-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأستاذ الدكتور المرحوم محمد خزار كما عرفتُه

الأستاذ الدكتور المرحوم محمد خزار كما عرفتُه
ح.م
الأستاذ الدكتور المرحوم محمد خزار

وُلد الأستاذ الدكتور المربي الكبير والمفكر الاقتصادي والإداري الكفيء محمد خزار يوم 31/12/1945م بقرية وادي الشعبة في عشيرة أولاد شليح التي تقع شمال غرب مدينة باتنة بعشرة 10كلم، وتعلّم في كتّاب القرية فحفظ أجزاء من القرآن الكريم وأخذ مبادئ اللغة العربية والدينية، ثم التحق بعدها للدراسة في مدرسة النشء الجديد سنة 1958م.

في بداية الاستقلال التحق بمعهد عبد الحميد بن باديس وثانوية عباس لغرور، ثم أُرسل في بعثة علمية إلى المملكة الأردنية الشقيقة فتابع تعليمه في مدينة الزرقا، وكان في رحلة سياحية إلى مدينة القدس خلال شهر جوان 1967م ونشبت الحرب العربية الإسرائيلية يوم 05/06/1967م واحتلت إسرائيل القدس والضفة الغربية وأسِر الدكتور محمد خزار مدة شهر، ثم أُطلق سراحه، وحصل على شهادة البكالوريا سنة 1968م من ثانوية مدينة الزرقا الأردنية، وانتقل بعدها إلى سورية وتابع دراسته الجامعية في جامعة حلب سنوات 1968-1972م، وعاد إلى الجزائر فأدى واجب الخدمة الوطنية سنتي 1973-1975م.

وفي السنة الموالية التحق الدكتور محمد خزار بمعهد العلوم الاقتصادية بجامعة قسنطينة سنة 1976م للتدريس فيه، ثم صار رئيسا لدائرة القسم العربي، كما أشرف على تخرُّج الدفعة الأولى من طلبة الدراسات العليا بمعهد الاقتصاد سنتي 1980-1981م، ثم عُيِّن نائب مدير مكلفا بالبيداغوجيا، ثم مديرا لمعهد الاقتصاد خلال عهدتين كاملتين، وناقش رسالة الماجستير سنة 1984م.

إدارته لمعهد العلوم الإسلامية بباتنة

بعد استشهاد الشيخ الدكتور الطاهر حليس، مدير المعهد الوطني للتعليم العالي للعلوم الإسلامية بجامعة باتنة، يوم الجمعة 21/10/1994م، عُيِّن الدكتور محمد خزار مديرا للمعهد بتاريخ 15/01/1995م، وحضرتُ حفل تعيينه ومأدبة الطعام التي أقامها الحاج لخضر في منزله بمناسبة هذا التعيين، وكنت يومها أجلس بين يدي الحاج رحمه في بيته المتواضع.. وطلب منا أن نعينه في إدارة المعهد، وقال الحاج لخضر رحمه الله يومها لنا: ((هذا ابن أخي الشهيد، وقد أوصاني به، وهو رضع حليب الوطنية والنضال واليتم منذ طفولته.. فكونوا معه..)) فكنا له خير بطانة.

وقد كان – رحمه الله – يقرّبني منه ويستشيرني في الكثير من الأمور ويطلب مني أن أكتب له بعض الخطب والكلمات صحبة الأستاذ الدكتور (حسن رمضان فحلة)، وكان يقدّمني في كثير من الأمور كتنشيط حفلات اختتام السنة الجامعية، وقراءة بعض المراسلات القادمة من الرئاسة، ومقرّرا للجنة صياغة تقرير الشرائح الشعبية للولاية التاريخية الأولى أوراس النمامشة سنة 1996م لإعداد الدستور الجديد سنة 1997م.

كما اختير رئيسا للُّجنة الدينية لمسجد أول نوفمبر سنة 1998م بعد وفاة الحاج لخضر، التي رعاها حق رعايتها بالرغم من كثرة مهامه، وبمدرستها القرآنية التي كانت تضم أكثر من 1500 تلميذ، ثم صار مديرا لجامعة باتنة سنة 2000م إلى تاريخ وفاته يرحمه الله في 16/03/2007م، وله الكثير من الأفضال على المشروعين.

إدارته للجامعة:

ولما تولّى إدارة الجامعة سنة 2000م عمل على ترقيتها وتطويرها، مستخدِما في ذلك نفوذه وقربه وصداقته من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور (رشيد حراوبية) الذي كان يستشيره في كل شاردة وواردة، وفتح فيها الأقسام والكليات، ورقَّاها ورفع من ميزانيتها، وفتح باب التوظيف فيها، وفتح دفعات الماجستير والدكتوراه لكل الطلبة الجزائريين، وجعل الجامعة محطة لزيارة الوفود الأجنبية، وزارها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ثلاث مرات خلال إدارته، وأثنى عليه في المرات الثلاث تلك، وأدارها أحسن إدارة، إذ كان يعمل طيلة النهار والليل، وقد أنهك جسده الهزيل بكثرة الأشغال.

ويشهد الطاقم الإداري الذي عمل معه لسنوات على أخلاقه وخصاله الحميدة جدا، فقد كانت إدارته لها تتسم بالرزانة والوقار والحكمة والجذرية والصدق والفاعلية، ومعالجة الأمور والملفات من جذورها، وكم كان يكره الحلول الترقيعية، والوساطات التي تطأ القانون، ويقول: مرحبا بالوساطة والتدخل الذي يؤيده القانون، لأن الكثيرين يومها يعوقون ويؤخرون الملفات للحسد وللأطماع الشخصية، وكانت تدخلاته تفيد المضطهدين.

وأذكر يوما أن أجور الأساتذة والعمّال تأخّرت في شهر سبتمبر على غير عادتها، وجاءه أحد الأساتذة الذين كنت أحسبهم من المحترمين، فسبَّه وشتمه وأساء معه الأدب وخرج عن حدود اللياقة والأخلاق، وأنا واقفٌ بينهما مشدوها، وهو –يرحمه الله- صامتٌ مبتسم، حتى فرغ ذلك الأستاذ، وقال له: إن شاء الله غدا يصلكم الأجر، دون أدنى غضب أو انفعال أو هيجان.

ولما استفسرته عن سرِّ صمته ورويته وهدوئه أخبرني السر وقال لي رحمه الله: ((إن مدير الوظيف العمومي والمراقب المالي كانا يأخذان ساعات إضافية كأنهما يعملان ويتقاضيان الأجر من دون جهد، مقابل تيسير وتمرير الأجور بسرعة، ولكنني أوقفتهما عند حدِّهما ومنعت عنهما المال الحرام فسبَّبا لي هذه الأزمة، ولذا فقد تدبّرت الأمر مع الوزير بشأنهما.. والتفت إلي قائلا: أتذكُر يوم عرضت عليك منصب نائبي الذي كان يشغله شخص صار وزيرا للتعليم العالي فترة الحراك الشعبي؟ فسألته: هل في الإدارة كذب؟ فقال لي: نعم فيها الكذب والفساد من أجل الصلاح والإصلاح..)).

وأذكر أنه طيلة حياته وإدارته للكلية وللجامعة كنا نعمل تحت إدارته بأمان وطمأنينة وسكينة وحيوية ونشاط وصدق وإخلاص، ولا نخشى على أنفسنا حتى لو أخطأنا أو زللنا ببعض الكلام، ولاسيما أن الأوضاع الأمنية للجزائر كانت حساسة جدا، ولا نشعر بأي خوف أو تآمر، لأنه كان محبًّا ومحترِما للكفاءات.

وكان له الدورُ الكبير في إنجاز جامعة الحاج لخضر، التي تسمى اليوم جامعة باتنة 1، ووضع الحجر الأساس للقطب الجامعي بفسديس، فضلا عن السكنات الخاصة بالأساتذة، والمطاعم والنوادي والأحياء الجامعية للطلبة.

وأذكر أنه جاءني إلى القسم في القاعة رقم عشرة على الساعة الرابعة مساء وطرق باب الحجرة عليّ وسلمني وثيقة احتجتُ إليها في جامعة تبسة بسبب تدريس الساعات الإضافية، واستعظمت منه الموقف، فما كان منه إلاّ أن قال لي: ((يا أستاذ أحمد الإداريُّ خادمٌ للأستاذ والطالب وأنا أؤدي عملي فقط، وأنت تعلم أن مسألة انتهاء الأجل سمة معروفة في إدارتنا وخشيت إن تأخرت للأسبوع القادم أن يُقال لك انتهى الأجل فتخسر التعويضات))، فمن يفعلها اليوم من رؤساء الجامعات.. فبعده لم نر رؤساء الجامعات سوى في استدعاءات التهديد والوعيد والإنذار والتخويف والإغارة.. قطعهم الله وأبارهم من الوجود..

خصاله وأخلاقه:

صحبتُ الدكتور محمد خزار رئيسا لي في العمل منذ تعيينه سنة 1995م إلى تاريخ وفاته في 2007م، وكنت كثير الاحتكاك به لما كان مديرا للمعهد الإسلامي، فو الله ما وجدت منه إلاّ كل خُلق نبيل، فهو رجل شهم، يحب الفقراء ويعطف عليهم، ليس بالفظ ولا بالغليظ، دبلوماسيٌّ في معاملاته، وصاحب ظرف ونكتة مؤدَّبة ولاسيما عندما كان يوجهني، وذات مرة رغب أن أكون أنا والأستاذ المرحوم (واعلي بكير ت 1996م) نائبين له في المعهد، وقال لي: أنا أريد أن أجعلك أنت والأستاذ بكير نائبين لي في المعهد، فهل أنت موافق؟ فاعتذرت له بأني لم أُخلق للعمل الإداري، فقال لي: ونحن سنجعلك تصلح له، فقلت له: إن العمل الإداري محفوفٌ بالمخاطر، فقال لي: مثلا؟ فقلت له: الكذب، فظل يضحك ويضحك، وأنا أشاهده متخوّفا ومتعجّبا، فقال لي: كم أنت طيّبٌ وبريء، وأنت لا تصلح للعمل الإداري.

وعندما كان يرأس المجلس العلمي كنا كلنا نتكلم ونخطئ، بينما كان هو قليل الكلام، وإذا تكلم آخرنا قال عين الصواب، ولم نلحظ عنه مرة أنه أخطأ في القرار الإداري الصائب للمعهد.

وكثيرا ما كان يدعوني أنا والأستاذ (حسن رمضان فحلة) لاختيار الكتب للمكتبة، كما يدعونا إلى بيته لتناول طعام الإفطار معه في شهر رمضان، ويسأل عن أحوالنا وظروفنا، وفي ظل الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر عمل على حمايتنا إداريا وأمنيا، ووفر للأساتذة سكنا جماعيا مجانيا مفروشا، وكان مثالا في التواضع.كما كان يكره التمييز العنصري والدعوات القبلية والعشائرية والجهوية، لأنه سافر وارتحل وعاش وعمل في بيئات مختلفة، وكان يُعدّ نفسه شخصية وطنية لا محلية ضيقة، وكنا كذلك نراه بالفعل في أعيننا.

كان يدير الجامعة ويسيرها بالهدوء والرزانة والحكمة، وكان يبني ويرفع، ولم يكن يتخذ الأعداء مطلقا، حتى الذين يسيئون إليه يرد عليهم بقول الشاعر (المقنع الكندي):

كانت إدارته لها تتسم بالرزانة والوقار والحكمة والجذرية والصدق والفاعلية، ومعالجة الأمور والملفات من جذورها، وكم كان يكره الحلول الترقيعية، والوساطات التي تطأ القانون، ويقول: مرحبا بالوساطة والتدخل الذي يؤيده القانون، لأن الكثيرين يومها يعوقون ويؤخرون الملفات للحسد وللأطماع الشخصية، وكانت تدخلاته تفيد المضطهدين.

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هم هَووا غييّ هويت لهم رشدا

وكان يعاملنا كإخوته الصغار، فيعطف ويشفق علينا، وكنا ننظر إليه نظرة الأخ الكبير الذي خلف والده المتوفي لتربية الإخوة الصغار، كنا نحبه ولا نخافه، ونحترمه ولا نخشاه، ونوقره من قلوبنا وأعماقنا، ونقول الكلام الطيب في غيبته أكثر من حضوره، لأنه ما كان يحب المدح والثناء أبدا، وكان يكره المتزلفين ويحب العاملين، ولم تحدث بيني وبينه مشكلة أصلا، وكنت أشكو نائبه على عمادة الكلية أمامه فيضحك، ويقول له: أنا أصدِّق أحمد.

مرضُه ووفاته:

وبعد رحلة كفاح ونضال وإخلاص وعمل طويلة وشاقة نهش المرضُ الخبيث جسد الأستاذ الدكتور محمد خزار طيلة عامين خليا وفاته، وظل يعالج في أرقى مستشفيات الجزائر إلى أن أقعده المرض في أخريات أيامه فلزم الفراش مدة شهرين، وقد رأيتُه يزور المعهد الإسلامي قبل شهرين من وفاته صحبة سائقه، وقد سقط شعرُ رأسه، فلما رآني فتح النافذة كعادته وناداني لكي يمزح معي، فسلَّمت عليه كعادتي لأنني كنت أعدُّه بمثابة أخي الكبير، وحيّاني فبكيت قبل رحيله، وأيقنت يومها أنه راحلٌ في غضون أيام، وودّعته باتنة كلها، بل الجزائر كلها في موكب جنائزي مهيب حضره تلامذته وزملاؤه وإخوانه وأصدقاؤه وأربعة وزراء يتقدّمهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور (رشيد حراوبية)، وبعد كلمات التأبين والتعزية التي فاقت العشر كلمات، دُفن عند مدخل مقبرة (بوزوران) يوم 16/03/2007م، وقبره بادٍ للعيان بمجرد دخوله المقبرة. وقد عزى السيد رئيس الجمهورية آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، أسرة الفقيد المرحوم.

كان يكره التمييز العنصري والدعوات القبلية والعشائرية والجهوية، لأنه سافر وارتحل وعاش وعمل في بيئات مختلفة، وكان يُعدّ نفسه شخصية وطنية لا محلية ضيقة، وكنا كذلك نراه بالفعل في أعيننا. كان يدير الجامعة ويسيرها بالهدوء والرزانة والحكمة، وكان يبني ويرفع، ولم يكن يتخذ الأعداء مطلقا، حتى من الذين يسيئون إليه.

شهادات العاملين معه:

يشهد الطاقم الإداري والعلمي الذي عمل مع الأستاذ محمد خزار له بالكثير من الخصال التي ذكرتُها سابقا، ولعلّنا نأخذ شهادة الأستاذ الدكتور سعيد فكرة حفظه الله الذي عمل كثيرا كنموذج مهم جدا، فقد شهد بأنه كان نِعم الإداريِّ والمسيِّر والمدير والأخ المتزنِ ذي الشخصية المتزنة الودودة المحبة للعمل والتضحية العطوفة على الفقراء والمتعاونة مع الجميع.. وشهادة الأستاذ الدكتور (منصور كافي) الأستاذ بكلية العلوم الإسلامية والذي عمل معه أستاذا وإداريا ناجحا بقوله: ((..للمرحوم شخصية متميزة.. فهو إنسانٌ طيِّب إلى أبعد الحدود، يحب العمل الجماعي، ولا يعرف شيئا اسمه الارتجال في التسيير، وكان يتقاسم أمور الجامعة مع فريق عمله ويشركهم في اتخاذ القرارات، ولاسيما القرارات الكبرى والمصيرية.. لا أذكر طيلة مدة عملي معه أنه أساء لأحد.. وكان أكثر شيء يلفت الانتباه إليه سعة باله وصدره وحكمته وحنكته في تسيير الأمور بكل هدوء ورزانة، وهذه من صفات المسيِّر الناجح..)).

وقد ترك ثلاثة من البنين، ولدين هما (آدم ورمزي) وبنتا واحدة هي أستاذة بجامعة باتنة. ومهما كتبنا عنه فلن نوفيه حقه، لأن الذين جاؤوا من بعده لم يبلغوا معشار قيمته ويكفي أنه ابن شهيد ومن أسرة كلها شهداء.. فليرحمه الله في الخالدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!