-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الأفافاس” على الطريق الوطني الصحيح

“الأفافاس” على الطريق الوطني الصحيح

إنّ قرار جبهة القوى الاشتراكية دخول الانتخابات المحلية المقلبة، ودون الخوض في حساباته الحزبية التقليدية وسوابقه الشبيهة، هو موقفٌ أخلاقي وحكيم على مستوى الرؤية الوطنية الاستراتيجية، في سياق الوضع العامّ الذي تعيش على وقعه البلاد خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بعد حادثة مقتل المغدور به، جمال بن إسماعيل، وقبلها إعلان السلطات العليا رسميّا تصنيف “الماك” منظمة إرهابية، والضرب بيد من حديد وملاحقة عناصرها في كل مكان.

لسنا هنا بصدد إعطاء دروس في الوطنيّة ولا السياسة لحزب عريق، نشأ على يد الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، وظلّ وفيّا لفكره الوطني، مهما اختلف الناسُ معه في التفصيلات والمواقف المرحليّة، لكن عدوله عن المقاطعة بمناسبة الاستحقاق المحلّي يمثل مفاصلة ذكيّة مع مساعي الحركة الانفصالية الرامية إلى الانفراد بالمنطقة، تحت عنوان معارضة السلطة.

لقد أدركت قيادة “الأفافاس” أن الاستمرار في المقاطعة، في ضوء التطورات الأخيرة، يشكل هذه المرّة حالة من التماهي غير مقبولة، وإن تكن غير مقصودة، مع إرادة “الماك” في تكريس عزلة منطقة القبائل، وهو أمرٌ يحمل مخاطر سياسية فعليّة، خاصة بأبعاده الدوليّة المتربصة بالجزائر، ما يعني أنه يستحيل على حزب “الدا الحسين”، الذي وُلد من رحم التطلعات الثورية للشعب الجزائري غداة الاستقلال، أن يضع نفسه في موقع تصادم مع المصلحة الوطنية العليا، ليكون في الاتجاه العاكس، بمواقف غير محسوبة، في خدمة أجندات تريد بالوطن سوءا.

لذلك، لم يخطئ أبدا حسن قاسيمي، خبير المسائل الجيوسياسية، بتأكيده مؤخرا أن “مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المحلية المقبلة ستمنع محاولات عزل منطقة القبائل، باعتبارها جزءا من مخطط تحريضي يرمي إلى المساس بوحدة الجزائر”.

نعتقد أنّ هذه الرسالة، على وجه التحديد، كانت واضحة وصريحة في كلام الأمين الأول للجبهة، يُوسف أوشيش، في تبريره لموقف الحزب من موعد 27 نوفمبر القادم، حين وصف المشاركة بالخيار الاستراتيجي لاعتبارات سياسية وطنية، ذكر على رأسها “مسؤولية تشكيلته تجاه الوطن والوحدة الوطنية التي تفرض الانخراط في الاستحقاق”.

بل أكثر من ذلك، شدّد الرجل، بمنتهى الوضوح، على أنّ “وقوف الأفافاس على خط المعارضة لا يعني معارضة الدولة الوطنية”، كما تعهّد بـ”عدم وقوفه مكتوف الأيدي أمام محاولات المساس بسيادة الجزائر، التي تسعى جهاتٌ إلى تحقيقها”، وهي كلها مؤشراتٌ جليّة لفهم الخلفيات العميقة لمغادرة الجبهة، ولو مؤقتا، لموقعها السابق ضمن تيّار المقاطعة.

للأسف، أنّ بعض العدميّين من المتشائمين الذين لا يعجبهم العجب، وعوض الإشادة بموقف الأفافاس، راحوا يطعنون في قراره ويهمزون في النيات الخفيّة، والتي لا نحسبها، في سياق التحديات المحدقة بالجميع، إلا وطنية صادقة واعية برهانات المرحلة وما تقتضيه من مواقف ومواقع، لأنَّ صوْنَ السيادة صمامُ أمان للدولة والمجتمع ورواد التغيير، وباهتزازها، لا قدّر الله، تتبخّر أحلام الجزائريين في المستقبل، بل يفقدون الأمن فوق أرضهم، وما تجارب الشعوب الشقيقة منَّا ببعيد.

إنّ الموقف الجديد للأفافاس، يتجاوز بكثير قرارا آنيّا بشأن محطة انتخابية، للتعبير عن روح وطنيّة، إذ يأبى عليه الحسُّ السياسي بالمسؤوليّة الحضاريّة التخلّفَ عن مواعيد التاريخ الحاسمة، أو التردّد في اختيار الموقع المناسِب والمتناغم مع رصيده النضالي في التمكين لجزائر على أحلام الشهداء والمجاهدين، وهل كان مؤسسوه إلا زمرة طلائعية من ذاك الرعيل الأول؟

لقد جاء قرار “الأفافاس” بمخالفة الانفصاليّين المتخفّين وراء المقاطعة منسجمًا مع مواقفه من أحداث ساخنة عرفتها المنطقة منذ مطلع العام الجاري، منها الاعتداء على رجال الشرطة شهر أفريل الماضي، وهي المناسبة التي حذّر فيها الحزب من “مناولي المشاريع الرامية إلى تفكيك الدولة وضرب استقرارها”.

وبنبرةٍ قويّة أكَّد يومها الأفافاس أن “الوحدة الوطنية واندماج الشعب الجزائري خط أحمر لا ينبغي لأحد التفكير في تجاوزه، أو في توظيفه لتحقيق المآرب المشبوهة، لأنها سُقيت بالدماء وترعرعت بدموع الجزائريات والجزائريين وإنّه من الوهم المساس بها”.

ما نريد التأكيد عليه من عرض موقف جبهة القوى الاشتراكية، هو أنّ على الجزائريين في كل المناطق والمواقع إسناد الأحزاب والفعاليات والنخب الواعية بالمنطقة، لعزل التطرُّف العرقي والفكر الانفصالي، خاصّة بعد تدشين السلطات لحرب التصفية ضد “الماك”، ما يفتح الباب أمام تحرّر الجميع من الخوف واستشعار هيبة الدولة، لخوض معركة السيادة مع كل المخلصين من أبناء الوطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!