-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

استغاثة أبنائنا

أوحيدة علي
  • 1797
  • 0
استغاثة أبنائنا

لقد أخذت هذا العنوان من تدخل الدكتور أحمد فريحة الذي قال يوم 5 جوان 2022 لجريدة الخبر«هذه السلوكيات صرخات استغاثة من التلاميذ لنجدتهم» فعلا إنها كلمات تلخص المكبوت في نفسيات أبنائنا، وتكشف آهاتهم وآلامهم وحسراتهم، لأنهم كانوا ضحية منظومة تربوية فاشلة فرضتها زمرةٌ لا تريد الخير للمجتمع، بل تريده أن يتمزّق ويرجع إلى العصور المظلمة، عصور الجهل والتفرقة، عصور الضياع والتيهان، لتعيش هذه الزمرة في راحة وأمان، وتترك الأغلبية تئن تحت أقدامها وما تفرضه عليها، بل تجعلها خادمة وطائعة لها.

ولكن الذين تدخلوا في موضوع «تمرد التلاميذ والطلبة» في آخر كل سنة دراسية ذكروا أسباب الظاهرة وخطورتها في المستقبل على المجتمع كله، ظاهرة تمزيق الكتب والكراريس، وتخريب الأقسام ومحتوياتها، ورشق المعلمين والأساتذة بشتى أنواع المقذوفات من بيض، طماطم، وفواكه فاسدة، ظاهرة تعبّر عن سلوك خطير وانحراف تربوي كبير، لكن كل من تابع وتكلم عن هذه الظاهرة الغريبة في مجتمعنا عمَّم وتوسَّع في أسبابها دون أن يحصر السبب المباشر، ودون أن يضع أصبعه على منبت ومنبع هذه الظاهرة التي لم تكن موجودة في المنظومات التربوية السابقة، إذ كان التلاميذ والطلبة يكنُّون الاحترام والتقدير لكل من يعلِّمهم، ويحافظون على المدرسة وممتلكاتها، ويتبادلون الكراريس والكُتب بغية مراجعة الدروس أثناء العطلة الصيفية تحضيرا للسنة الدراسية المقبلة. والسؤال: لماذا انطفأ هذا السلوك السوي والأخلاقي والحضاري وظهر سلوكٌ جديد يدل على انحراف وعدوانية وحقد وكره لكل ما له صلة بالمدرس والدراسة والمدرسة؟!

الكتب المقررة لا تتوفر فيها صفة واحدة أو شرط من شروط الكتاب المدرسي، ولهذا كره التلاميذ والطلاب الدراسة والمدرسة والأساتذة، وعبروا عن هذا الكره والإحباط والتذمر بسلوكات عدوانية تدل على مكبوتات خطيرة تسببت فيها إصلاحات 2003، ورغم هذا مازالت تطبق في الميدان، ولم تعالج الوزارة هذا المشكل بأسلوب علمي وتربوي سليم. ولهذا أقول لكل من له علاقة بالتربية: أن يحاول إنقاذ أبنائنا من هذا الكابوس الذي أصابهم قبل فوات الأوان.

إن السبب الرئيسي والمباشر لهذه الظاهرة هو إخفاق المنظومة التربوية التي فُرضت على أصحاب الميدان سنة 2003، والدليل على هذا الحكم تؤكده الحقائق التالية:

– الكتاب المدرسي، هو المحور في كل منظومة تربوية، لأنه يترجم المناهج والأهداف وينزل بها للمستوى التعليم- التعلمي المناسب للتلاميذ والطلبة، أي ينبغي، بل يجب أن يُؤلف بطريقة تساعد المتعلم على فهم واستيعاب مضمونه ومحتواه اعتمادا على نفسه، وتمكّنه من حل التمارين، والإجابة عن أسئلة كل درس وفق ما تضمّنه من مفاهيم ومعلومات وقواعد وأمثلة قد تسبق أو تتبع كل موضوع من مواضيع الكتاب خارج حجرات الدراسة، وهذا هو «التعليم الذاتي»، أما إذا كان الكتابُ المدرسي الذي يدفع المتعلمُ ثمنه عبارة عن أسئلة غامضة، ومعلومات مبهمة، وتمارين ووضعيات تعجيزية لا يستطيع الأستاذ الإجابة عنها، أو دروس دون المستوى، مثل الكتب المقررة في المنظومة الحالية في جميع مستويات الابتدائي والمتوسط، فلا تنتظر من التلميذ والطالب الإقبال على الدراسة، وحب المدرسة، وتقدير الأساتذة، لأن عدم التكيف الإيجابي في بيئة التعليم والتعلم يؤدي إلى الإحباط، والتذمر وكره الذات، ثم ينتقل هذا الضغط النفسي إلى كره النشاط، ثم الأستاذ، ثم المدرسة، ثم المجتمع… ويظهر هذا الإحباط والضغط النفسي الذي يعاني منه المتمدرس في التمرد والعدوان على الكل، على نفسه وعلى غيره، وعلى ممتلكاته وممتلكات المجتمع في صور عديدة مثل: إتلاف ممتلكاته، ضرب الأساتذة، الكلام الساقط، السلوكات الطائشة، السرقة والكذب، بل يتعدى الأمر هذا كله فيهرب من البيت أو يركب قارب الموت… ولتأكيد سلبيات هذه المنظومة التي كشفتها الكتب المدرسية أذكر على سبيل المثال:

– كتاب تعلّماتي الأولى (دفتر الأنشطة العلمية للتربية التحضيرية) موجه لأطفال 5-6 سنوات تضمن في صفحة 51 ما يلي: العنوان (الحيوانات)، الهدف: يميز بين الحشرات المفيدة والضارة، صور لثماني (8) حشرات نكرة، أي غير مسماة، وفي أسفل سؤال: لاحظ الصورة ثم: اجعل الحشرات المفيدة داخل حيز أخضر والحشرات الضارة داخل حيز أحمر. والسؤال: هل يستطيع الأساتذة المختصون في العلوم الطبيعية أن يجيبوا عن هذا السؤال؟!… ألا يمكن القول: إن هذا التمرين الموجه لأطفال 5-6 سنوات غير منطقي، وغير تربوي، بل يتحدى عقول الكبار قبل الصغار؟! هل الذين ألفوا هذا الكتيب -وعددهم سبعة أستاذة- لهم علاقة بالتربية والتعليم؟!

– كتابي في الرياضيات والتربية العلمية والتكنولوجية للسنة الأولى من التعليم الابتدائي تضمنت صفحته 79 ما يلي: حيوانات تعيش معنا، وصور للأسد، والنمر، والتمساح. بماذا يجيب الأستاذ إذا قام تلميذ عمره ست سنوات وقال له: إن هذه الحيوانات لا تعيش معنا؟ وتضمنت هذه الصفحة  أيضا سؤالا: لماذا تحضن الدجاجة بيضها؟ بينما الصورة صورة ديك، كما أدرج في الصفحة نفسها تمرينا يطلب فيه من التلميذ التمييز بين الحيوانات البيوضة، والحيوانات الولودة، فهذا الدرس غير مقرر في منهاج السنة الأولى وغير موجود في الكتاب، والسؤال: لماذا أدرج تمرين دون درس؟!… إن الصفحة 79 تضمنت صورا لحيوانات أليفة، وصور لحيوان غير أليف، وتغذية الحيوانات، والحيوانات الولودة والبيوضة، وخلاصة ناقصة لأنها تضمنت آكلات العشب، وآكلات اللحوم، وأهملت الحيوانات التي تأكل كل شيء. والسؤال: كيف يتصرف الأستاذ مع هذه المعلومات والمفاهيم؟ وهل هذا كتابٌ مدرسي أم أوراق مبعثرة؟!

– كتاب اللغة العربية للسنة الرابعة الابتدائية تضمن في صفحته 101 الفعل المضارع، والفاعل ضمير مستتر، فهل التلميذ يفهم الفاعل إذا كان ضميرا مستترا ويميز بينه وبين الفاعل الظاهر، وهو يقرأ القواعد لأول مرة؟ أي يميز بين (ذهبَ التلميذ)، و(التلميذ ذهب). من المعلوم والمتعارف عليه أن الفاعل المستتر يقدم لطلبة التعليم المتوسط، فهل هذا الدرس في مستوى تلاميذ السنة الرابعة أم فوق مستواهم؟ لا نتعجب إذا ملّ وكره التلاميذ نشاط القواعد ومن يعلّمه.

– كتاب الرياضيات للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي أدرج في صفحته 101 التمرين التالي: (على تصميم مدينة منجز بمقياس 1/1000، أحسب طول ساحة منها طولها على التصميم 8.5cm) فهل هذا التمرين في مستوى تلاميذ السنة الخامسة؟ كما لم تسبقه أمثلة عملية أو وضعياتٌ محلولة ليفهم التلميذ الطريقة التي يتبعها في إنجاز هذا التمرين. ألا يعتبر هذا التمرين من التمارين التعجيزية التي تجعل التلميذ يكره الرياضيات والأستاذ؟ وهذا الدرس، أي المقياس أدرج في كتاب الرياضيات للسنة الثانية من التعليم المتوسط بأسلوب مبهم خال من الأمثلة وطرائق الحل، والقواعد التي تساعد الطالب على الفهم والاستيعاب، ولذا علينا أن نتساءل: هل هذا كتاب مدرسيٌّ أم امتحانٌ نتحدى به الطلبة والأساتذة؟! ماذا نقول عن الأساتذة الذين ألّفوا هذا الكتاب وعددهم 12 أستاذا؟ هل يجوز لي ولغيري أن أقول إن هؤلاء لا علاقة لهم بالتربية والتعليم، لأن الصنعة تدل على الصانع؟!

كما تضمّن هذا الكتاب أيضا في صفحته 23 وضعية لها 9 تسعة عمليات وهي: (اشترى مدير مدرسة مستلزمات هندسية للمدرسة: مربعات، مثلثات، أقراص. ثمن مربعين و3 أقراص هو 115DA. ثمن 6 مربعات هو 120DA. ثمن 3 مربعات وقرصين و4 مثلثات هو 158DA؟ ما هو ثمن المربع والمثلث والقرص؟) مع العلم أن تلميذ السنة الخامسة لا يستطيع حل وضعية بثلاث عمليات بسؤال واحد. ورغم هذا أدرجت هذه الوضعية، ولذا أقول: هل الذين ألّفوا الكتاب يعرفون مستوى المتمدرسين في السنة الخامسة الابتدائية؟ لا أدري!

– تضمّن كراس النشاطات في الرياضيات للسنة الخامسة في الصفحة 47 الوضعية التالية: (طول مستطيل يساوي ضعف عرضه، إذا زاد طول وعرض هذا المستطيل بـ3cm زادت مساحته بـ180cm2. ما هما بُعدا هذا المستطيل؟) فهذه الوضعية لها أربعة حلول، كل حل له تسعة عمليات، ويمكن البرهان على صحة الحل بالبحث عن الفرق بين المساحتين لنجد 180cm2. ولكن المشكل أن التلاميذ لا يفهمون طريقة الحل مهما اجتهد الأستاذ، لأن هذه الوضعية فوق إدراكهم العقلي، وفوق معلوماتهم المكتسبة، وعليه يمكن القول: هذا ليس كتابا مدرسيا، بل هو معول من معاول هدم منظومتنا الحالية.

– أما كتب التعليم المتوسط فلا نجانب الصواب إذا قلنا: إنها كارثة، والبرهان على هذا كمثال فقط ما تضمنته صفحة 105، إذ أدرج فيها المؤلفون درس (ال) الشمسية و(ال) القمرية، وهذا الدرس قدِّم لتلاميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي، والسؤال: لماذا رجعنا بالطالب بعد ست سنوات إلى السنة الأولى؟ ألا يحق للطلبة أن يستهزئوا بالأساتذة؟ كما تضمّن هذا الكتاب في صفحته 21، تمرينا السؤال التالي (كوِّن جملتين مفيدتين تشتملان على ضميرين خاصّين بالنصب)، والكتاب لم يتعرض لضمائر النصب في هذه الصفحة وغيرها من الصفحات، فهل هذا كتابٌ أم لغز؟ ولماذا يدفع الطالب ثمن هذا الاستهتار؟ كما أعلم القراء أن كتب اللغة العربية من السنة الأولى إلى السنة الرابعة من التعليم المتوسط لا تتضمن كلمة واحدة مُعرَبة، أي حُذف الإعراب من التعليم المتوسط.

– أما كتاب اللغة العربية للسنة الثانية من التعليم المتوسط الذي ألفه 12 أستاذا مختصا في اللغة العربية، فقد أدرج في صفحة 19 ثلاثة حروف من حروف العطف، بينما تضمن كتاب اللغة العربية في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي 4 حروف من حروف العطف في صفحته 26، وتضمن كتاب السنة الخامسة 6 حروف من حروف العطف، والسؤال: لماذا نرجع بالطالب إلى مستوى دون مستواه، وكيف يتصرف الأستاذ إذا سأله أحد الطلاب بأسلوب استهزائي متبوعا بضحكات زملائه قائلا: لماذا أرجعتنا إلى الوراء فنحن كنا نعرف 6 حروف، وأنت قدّمت إلينا ثلاثة فقط؟! إنها مأساة منظومة فاشلة! ولذا لا نلوم الطلاب إذا كرهوا الدراسة والمدرسة والأستاذ معا، وانتقموا لأنفسهم من الكل بأساليب وسلوكات تدلّ على انحراف متصاعد كل نهاية موسم دراسي.

إن الأمثلة السابقة تؤكد أن الكتب المقررة لا تتوفر فيها صفة واحدة أو شرط من شروط الكتاب المدرسي، ولهذا كره التلاميذ والطلاب الدراسة والمدرسة والأساتذة، وعبروا عن هذا الكره والإحباط والتذمر بسلوكات عدوانية تدل على مكبوتات خطيرة تسببت فيها إصلاحات 2003، ورغم هذا مازالت تطبق في الميدان، ولم تعالج الوزارة هذا المشكل بأسلوب علمي وتربوي سليم. ولهذا أقول لكل من له علاقة بالتربية: أن يحاول إنقاذ أبنائنا من هذا الكابوس الذي أصابهم قبل فوات الأوان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!