-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بسبب إسكانهم في محتشدات ومنعهم أبسط حقوقهم

اعترافات وتعويضات متأخرة من الدولة الفرنسية للحركى

محمد مسلم
  • 7160
  • 0
اعترافات وتعويضات متأخرة من الدولة الفرنسية للحركى
ح.م

تستمر اعترافات السلطات الفرنسية بضحايا ممارساتها خلال العهد الاستعماري بالجزائر، حيث جاءت الاستفاقة هذه المرة جد متأخرة في حق عملائها، وبعد أن قضى الكثير من المتضررين من ممارساتها غير الإنسانية، والإشارة هنا إلى “الحركى” وذويهم، الذين جمعتهم فرنسا في محتشدات غير إنسانية غداة هروبهم بجلدهم من الجزائر، عقب الاستقلال.

وبعد أكثر من ستين سنة من الانتظار، أقرّت الحكومة الفرنسية ما سمته “قانون اعتراف الأمة تجاه الحركى”، تعمل بموجبه على توسيع قائمة المستفيدين من الحق في التعويض، وذلك في أعقاب التقرير الذي قدمته “لجنة مستقلة”، أنشئت خصيصا لذلك، إلى رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الاثنين 15 ماي 2023.

ونص قرار الحكومة الفرنسية على إدراج 45 موقعا (محتشدا) اقترحتها اللجنة في قائمة الهياكل التي قد تؤدي إلى التعويض، وذلك استنادا لقانون 23 فيفري 2022 المتعلق باعتراف الدولة الفرنسية تجاه “الحركى“، كما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر 2021. ويصل عدد المعنيين بالتعويض إلى 14 ألف شخص إضافي، بعد إقامتهم في أحد هذه المواقع التي كانت تفتقد إلى أدنى شروط الكرامة الإنسانية، فيما لا تزال عملية الإحصاء مستمرة.

ولم تعامل السلطات الفرنسية بإنسانية حتى من خدمها من الحركى، دون الحديث عن رد الجميل، فبعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، رفض جيش الاحتلال الفرنسي إجلاءهم عبر البواخر التي كانت تنقل العساكر الفرنسيين وجحافل الأقدام السوداء، إلا أن هناك من تمكن من الحركى من الفرار والالتحاق بالتراب الفرنسي رفقة عائلاتهم، غير أنهم واجهوا جحودا فرنسيا لما قدموه لها، حيث أسكنوا في “غيتوهات” تفتقد إلى أبسط الكرامة البشرية.

وأقيمت محتشدات للحركى في الفترات من بين 1964 و1981 في مناطق بأقصى الجنوب الفرنسي وأخرى في أقصى الشمال (منطقة ليل)، وكانوا معزولين تماما عن المجتمع الفرنسي، ومحرومين من أبسط الحقوق، على غرار التعليم والرعاية والحق في العمل، الأمر الذي أدى إلى تشكيل أبناء الحركى لمجموعات مسلحة ضد الشرطة الفرنسية للمطالبة بحقوقهم وحقوق عائلاتهم، حيث وقعت اشتباكات مع الشرطة وسقط خلالها ضحايا، كما جاء في وثائقي بث مؤخرا على إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية.

وخلال تلك الفترة من 1964 إلى 1981، توفي المئات من الأطفال الصغار بسبب نقص الرعاية الصحية، ودفنوا في مقابر غير نظامية، وأصبحت قبورهم اليوم مجهولة ومهجورة، لأن تلك المحتشدات التي كانت بها مقابر، تم إخلاؤها بعد الاعتراف لاحقا بحقوق الحركى وذويهم، ونقلهم للعيش في المدن إلى جانب الفرنسيين.

وبعد عمليات الإحصاء والدراسة، قررت السلطات الفرنسية تعويض ما يناهز 7 آلاف و71 حالة، فيما قدر متوسط التعويض بنحو ثمانية آلاف و800 أورو، من مجموع المبلغ المخصص للعملية، والذي يقدر بـ59.1 مليون أورو، مع التزام الحكومة الفرنسية بالشروع في أعمال صيانة وترميم القبور المهجورة كمرحلة أولى.

كما اقترحت اللجنة 45 موقعًا جديدًا (محتشدا) مؤهلًا للتعويض، وقد وافقت الحكومة على إدراجها في قائمة الهياكل التي تمنح الحق في التعويض، أما المواقع التي لم يتم اختيارها، والتي سيتم الإبلاغ عنها لاحقًا أو التي تتطلب بحثًا إضافيًا، ستكون موضوعًا لخبرات جديدة، كما وضع موقع إلكتروني للمساعدة.

وتكمن العبرة في هذا المشهد المأساوي، في أن فرنسا الاستعمارية غررت بفئة من الجزائريين، للوقوف معها ضد بني جلدتهم، ولما حان وقت الوفاء، لم يجد الحركى من عدوهم الحقيقي والفعلي غير الجحود والنكران، وعادة ما يكون هذا هو الحال بالنسبة لمن رفع السلاح في وجه إخوانه خدمة لمصالح أعدائه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!