الأستاذات الشابات ضحايا أم جانيات؟!
من أغرب الطرائف والمضحكات المبكيات في زمننا؛ تلك التي باتت تحدث بين أسوار أقسامنا التعليمية، وامتدت إلى خارجها، بعضها لتلاميذ مراهقين وصلت بهم الوقاحة حد التغزل بأستاذاتهن الشابات واستفزازهن وملاحقتهن خارج المؤسسات، وأخرى تشبه إلى حد ما قصة المعلمة الأمريكية ماري كاي لوتورنو مع تلميذها فيلي فولو!
“الشيخة ما تعطيناش النيميرو تاعك ؟ “
بهذه العبارة الجريئة توجه أحد التلاميذ إلى أستاذته في اللغة الفرنسية م.هدى 26 سنة، تروي لجواهر الشروق عن معاناتها معه تقول : ” لا يكف عن إحداث الشغب في حصتي، كما أنه لا يفوّت فرصة التعليق عن لباسي وحذائي ومشيتي وكلامي، بطريقة لا تختلف عن تغزله بفتاة في مثل سنه، والأكثر جرأة وخطورة أنه أصبح يلاحقني ويتبعني عندما أخرج من الثانوية “. وتضيف هدى المزاولة لمهنتها بإحدى ثانويات قسنطينة : ” حاولت معه هو وزملاءه بكل الطرق ولم أفلح في ترويضهم وجعلهم يحترمونني، كما أن رفع الشكاوي والطرد وكتابة التقارير لم تعد تجدي نفعا؛ بسبب تساهل بعض المديرين ورضوخهم أمام استعطافات الأولياء خاصة إن كانوا من معارفهم ”
مواء قطة وفيديو إباحي يستفز به أستاذته داخل القسم
ما حدث مع بن جعفر حنان وهي أستاذة لغة عربية بإكمالية زيتوني محمد بولاية ميلة؛ لا يقل سوءا عمّ حصل مع هدى، فهي الأخرى قاست كثيرا مع أحد تلاميذها، وحسب ما ترويه أنه كان يستفزها بتشغيل مواء قطة داخل القسم، وعندما نزعت منه الجوّال رفض كتابة الدرس مع زملائه، و كان يضع قدما على أخرى وينظر إليها ويبتسم بطريقة استفزازية، ما جعلها تغضب منه وتطرده من حصتها، وتأخذ جواله إلى المدير الذي أعاده له، وتواصلت معها فصول التراجيديا خارج الإكمالية، أين وجدته مع أحد رفقته متربصا بها ثم قام بالتقاط صورة لها، ليصدمها في اليوم الموالي بتشغيل مقطع من فيديو إباحي داخل الحصة وأثناء الدرس !
هو يهديها الشكولاتة والورود وهي بالنقاط عليه تجود
“عندما نجد أستاذة تفضل أحد تلاميذها عن الآخرين بسبب اجتهاده وحسن أخلاقه، أو نجد أستاذا يحب تلميذته لذات الأسباب، لا يمكننا الإعتراض أو تأويل الأمر، لكن عندما نجد أستاذة تحب تلميذا لا تتوفر فيه هذه الشروط وتفضله عن الآخرين، وتمنحه علامات لا يستحقها من حقنا الإعتراض ” هذا الكلام تقوله رقية ذات 16 ربيعا، وتوافقها فيه زميلتها مروى في استنكار مبرر لطريقة تعامل أستاذة مادة الاجتماعيات مع أحد زملائهم، فحسب شهادة التلميذتين أنه فضلا عن محدودية نشاطه وكثرة شغبه داخل الحصة، هو كثير الغيابات مع ذلك يحظى بمكانة خاصة لديها، ويفاجئ الجميع بتحصله على علامات عالية في التقويمات والفروض، وتقول مروى أن أستاذتهم لا تتحفظ عن مجاملته وتبادل الضحكات والمزاح معه أمامهم، كما أنه لا يقصر هو الآخر في ملاطفتها وإهدائها الشكولا والحلوى والورود حيث قام بذلك عدة مرات، وتضيف رقية أنه من المفروض أن تتجنب أستاذة شابة، هذه التصرفات أمامهم لأن تلاميذها لن يجدوا لها تفسيرا آخر غير ما يدور في فلك عقولهم .
فيمن يكمن المشكل؟ في الأستاذات أم في التلاميذ؟
في الوقت الذي تتصاعد فيه اَحتجاجات الأساتذة، وشكاويهم مما يتعرضون له من قلة اِحترام وتطاول حد التغزل و الضرب والشتم من طرف تلاميذهم، خاصة الشابات منهم، يبدي الأولياء تعاطفهم مع أبنائهم، وينفون عنهم كل التهم محمّلين الأساتذة المسؤولية بالتشكيك في مستوياتهم و خبرتهم و أخلاقهم .
ولمعرفة الأسباب الموضوعية للظاهرة لجأنا إلى المشرفة والمؤطرة التربوية دكاكرة بليلي ليلى فكان هذا رأيها:
تقول المشرفة: “لا يمكن بأية حال من الأحوال توجيه أصبع الإتهام للأستاذة الشابة وحدها، ورهن ذلك بقلة خبرتها، صحيح أن قوة شخصيتها وانضباطها واحترامها في هندامها وحركاتها، وذكاءها في التعامل مع تلاميذها، كلها عوامل تؤمن لها احترام الأغلبية، لكن لا يجب تجاهل الأسباب الحقيقية للقطيعة بين الأستاذ وتلاميذ الجيل الحالي، والتي تحوّلت في أغلب الحالات إلى مشاحنات تصفّى حساباتها خارج المدارس، فقد أصبحنا نرى تلاميذا لا ينجح معهم أي أسلوب، ولا يخافون حتى من أوليائهم، فكيف يخافون من أساتذتهم ؟ فالتلميذ قبل أن يكون تلميذ معلمه هو تلميذ والديه، وتردف :
“الكثير من تلاميذ الجيل الحالي؛ يحملون في ذهنياتهم أفكارا تقلل من أهمية العلم والمعلم، كما أن الخيارات أصبحت متعددة ومتاحة، مثل المدارس الخاصة والأقسام الموازية، التعليم عن بعد، بالإضافة إلى الحصانة القانونية الممنوحة لهم . لذلك تجدهم لا يخافون على مصيرهم، ويرفضون أي توجيه أو كلام أو حتى إيماءة تخالف أهواءهم”
وتواصل المؤطرة التربوية حديثها بمقارنة بين زمنهاعندما كانت متمدرسة وبين عهدنا اليوم تقول : ” كان العلم مقدسا لذاته ولم نكن نربطه بالمنصب المستقبلي وما يؤمنه لنا من رفاهية في حياتنا، وإن كان هناك من يربطه بالمادة في جيلنا فطموحه مشروع، لأن المتعلم فعلا كان يحظى بمكانته في المجتمع ولم تكن لنا جرأة التطاول عليه مهما كان شكله أو مستواه، أما اليوم فمعظم التلاميذ سقطت عندهم قيمة العلم بسبب سقوط مكانته في مجتمعهم، فهم يرون أن الحياة أصبحت محض مادية لذلك نستطيع القول أننا أمام دورة تخلف حقيقية لأن العلم هو عماد التقدم، وتراجع احترام هؤلاء الأطفال والمراهقين للموظفين في القطاع التعليمي بشكل عام، هو نتيجة حتمية لتراجع قيمة العلم فهم لا يرون الأستاذ ومهنته بالقداسة التي كنا نراها، ولعل خير دليل على كلامي هو التصرف الذي قام به مجموعة من المراهقين مع تمثال العلامة و الإمام عبد الحميد بن باديس، فذلك التصرف التلقائي الطائش؛ هو المثال الحي عن حجم الهوة بين أبنائنا وعلمائهم ومعلميهم ومثقفيهم، لأنه لا يحمل في طياته تفسيرا أخلاقيا فحسب، إنما أيضا حقيقة مؤسفة عن تضاؤل القيم المعنوية بصفة عامة والعلم بصفة خاصة لدى أجيال اليوم أمام اكتساح النظرة المادية للحياة “.