-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اقتصاد المعرفة وثقافة “المعريفة”!

قادة بن عمار
  • 1265
  • 5
اقتصاد المعرفة وثقافة “المعريفة”!
ح.م

عندما يدعو الرئيس تبون الجهات المختصة إلى عدم إحباط الشباب ودفعهم للهجرة، بمجرد فشلهم في مشروع ما، فهو يدرك تماما أن المشكلة في البلاد ليست في البحث عن اقتصاد جديد أو في إنشاء مؤسسات شبانية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمعرفة، لكن المشكلة الأساسية تتمثل في وجود إرادة خطيرة لدى البعض، تُحرّض على الفشل وتمنع النجاح، كما تطارد العقول وتنشر الإحباط والشعور بالهزيمة.
هذه الآفات الخطيرة لا يمكن لندوةٍ واحدة كتلك التي نُظّمت أمس، أن تحاربها أو تستأصلها، ناهيك على أن نيّة الحكومة وحدها ومهما كانت قوية وصادقة، تُعدّ غير كافية للوقوف في وجهها، بل يحتاج الأمر إلى نمط جديد في التسيير وإلى ثورة حقيقية في الممارسات الإدارية التي قتلت الإبداع وخنقت الابتكار على مدار عقود طويلة.

بالمختصر المفيد، فإن اقتصاد المعرفة لن ينجح في ظلّ انتشار ثقافة “المعريفة” والمحسوبية أو تقديم الأشخاص وفقا لحسابات الجهوية والولاء وليس احتراما لمعيار الكفاءة وقوّة المشروع.

لا يختلف اثنان، وخصوصا أولئك الذين يتابعون الحركية السريعة للاقتصاد العالمي، أننا تأخرنا كثيرا في الالتحاق باقتصاد المعرفة، وبأنّ جميع الوعود والتوصيات والتعليمات الرسمية وشبه الرسمية التي تم إصدارها بهذا الخصوص في السنوات الماضية ظلّت مجرد حبر على ورق، بل كرَّسنا الاقتصاد التقليدي وغرقنا فيه ولم نعد قادرين حتى على تحديثه.

ربما هذا ما يعكس الاهتمام الملحوظ بالمؤسسات الناشئة وباقتصاد المعرفة مؤخرا، ويؤكد التوجُّه الجديد للدولة، وبأنها تريد التخلُّص من أعباء الاقتصاد التقليدي الذي لم تعُد مسألة التخلي عنه خيارا، بل ضرورة قصوى، لكن هل سيكون تنفيذ ذلك سهلا في بلد بيروقراطي كالجزائر؟ هل سيجد اقتصاد المعرفة مكانه الطبيعي في ظلّ إدارة مفلسة ومعادية للتغيير؟ ثم هل سيحفّز هذا التوجه الجديد في إنهاء صورة المستثمر الذي لا يريد سوى حصته من المال العام، أو يُغيّر في صورة الدولة التي لا تجيد سوى “توزيع الريع”؟

إنّ اقتصاد المعرفة يعني التركيز على العلوم والتكنولوجيا، وتكثيف دورات التدريب والاهتمام بالرأسمال البشري، فهل وصلنا إلى هذه المرحلة، أم لا؟ خصوصا أنّ الأمر لا يرتبط فقط بقرارات وأوامر رسمية وإنّما له ارتباطٌ وثيق بإرادة أصحاب تلك المؤسسات وبالعقول التي تسيّرها.

لا نريد لمثل هذه الندوات والجلسات أن تتحوَّل إلى مناسبة لإصدار التوصيات وفقط، أو للتغني بأمثلة ونماذج عالمية ناجحة دون البحث عن كيفية استيرادها واستنساخها بشكل سليم ولا يضرّ بهويتنا الفكرية والاقتصادية، وهنا نتذكر جميعا كيف احتضنت الجزائر قبل سنوات قليلة، مؤتمرا ضخما للمدن الذكية، فراح المشاركون فيه يستعرضون تجارب العالم من سنغافورة إلى ماليزيا واليابان، قبل أن يصطدموا بحقيقة أنّه يستحيل إنشاء مدن ذكية في بلد تسيّره جماعاتٌ فاسدة وغبية!

لقد قالها الوزير الأول عبد العزيز جراد صراحة أمس، إن ندوة المؤسسات الناشئة تهدف إلى “البحث عن جيل جديد من رجال الأعمال والمقاولين”، جيل يعوّض أولئك الذين نهبوا المال العام وهرّبوه على مدار عقدين من الزمن، وهو أمرٌ لا يمكن تحقيقُه سوى بإعادة ترتيب الأولويات، فالهدف ليس الحصول على إعانة من صندوق التمويل، أو على “جزءٍ من الكعكة”، وإنما يجب أن يتحوَّل هذا الصندوق إلى مجرَّد وسيلة فقط لدعم الاستثمار وتسهيله، ولمَ لا البحث عن مصادر تمويل خاصة بعيدا عن الميزانية العامة التي لم تعُد تتحمَّل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • algerien

    العدو الأول لتطور أي بلد هو المعريفة و الرشوة، أقسم بالله أنه لن تقوم قائمة لبلد فيه مؤشّر هاتان الآفتان مرتفع.

  • Rimah

    يا سي بن عمار ٍأنا و شركتي الشابة مثال حي يُصدم و يصطدم يوميا بسور البيروقراطية العظيم, أحيانا أتجاوزه بجهد جهيد وأحيانا يُفرض علي الإستعانة بجلالة " المعريفة" . و إن أردت يوما فأحدثك عنها كثيرا و لك أن تنشأ مؤلفا صدقني.

  • نمام

    قد نتوهم ببروز كفاءة او مجموعة باننا على عتبة التطور و الاندماج في المعرفة العالمية التعليم عندنا الذي هو اساس توفير المهارة و الابداع للاندماج في التكنولجيا العالمية الحديثة نراه اليوم لا تعليق ونرى ترتيبنا في الانترنت وتدفقها كبنية تحتية هل هي قادرة لصياغة هذا الفضاء الفجوة تتعمق وتواجهنا تحديات قصورنا في انتاج وتوظيف المعرفة هل طاقتنا قادرة على بناء مجمتع المعرفة اقتصادنا هش تنستنزفه الحالة الاجتماعية ويتربص به الطامعون هل عرفنا حقيقتنا وما يواجهنا مصارفنا و شاركاتنا تسير بعهد ولى غير قادرة على بناء مجتمع معلوماتي قوانينا راكدة مناخنا خانق للابتكار لا استثمار اجنبي مباشر لتوطين التكنلوجياو

  • لزهر

    الأقصاد الوطني صنعتْهُ الثروات الباطنية في الصحراء بأيدي خفية تستعمل الجهوية و المحسوبية.
    و من قال أنا أو ذاك صَنْعتُ الأقصاد الوطني فقد كذب.
    و كذبة القرن الواحد والعشرين على الشعب
    الطريق السيار شرق غرب كمرحلة ما بعد البترول.
    أمور خطيرة غير مدروسة و خروقات لا نظير لها دمرت الأقصاد الوطني عن آخره و كأننا في سباق ضد الساعة لمن يظفر بما تبقى منه.
    تدخل الدولة للتحكم بزمام الأمور ضروري للحّد من هذه التجاوزات الخطيرة بأستحداث جهاز أمن جديد متكون من أبنان الفقراء كرّد قاطع للحد من هذه الظاهرة الخطيرة .

  • جبريل اللمعي

    3 تعليقات:
    - اقتصاد المعرفة ليس بديلا. إنه قطاع اقتصادي مثل غيره. ثم لا نَنْسَ أنّ الاقتصاد الألمانيّ نجا من كورونا لأنه متنوع (**هنالك عدد كبير من الفلاحين الشباب في ألمانيا **ما زالت ألمانيا الورشة الميكانيكية للعالم).
    - يمكن إدخال المعرفة في بعض مفاصل الاقتصاد التقليدي ولكنّ هذا يصطدم عندنا بما يلي: **البنية التحتية الهزيلة **غياب روح المقاولة ورأس المال المُجازِف.
    - ستستمر الإدارة عندنا في الإخفاق ما لم نعتمد أمرين: **التدريب على إدارة المشاريع **كل الإدارات يجب إعادة هندستها وفقا لنموذج وطني لما يسمى Enterprise Architecture من قبيل .TOGAF, DODAF, etc.
    وسلامي لمعسكر الحبيبة.