الأحزاب الجزائرية أمام الجرافة التونسية
يدعو السيد سعيد سعدي، زعيم حزب الأرسيدي، إلى تنظيم مسيرة في العاصمة للمطالبة برفع حالة الطوارئ واحترام الحريات وحل الهيئات المنتخبة وانسحاب الجيش من الحياة السياسية، وكأنه لم يكن منذ حوالي 20 سنة (أي سنة 1991) هو أول من طالب بإعلان حالة الطوارئ والإجهاز على الحريات الفردية والجماعية وإلغاء الانتخابات الحرة والزج بالجيش في الحياة السياسية وكان له ما أراد.
-
الأفلان يعلن عن تشكيل مكاتب أو لجان أو خلايا استماع لمشاكل وانشغالات المواطنين على مستوى هيئاته، وهو بذلك يثبت أنه عندما انتخبه هؤلاء المواطنون لم يكن في حسبانه معرفة مشاكلهم وانشغالاتهم، فيريد اليوم بعد عشرات السنين تدارك الوضع والانطلاق من جديد.
-
والأرندي، يدعي خاصة على لسان السيد أحمد أويحيى، رئيس الحكومة، أن الشعب أو المواطن الجزائري ليس في حاجة إلى درس من أي أحد عداه، لأنه هو معلمه الأول والأخير، ولا يجوز للآخرين التدخل في هذا الشأن.. وقس على هذه التصريحات والتصرفات الرعناء بقية الأحزاب القابعة في البرلمان والأكلة من موائد النظام من حمس إلى حزب العمال والإصلاح والنهضة والجبهة الوطنية وبقية الجبهات.
-
تصرفات ومواقف حمقاء وفي قمة الاستخفاف والتهكم بالمواطن واللعب بمشاعره بعد اللعب بمصالحه، تؤكد للذي مازال لديه شك أن هذه الأحزاب وصلت إلى ما وصلت إليه في البرلمان والسلطة وخزينة المال العام بواسطة الانتخابات المزورة والنتائج المرتبة واقتسام الأصوات والمقاعد في شكل كوطات وأقساط بالتراضي بينها وبين السلطة، وليس عن طريق الانتخابات الشفافة والنزيهة والشرعية التي لا تقبل بها السلطة غير الشرعية التي تنظمها.
-
والواقع أنه لو لم يكن الوضع مزريا ومأساويا إلى هذا الحد، لما انتظرت هذه الأشكال من الأحزاب الجزائرية حتى يقع ما وقع في تونس الشقيقة لتصرح بما تصرح وتتصرف بما يتصرف وترتكب ما ترتكب من حماقات، ولو لم تكن هذه الأحزاب نسخة طبق الأصل لحزب التجمع الدستوري في تونس وهو نسخة منها، ولو لم يكن الوضع السياسي اليوم في الجزائر بالنسبة للأحزاب والسلطة على السواء أشبه بوضع تونس قبل الانتفاضة، لما برزت هذه التصرفات والمواقف التي تشجع على المزيد من الاحتقان والتعفن.
-
فهل من عاقل في هذه الأحزاب وهذه السلطة لتدارك هذا الوضع قبل فوات الأوان، وإدراك أن القضية ليست قضية دروس لاستدراك الأخطاء التي هي أكبر من أن تستدرك بتنصيب خلايا الاستماع أو الاعتراف بالشعور بالذنب تجاه ما تم ارتكابه من جرائم منذ20 سنة، في حق الشعب والبلاد، أو القول بأن الشعب والمواطن ليس في حاجة إلى الدروس والنصائح من أحد، وأنها ليست قضية استيراد ملايين الأطنان من القمح ومحاولات اللعب على الأسعار بالنقصان والزيادة، أي أنها، مثل ما هو الشأن في تونس، ليست قضية خبر بدرجة أساسية بقدر ما هي قضية تغيير سياسي عميق، أصبح مفروضا على الجميع سلطة وأحزابا، ويجب أن يتم بشكل من الأشكال، وخيار الشكل والطريقة اليوم في يد السلطة والأحزاب، ولكنها قد تفقد هذه الأفضلية إن أجلت عمل اليوم إلى الغد.