة متعيّنة لغير فائدة)، والركاكة والإسفاف والإخلال، أو الإطناب المملّ أو الإيجاز المخل، أو الإبهام أو التضمين في غير محل  التضمين، أو الاستطراد من غير ضرورة.

ومادامت اللغة هي وعاء العلوم والفنون والرموز، وبها تُدرك الأخطاء وتُبصر الهَنات ويستقيم اللفظ وتسلس المعاني، وتخلو من المعايب والشوائب اللغوية والمعنوية وشيوع الخطأ واللحن والإسفاف، فإنه يلزم أن تولي وزارة التربية أهمية بارزة  لوضع معايير صارمة لاختيار المدققين والمنسقين بين المؤلفين، كيما تضمن قدرا كبيرا من جودة التأليف، والارتقاء به إلى مصاف الأعمال الجادة التي تخلو من الأخطاء والهَنات.

ولا يتأتَّى ذلك إلا إذا كان المؤلِّفون والمدقِّقون، ملمِّين بشوارد اللغة ولهم إحاطة واسعة بعلومها وفنونها وقواعدها وضوابطها وأساليبها، ومتملّكين لعلوم البلاغة، كعلم المعاني الذي يعرف به أحوال اللفظ العربي المطابق لمقتضى الحال، وعلم البيان وهو العلم  الذي يُعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، وعلم البديع الذي يختص بتحسين أوجه الكلام اللفظية والمعنوية، وبأساليب التركيب العربي وأنساقه البيانية والنحوية والصرفية والإملائية والعَروضية، ومطلعين على فنون الشعر والنثر وخصائصهما الفنية وأغراضها المعنوية، وعلى فنون القصة والأقصوصة والرواية، والأحجية والخرافة والأسطورة، والمدارس الأدبية، وبكلّ فنٍّ يدخل ضمن تخصص العربية.

والحمد لله، فعندنا من أهل هذا الفن ما يغني لجان التأليف، وفيهم الأساتذة الجامعيون والثانويون والمفتِّشون وغيرهم من أهل الأدب والخطابة والكتابة، إلا إذا كانت الوزارة تُصِرُّ على العمل بالمعاير الغبريطية التي تؤدلج الاختيار فتجعله للأحباب وأحباب الأحباب، وهي المعايير التي أخلّت بمعايير الجود والإتقان في التأليف المدرسي، وكان على حساب العلم والمعرفة والإحاطة والكفاية والاقتدار، كما فعلوا في الإصلاحات السابقة وقبل السابقة، مما جعل الكتاب المدرسي يعجّ بالأخطاء النحوية الشائعة والفاحشة، من رفع المضاف إليه وتسكين الأسماء، وتذكير التمييز وتأنيثه بما يخالف القواعد النحوية الشهيرة.

ومن الأخطاء الكثيرة التي حفلت بها الكتب المدرسية، ولاسيما الكتب العلمية،  غياب علامات الترقيم أو التقليل منها أو استعمالها استعمالا غير سليم، وهي العلامات المصطلح عليها دوليا، وبرموز واحدة لا تختلف باختلاف الأوطان واللغات، يُعبَّر بها عن الحركات والسكنات والخلجات والانفعالات والإشارات والتعبيرات، كعلامة التعجب وترد في مواطن التمنّي والترجّي، والتضجّر والتحسّر والتألّم والتأوّه، والغبطة والفرح والسرور… والفاصلة والفاصلة المنقوطة ومواطنهما المختلفة في الوقوف عندهما في القراءة، وعلامة الاستفهام والنقطة الواحدة والنقطتان ومواضعهما، والشرطة والأقواس والمزدوجتان… وغير ذلك.

مادامت اللغة هي وعاء العلوم والفنون والرموز، وبها تُدرك الأخطاء وتُبصر الهَنات ويستقيم اللفظ وتسلس المعاني، وتخلو من المعايب والشوائب اللغوية والمعنوية وشيوع الخطأ واللحن والإسفاف، فإنه يلزم أن تولي وزارة التربية أهمية بارزة  لوضع معايير صارمة لاختيار المدققين والمنسقين بين المؤلفين، كيما تضمن قدرا كبيرا من جودة التأليف، والارتقاء به إلى مصاف الأعمال الجادة التي تخلو من الأخطاء والهَنات.

وكذلك حروف المعاني والمباني، والأفعال اللازمة والمتعدِّية، وأيُّ الحروف أنسب في التعدية، والتعدية هي أخطر ما يواجه الكتّاب غير المحترفين، إذ تلتبس عليهم حروف التعدية، من ذلك ما هو شائع في الاستعمال والتداول والكتابة، كالتعدية بـ(على) مع الفعل (أتعرّف)، والأفصح تعدية الفعل بـ(إلى)، كقولنا: “أتعرف إليه” وليس “أتعرّف عليه”، وهذا الخطأ هو الشائع في الكتب المدرسية الحالية، وكذلك التعدية بـ(على) مع الفعل (ضحك)، فيشاع الاستعمال (ضحك عليه)، والأفصح (ضحك به)، والتعدية بـ(عن)، مع الفعل (ترتَّب)، فيقال (ترتب عنه)، والأفصح (ترتب عليه).

وكذلك الفرق في المعنى بين صيغ المبالغة القياسية وغير القياسية، وبينها وبين الصفة المشبَّهة، لاشتراكهما في بعض الأوزان، نحو الصفة المشبَّهة على وزن (فعِيلٌ) نشِيط، يدل معناه على الجدّ والحيوية ضده الكسل، (وفَعِلٌ)، نحو (نَشِطٌ) صيغة تدل على المفاعلة بين مثيرين، ولذلك قالوا: الطريقة النَّشِطَة وليست النشيطة التي تدل على الفاعلية، ومنها جاء مصطلح (التعلّم النّشِطُ)، أي: المفاعلة بين المتعلّم والأنشطة الدراسية، باستخدام أنشطة كالقراءة أو الكتابة أو المناقشة أو حل المشكلات، والتي تعزز التحليل والتركيب وتقييم محتوى الفصل.

ومن الأخطاء الإملائية الواردة في الكتب المدرسية، ووسائل الإعلام خلافا للقاعدة المعروفة، كتابة (الرحمن) التي تُكتب توقيفيا بدون ألف، فكتبت بالألف (الرحمان)، وكلمة (ههنا)، يشاع كتابتُها “هاهنا”، والكتابة الإملائية في بعض الكلمات تكتب توقيفية من غير قياس، لأنها نُقلت هكذا، وهذا الشذوذ يشمل لغاتٍ كثيرة، وليس مقصورا على العربية.

ومن أراد أن يتعمّق في أصول الكلمة العربية وتراكيبها، فعَلَيْه بقراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح، والنصوص الجاهلية بشعرها ونثرها، فهي المصدر الأول في معرفة الصياغة العربية الصحيحة، وتأليف نصوص القراءة يقوم على معيارين تربويين وهما: الأول: أن تكون معانيها متساوقة مع الأهداف المسطرة في مناهج القراءة، ولا تؤلف اعتباطيا من غير تدقيق في الأهداف والمرامي، وثانيهما: أن تكون متوافقة مع نِسب القيم المنصوص عليها في المناهج الدراسية، وهذه النِّسب تتفاوت في درجتها بحسب الأهمية وقربها من واقع المتعلمين، والمتعلقة بالقيم الدينية والأخلاقية والوطنية والعالمية، ويراعى في ديباجة النصوص الأزمنة التاريخية والأدبية، فتكون مزيجا بين النصوص القديمة والحديثة، وبين النصوص الأدبية والنصوص الصحفية، حتى يستفيد المتعلمون من مختلف الأساليب والتراكيب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • معلق حر

    المناهج و الكتب الدراسية المستحيلات تكون محل تحديث من 7 إلى عشر سنوات. تواصل تجريبي للمعني بالأمر.