الرأي

اقتصاد حرب في مجابهة عدو خفي

ح.م

دورة الحياة الاقتصادية توقفت، في حرب مفاجئة ضد عدو خفي، مازال الأقوى من قوى دفاع العالم أجمع، أسقط كل نظريات السياسة في إدارة شؤون الحياة، إذ فقدت جدواها، والحاكم الأقوى الذي يتطلع إليه البشر المضطرب لقاح مضاد مازال بعيدا عن كرسي زعيم حاكم يعيد للحياة استقرارها.

حرب انطلقت باندفاع كبير، لم يخترها البشر العاجز عن مواجهتها، مازالت أسرارها الخفية خلف أبواب مغلقة، قد تتسرب تفاصيلها في وقت مقبل، تأكل في طريقها كل كائن حي، وتحصد مقدراته، وتعطل روح حركة الحياة فيه، كما عطّلت حركة الحياة في الواقع المتأهب لاحتواء كارثة يحملها مجهول.

” فايروس كورونا” لم يعد مجرد وباء لا علاج له، هو حرب بنظم قتال جديدة، يعطل قواعد الاقتصاد دون تدمير هياكله، ويشل حركة الإنتاج، ويفرغ خزائن المال دون جدوى، ويدمر معنويات البشر العاجز عن الظفر بعدوه “المتوحش”.

خطط الاقتصاد تدفع بحركة التنمية إلى الأمام، في واقع مستقر، لا يشاغله عدو في جبهات مفتوحة، أما في زمن المواجهات والحرب التي يحياها الإنسان الآن فكل شيء يتغير، قد يصل إلى حد إعلان حالة الطوارئ القصوى لمجابهة خطر مجهول لا يرى بالعين المجردة.

ما تعيشه البشرية الآن حالة حرب قصوى، اشتدت وقائعها، وتصاعدت نسبة خسائرها بوتيرة أسرع من كل التوقعات، أكبرها الخسائر المعنوية في فقدان توازن النفس البشرية، وشلّ قدرتها التنموية بتعطيل دورها التقليدي في الحياة، وحجرها في أماكن سكناها مرغمة .

تكمن قوة المواجهة في حرب فرضت نفسها، في الحفاظ على بنى إدامة دورة الحياة الطبيعية، وتنشيط قطاعاتها باستنهاض الطاقات المتاحة، والبدء بحملة تعويض الخسائر بالتزامن مع صد ضربات حرب مضادة .

حرب العدو المجهري “كورونا” لها خصائص تختلف، لم تشهدها من قبل الحروب التقليدية على مدى عصور التاريخ استدعت تعزيز القدرة التسليحية، وإعداد المقاتل القادر على حمل السلاح، وتجنيد كل القطاعات لدعم جبهاتها.

اقتصاد الحرب إجراءات استثنائية لتعزيز القدرات الاقتصادية، وضمان شروط إدامة الحياة، تفرضها معطيات “حرب كورونا” في ظل انحسار الواردات القومية، وتراجع معدلات الاستثمار، وظهور جيل جديد من العاطلين، وتعطيل القدرات الإنتاجية، وارتفاع نسب التضخم، واستنفاذ الاحتياطي النقدي الأجنبي، أمام متغيرات كبرى سيشهدها العالم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعدما تلملم الحرب أوزارها .

“كورونا”حرب بلا سلاح تقليدي، ولا عدو يتحصن في خنادق القتال، لكنها حرب تدعو المالك لمفاتيح اتخاذ القرار أن يشرع قواعد “اقتصاد حرب” أولى أهدافه ضمان الاكتفاء الذاتي في مستلزمات الحياة، وتحاشي إحداث أي نقص فيها، وتحفيز الطاقات البشرية لإنجاز دورها المتمثل بتنفيذ إجراءات الوقاية بوعي دقيق، بعيدا عن أي اختلال نفسي يصل إلى مستوى الاضطراب.

مقالات ذات صلة