الأفق السياسي للتصوف الحالي في الوطن العربي (2/3)
في القرن العشرين بدأ الكفاح الوطني المحلي ضد المستعمر الأوروبي بقيادة رجال دين وتلاميذ زوايا وأبرز الأمثلة في فلسطين، حيث قاد الشيخ القسام ثم الحاج أمين الحسيني الكفاح الفلسطيني ضد بريطانيا، وفي ليبيا قادت الزاوية السنوسية الكفاح ضد إيطاليا ورفضت الزاوية السنوسية في عسير غربي السعودية الانضمام إلى شريف مكة الحسين بن علي الذي كان يسيره الضابط الإنجليزي لورنس واعتبرت نفسها جزءا من اليمن الذي هندس ونظّر لثورته ضد أسرة حميد الدين 1947 الشيخ الفضيل الورتلاني، وما إن استقلت الجزائر في جويلية 1962 حتى قام أحد رجال ثورة 1947 والمتأثرين بالورتلاني الضابط عبد الله السلال بإنهاء حكم أسرة حميد الدين في سبتمبر 1962.
ما معنى ذلك؟
رأى الأمريكان الذين ورثوا بريطانيا في المشرق العربي أن الحركات الإسلامية لم تنجح في القضاء على العروبة باسم الإسلام، كما أن الحركات التغريبية الأنجلو ساكسونية والفرانكفونية لم تنجح في القضاء على الإسلام باسم العلمانية واللائكية، فقد قتل الملك عبد الله بن الحسين صنيعة بريطانيا في داخل المسجد الأقصى، بل قامت فصائل فلسطينية معظم رجالاتها من أصحاب الفكر العربي الإسلامي، وقتل أنور السادات رئيس مصر أمام جيشه على يد ضباط متدينين.
وهكذا أعيد ترميم الاستراتيجية فلابد لإقامة دولة، أيّ دولة، من عصبة عرقية بغطاء شعبي ديني، وهكذا أسرعت فرنسا عبر رجل مخابراتها الصحفي في جريدة “لوموند” اريك رولو باختراق قيادة الشيعة وأوصلوا الخميني إلى الحكم في إيران للسيطرة على جزء مهم من إقليم النفط نكاية بأمريكا التي ربطت عملتها بالنفط وسيطرت على الاقتصاد العالمي وأزاحت أوروبا إلى الهامش، وعلى الفور قام الأمريكان بتحريض السعودية ضد نظام إيران وابتلع صدام حسين شبه العلماني الطعم، فانقسمت فكرة التوحيد الإسلامية انقساما سياسيا واسعا من جديد صارت دول سنية وأخرى شيعية، وبدأت أمريكا تخترق الحركات الإسلامية عبر الحركات الصوفية.
يقول تقرير نشرته مجلة “يو إس نيوز” الأمريكية عام 2005م بعنوان «قلوب وعقول ودولارات»: “يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكلٍ متزايد أن الحركة الصوفية بفروعها العالمية قد تكون واحدا من أفضل الأسلحة”. ونقلت المجلة الأمريكية المذكورة أن واشنطن قامت بتمويل محطات إذاعة إسلامية وبرامج تلفزيونية ودورات تعليمية للترويج للإسلام المعتدل في أكثر من 24 دولة إسلامية.
وفي عام2001 بدأت مراكز البحوث الاستراتيجية الأمريكية في استثمار الحركات الصوفية ضد السنة، كما استثمرت فرنسا الشيعة ضد السنة، وما هي إلا أدوار ووظائف تتداولها دول المتروبول الاستعماري الغربي.
وفي تسعينيات القرن العشرين، وخلال العشرية الدموية في الجزائر، قامت الأجهزة الأمريكية بالاستحواذ على الكثير من المخطوطات العربية الإسلامية خاصة في الصحراء الإفريقية الكبرى ووضعتها بين يدي مؤسسات الدراسات الاستراتيجية المختصة، تنفيذا لتوصيات الكونجرس الأمريكي لاستعمال التصوّف لاختراق الثقافة المركزية للعرب وحزامهم الثقافي.
وعلى ذلك استضاف مركز نيكسون في أكتوبر 2003 مؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن لاستكشاف مدى دور الصوفية فيما يتعلق بأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وحضر السفير الأمريكي في القاهرة مولد البدوي، معلنا إعجابه الشديد بعالم التصوُّف الإسلامي، ويقال إنه انتسب إلى الطريقة الأحمدية وصار مريدا فيها، حيث أخذ العهد من أحد شيوخ الصوفية في مولد الشيخ البدوي وقام السفراء والديبلوماسيون الأمريكيون في البلدان العربية بنشاط واسع، فانتقلوا إلى الزوايا والتقوا شيوخها وشاركوا في نشاطاتها المختلفة.
وفي صيف عام 2004 أصدرت مؤسسة «راند» التابعة للبنتاغون الأمريكي تقريرا تضمّن توجيه الولايات المتحدة الأمريكية لــــــتشجيع انتشار وقبول الصوفية في المجتمعات الإسلامية
وشجعت مؤسسة “راند” هذه تصدُّر بعض الحركات الدينية للمشهد السياسي في هذا البلد الإسلامي أو هذا البلد العربي، وكان اللافت أن بعض قيادات هذه الحركات قد تلقى علومهم الدينية وغير الدينية في أمريكا وبريطانيا.
ويقول تقرير نشرته مجلة “يو إس نيوز” الأمريكية عام 2005م بعنوان «قلوب وعقول ودولارات»: “يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكلٍ متزايد أن الحركة الصوفية بفروعها العالمية قد تكون واحدا من أفضل الأسلحة”. ونقلت المجلة الأمريكية المذكورة أن واشنطن قامت بتمويل محطات إذاعة إسلامية وبرامج تلفزيونية ودورات تعليمية للترويج للإسلام المعتدل في أكثر من 24 دولة إسلامية.
وشاركت معظم مراكز الدراسات الاستراتيجية الكبرى في أمريكا في هذه الدراسات ومنها
مؤسسة “راند” عام 2003م – دراسة بعنوان:
(الإسلام المدني الديمقراطي)
مركز نيكسون للدراسات عام 2004م – مؤتمر بعنوان:
فهم الصوفية ودورها المحتمل في سياسة الولايات المتحدة
معهد الولايات المتحدة للسلام عام 2005 – دراسة بعنوان:
الإسلام السياسي في إفريقيا جنوب الصحراء
مؤسسة “راند” عام 2007م – دراسة بعنوان:
بناء شبكات إسلامية معتدلة
مؤسسة “كارنجي” للأبحاث عام 2007م – دراسة موسعة:
الصوفية في آسيا الوسطى بعنوان:
مؤسسة “راند” عام 2009 – دراسة بعنوان:
الإسلام الراديكالي في شرق إفريقيا
.. يُتبع