-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأخلاّء‮ ‬في‮ ‬فلسطين‮ ‬الجريحة

الأخلاّء‮ ‬في‮ ‬فلسطين‮ ‬الجريحة

يا‮ ‬إخوتنا‮ ‬في‮ ‬غزة،‮ ‬ورام‮ ‬الله،‮ ‬وأريحه،‮ ‬وفي‮ ‬كل‮ ‬شبر‮ ‬من‮ ‬أرضنا‮ ‬الفلسطينية‮ ‬الجريحة،‮ ‬نحييكم،‮ ‬على‭ ‬بعد‮ ‬الدار،‮ ‬واستحالة‮ ‬المزار‮.‬إننا‮ ‬نبعث‮ ‬إليكم‮ ‬بتحية‮ ‬مكلومة‮ ‬غريبة،‮ ‬يجللها‮ ‬الحزن‮ ‬والسواد،‮ ‬وبزفرة‮ ‬مكبوتة‮ ‬كئيبة،‮ ‬يبللها‮ ‬عرق‮ ‬الجبين،‮ ‬ودمع‮ ‬الفؤاد‮.‬

نعزيكم ـ يا أشقاءنا ـ وقد أظلم يومكم بعد أفول فجر المقاومة، ونُكّست أعلام قضيتكم العادلة، بعد أن أسقطتموها في دنيا المقايضة والمساومة. إننا نرثي لكم بعد أن أزلتم من عقولكم فكرة الاستشهاد، وذهنية حمل البندقية، وأسقطتم من أيديكم غصن الزيتون، وقنبلة الفدائي وحجارة‮ ‬الطفل‮ ‬الفلسطينية‮.‬
ماذا بقي لكم ـ وقد نجحت إسرائيل، بكم، في تمزيق صفكم، وتقسيم بلدكم، وإقامة أسوار بينكم، ففصلت غزة عن الضفة، وعزلت الكل، عن الرفيق والصديق والشقيق، وها أنتم في سجنكم الكبير، تعيشون وسط الأقبية والزنزانات، لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا كهرباء؟
لقد‮ ‬هنتم‮ ‬على‭ ‬أنفسكم،‮ ‬فهنتم‮ ‬على‭ ‬أعدائكم،‮ ‬يوم‮ ‬ضيعتم‮ ‬حقكم،‮ ‬فلم‮ ‬تثأروا‮ ‬للدم‮ ‬الفلسطيني‮ ‬الأحمر‮ ‬المدرار،‮ ‬فانتصر‮ ‬على‮ ‬إرادتكم‮ ‬الذهب‮ ‬الصهيوني‮ ‬الأصفر‮ ‬المدعم‮ ‬بالدولار‮.‬
إنه لغريب أمركم، يا من أؤتمنتم على مقدساتنا وأعراض حرماتنا، فشغلتم بالمصالح عن المطامح، وبالحزبية عن التضحية، فضاع أمام أعينكم حقكم بالظلم والإغراء والحيف، وقبلتم بإجهاض مقاومة الاستشهاد والحجارة والسيف. لقد قاتلكم العدو بالصف الواحد القوي، على تباين أعرافه‮ ‬واختلاف‮ ‬أطيافه‮ ‬وقابلتموه‮ ‬بالفصائل‮ ‬المتناحرة‮ ‬والكتائب‮ ‬المتفاخرة‮ ‬والأحزاب‮ ‬المتنافرة‮ ‬على‭ ‬ما‮ ‬بينكم‮ ‬من‮ ‬وحدة‮ ‬وأصول‮ ‬صنعتها‮ ‬العروبة‮ ‬الكريمة‮ ‬والعقيدة‮ ‬السليمة‮ ‬وتحديات‮ ‬الظلم‮ ‬الأليمة‮.‬
لا تسألوني ما الذي وحّد الصهيونية في فلسطين، وهي أشباح وشيع وأحزاب وأعراف وأطياف، متناقضة الأطراف، باهتة الأوصاف عديمة الائتلاف؟ وما الذي فرق في فلسطين الجريحة، بين أبنائها الأصليين وهم ذوو الحق العريق وسلالة العروبة الجديرة بالتصديق ونسل المسلمين من عهد محمد‮ ‬وأبي‮ ‬بكر‮ ‬الصديق‮ ‬ولكنهم‮ ‬ضحايا‮ ‬الظلم،‮ ‬والجور‮ ‬والتلفيق؟
لذلك، ضاعت منهم ـ بالأمس البعيد ـ عكا، وتل أبيب وعسقلان وبالأمس القريب القدس وأريحا والجولان، وتوشك أن تضيع اليوم غزة ونابلس وباقي الشطآن وما ذلك إلا بسبب فتنة الكراسي والتواطؤ وخيانة ما أصبح يعرف بمؤامرات “شارون” و”نتنياهو” و”دحلان”، فيا لخسة الهوان ويا لهشاشة‮ ‬البنيان‮!‬
وطن‮ ‬يباع‮ ‬ويُشترى
  وتصيح‮: ‬فليحيا‮ ‬الوطن‮!‬
لو‮ ‬كنت‮ ‬تبغي‮ ‬حقه
لبذلت‮ ‬من‮ ‬دمك‮ ‬الثمن
ولقمت‮ ‬تندب‮ ‬حقه
لو‮ ‬كنت‮ ‬من‮ ‬أهل‮ ‬الفطن
حيرنا‮ ‬ـ‮ ‬والله‮ ‬ـ‮ ‬هذا‮ ‬الأمر‮ ‬الفلسطيني،‮ ‬الذي‮ ‬انكشف‮ ‬سره‮ ‬وافتضح‮ ‬شره‮ ‬وأذيق‮ ‬مره‮ ‬وتفشى‮ ‬ضره‮ ‬وأصبح‮ ‬يطل‮ ‬على‭ ‬العالم‮ ‬برأسين‮ ‬ويتحدث‮ ‬بلسانين‮ ‬ويتمظهر‮ ‬بسلطتين‮.‬
وما أجدى كل هذا في فك الحصار والتخفيف من الأضرار والتمييز بين المزيفين والأحرار، فعملية الاغتيال الجماعي متواصلة وسط الظلام الدامس، بتواطؤ من الشقيق الجاهل وبتغاض من الرفيق الذاهل وبلا مبالاة الصديق المتساهل، وقد جمع بين الكل شمل مغرّب ومشرّق وهوى موزع ومفرق‮.‬
فأين‮ ‬الضمير‮ ‬العربي‮ ‬من‮ ‬غزة‮ ‬وهي‮ ‬تحتضر؟‮ ‬وأين‮ ‬التضامن‮ ‬الإسلامي‮ ‬من‮ ‬الإنسان‮ ‬الفلسطيني‮ ‬المنكسر؟‮ ‬وماذا‮ ‬دهى‮ “‬حق‮ ‬الإنسان‮” ‬الدولي‮ ‬أمام‮ ‬الوضع‮ ‬الصهيوني‮ ‬الكارثي،‮ ‬الظاهر‮ ‬منه‮ ‬والمستتر؟
لقد وعى العدو الصهيوني حقيقة أمره وحقيقتكم فقاتلكم جميعا، وفي كل قراكم ومدنكم لا فرق ـ عنده ـ بين فتح وحماس، لأنكم في نظره عدو واحد وإن اختلفت مسمياتكم وتلونت شعاراتكم ولكنكم جهلتم طبيعته وطبيعتكم، فجابهتموه بأحزاب مختلفة، وبسلطات متعدّدة وكنتم أشداء على بعضكم رحماء على عدوكم، نحسبكم جميعا وقلوبكم شتى، يلعن بعضكم بعضا ويكفر بعضهم ببعض، تعتقلون المناضلين المخالفين لكم في سجونكم وتطالبون العدو بإطلاق المعتقلين في سجونه، لقد فعلتم بأنفسكم ما لم يفعله العدو بكم، فما أشأمكم على القضية وما أتعسكم في هذه المحنة الذاتية‮!!‬
بأي‮ ‬خطاب‮ ‬تقتنعون؟‮ ‬وبأي‮ ‬منطق‮ ‬تتعللون؟‮ ‬لم‮ ‬تجد‮ ‬فيكم‮ ‬قيم‮ ‬العروبة‮ ‬ونبلها،‮ ‬وهي‮ ‬كلها‮ ‬أنفة‮ ‬وشهامة‮ ‬ومحبة‮ ‬وكرامة،‮ ‬فدستم‮ ‬على‭ ‬معانيها‮ ‬ولوثتم‮ ‬أمانيها‮ ‬ومغانيها‮.‬
ولم تتعظوا بالإسلام، وهو المعلم الأول للتضحية والفداء الجامع لحصون الأرض وقوانين السماء “يا ضيعة الآداب الإسلامية بينكم، إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وقد لدغتم من الجحر الصهيوني الأمريكي مرات فلم تحتاطوا، ولم تعتبروا وخدعتم منه كرات فلم تتعظوا ولم تتبصروا. خدع خلفكم كما خدع سلفكم واستهوى أمراءكم وكبراءكم وزعماءكم ودعاكم إلى موائده الفقار فلبيتم، وما رأى منكم في كل الحالات إلا المجاملة واستمرار المعاملة وما آنس منكم إلا التهافت على أعتابه والتعلق بأسبابه” (آثار البشير الإبراهيمي بتصرف ـ جـ3، ص 450).
لقد‮ ‬تحطمت‮ ‬في‮ ‬أرضكم‮ ‬السهول‮ ‬والربى،‮ ‬وبلغ‮ ‬السيل‮ ‬الزبى،‮ ‬ولازلتم‮ ‬تتعلقون‮ ‬بالسراب‮ ‬وتنتظرن‮ ‬حل‮ ‬قضيتكم‮ ‬من‮ ‬الأغراب‮ ‬والأعراب‮..‬
أفيقوا ـ يا إخوتنا ـ مما أنتم فيه! اجمعوا أمركم، ووحدوا صفكم، فإن مفتاح حل القضية بأيديكم. فإن لم تفعلوا، فستُبتلعون قطعة قطعة وستُغتالون أفرادا وجماعات ويومها يكون تنفيذ حكم إعدام القضية بأيديكم.. ولا أحيانا الله لهذا اليوم المشؤوم.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!