الرأي

استراتيجية الاستيلاء والقضم البطيء

حسان زهار
  • 1183
  • 5
ح.م

يبدو أن الأمور لا تسير على ما يرام.. فالتيار “الأقلية” الذي يتحرك بدهاء الدولة العميقة، المتغلغلة في كل مفاصل الدولة والمجتمع، يتبع اليوم استراتيجية جد خطرة، لا ينتبه إليها الكثيرون للأسف، هي استراتيجية الاستيلاء والقضم البطيء، في حين نجد التيار النوفمبري الباديسي، وخلفه كل الوطنيين الحقيقيين، وقد بدأ جارفا مع بداية الحراك، يتبخر شيئا فشيئا كما تتبخر مياه البحر في هذا الصيف الحار، بعد أن تم دفعه دفعا للانسحاب من الحراك، لخطة يبدو أن ملامحها تتضح أكثر فأكثر مع مرور الوقت.

للأسف، تمكنت قوى الفرنكوبربريست، من دفع الوطنيين والتيار الأصيل، للانسحاب بشكل كبير من الحراك عبر خطة خبيثة، بدأت برفع الرايات غير الوطنية بالأمس، ووصلت إلى شعارات تخوين قيادة الجيش اليوم، ثم استولت على الحراك، وهي اليوم تفاوض باسمه، وإن بطريقة غير مباشرة، وتطرح نفسها الممثل الشرعي للحراك والتي على السلطة أن تفاوضها، وليس أن تتحاور معها فقط.

ولأن هذا الوضع المقلوب تحول إلى واقع، جاء تعيين لجنة الوساطة والحوار، على هوى تيار الأقلية، بهدف كسب ودها على الأرجح، حتى وإن كان الجيش قد فرض الإطار الذي تتحرك فيه، وهو البحث في كيفية إجراء الانتخابات الرئاسية فقط، وبالتالي بدل التفاوض مع هذه الأقلية، تم منحها لجنة الحوار بشكل شبه كامل، لتتوسع دائرة السيطرة، ويستحوذ هذا التيار المنظم على لجنة الوساطة والحوار، التي رغم الصيغة الكاريكاتورية التي يتناول بها نشطاء مواقع التوصل الاجتماعي شخصياتها وشخوصها، إلا أن ما ستتوصل إليه من مخرجات ستكون ذات تأثير بالغ على مستقبل البلاد، ولن يتم إدراك ذلك إلا بعد فوات الأوان.

وطبيعي بعدها أن تأتي ما سمي بلجنة الحكماء، لتكون تحصيل حاصل لاستيلاء فروع الدولة العميقة، وأقطاب “البوتفليقة” السياسية عليها، بل إن الأخطر من ذلك، أن لجنة الحوار المعينة، قامت بدورها بإرسال رسائل سياسية بعضها في غاية الخطورة، وصلت إلى حد تقديم تطميانات لبعض القوى الأجنبية (المعادية) عبر تعيين شخصيات لها ارتباطات مشبوهة خارج الحدود.

لذلك سيكون من حق الملايين التي خرجت في الحراك خاصة في أسابيعه الأولى، قبل أن يتم تفخيخه وتفجيره من الداخل، أن تخشى على مصير لجنة تنظيم ومراقبة الانتخابات، عبر وجوه لا تقل بؤسا عن الوجوه الأولى التي قدمتها “البوتفليقة” في آخر أيامها من أمثال الأخضر الابراهيمي ولعمامرة، وحينها لن تنفع الأغلبية البكائيات، ولا مواصلة لعبة التمترس السلبي خلف المؤسسة العسكرية، لأن هذه الأخيرة، وهي تحارب الفساد وتقتلع جذوره بحنكة واقتدار، لا تمارس السياسة ولا تستطيع أن تدخل لعبة الانتخابات، إذا ما تخلى المدنيون عن دورهم في إخراج قيادات تقود الجماهير إلى تحقيق أحلامها.

وقد تكتمل الخطة، بدفع الأغلبية إلى الانسحاب من الانتخابات ومقاطعتها، جراء هذا الفرض المستفز لوجوه كارثية في لجان الحوار والحكماء ولجنة الانتخابات غدا، تماما كما تم الدفع بهم إلى الانسحاب من الحراك لقطف ثماره بالكامل بمفردهم.

نحن إذن في منتصف الطريق الخطر، الدولة العميقة وأذرعها الإيديولوجية استولت بالقوة والدهاء والتنظيم على ثلاثية الحراك، ولجنة الحوار، والحكماء، وإذا ما تمت “خياطة” هيئة مراقبة الانتخابات، والاستيلاء على صلاحياتها الضخمة في التأثير على نتائج الانتخابات، فإن الراجح حينها، في ظل استمرار تشتت الأغلبية، وعدم قدرتها على التهيكل والحركة الإيجابية في الوقت المناسب، فقد يستيقظ الشعب الذي قام بأعظم ثورة، في لحظة وعي غير مكتمل، وقد استولت هذه الأقلية على قصر المرادية، وعلى رئيس من الطرف الآخر، رئيس من الدولة العميقة، يأتي ليخرج العصابة من السجن، ويعيد كل شيء إلى نقطة الصفر.

مقالات ذات صلة