-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأفق السياسي للتصوّف في الوطن العربي 3/3

سهيل الخالدي
  • 2804
  • 0
الأفق السياسي للتصوّف في الوطن العربي 3/3
ح.م

كما توالت في العالم ضمن هذا الاهتمام المفاجئ بالتصوّف مؤتمرات وندوات دولية عديدة من بينها:

• ألمانيا (2001م) – المؤتمر 28 للمستشرقين الألمان، بعنوان: (الأخوّة الصوفية كحركات اجتماعية)، و(الحركة النقشبندية في داغستان)، و(التيجانية في غرب إفريقيا)، و(صورة الموالد الشعبية في مصر). وكذلك المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط، بحث بعنوان: (الإسلام الحديث والطريقة النقشبندية المجددية الصوفية)، و(الأولياء الصوفيون وغير الصوفيين). 

• وفي مصر (2001م) – مؤتمر “التصوف منهج أصيل للإصلاح”، وقد نظمته “أكاديمية الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية. والمؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية بمدينة الإسكندرية 2003 

وفي بلغاريا (2003م) أقيمت ندوة حول أدب التصوّف في الإسلام. 

وفي الدانمارك (2004م) – سلسلة محاضرات عن (الحلاج وابن عربي وابن الفارض).

 وفي المغرب (2004م) – المؤتمر العالمي للطرق الصوفية: (لقاءات سيدي شيكر العالمية للمنتسبين إلى التصوف). 

• وفي مالي (2004م) – المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا تحت شعار: (التصوف أصالة وتجدد). 

وفي الأردن (2005) -مؤتمر: (حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر) وفي 2007 مؤتمر (النزعة الصوفية في الأدب العربي). 

وشاركت اليونسكو في هذا الجهد الدولي العارم بتخصيص عام2007 عاماً دولياً للاحتفال بالمئوية الثامنة للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (1207- 1273م.. بآسيا الوسطى). 

وفي الوقت الذي كانت بعض الفصائل المسلحة في مالي تقوم باسم الإسلام بهدم أضرحة الأولياء ورجال الدين الجزائريين على الخصوص والذين لهم دور في نشر الإسلام بغربي إفريقيا كان “صندوق السفراء الأمريكيين” يقدم منحا لترميم عدد من أضرحة المتصوفة في الهند وباكستان. 

 

حملتان منسقتان

 وفي الوقت عينه تجرى في الوطن العربي منذ مطلع القرن الواحد والعشرين حملتان: 

1- حملة تقوم بها إسرائيل وحاخامات اليهود ضد الشيخ رائد صلاح وسائر المسلمين والمسيحيين في فلسطين الذين يربطون بين التحرُّر ومقاومة الاستعمار والفكر العربي الإسلامي، حملة ضد أشخاصهم وضد معابدهم وخاصة المسجد الأقصى.

في الوقت الذي كانت بعض الفصائل المسلحة في مالي تقوم باسم الإسلام بهدم أضرحة الأولياء ورجال الدين الجزائريين على الخصوص والذين لهم دور في نشر الإسلام بغربي إفريقيا كان “صندوق السفراء الأمريكيين” يقدم منحا لترميم عدد من أضرحة المتصوّفة في الهند وباكستان.

2- حملة يقوم بها شيوخ الوهابية في السعودية وغيرها ضد الأمير عبد القادر الجزائري، أول صوفي عربي مسلم علّم شعوب الأرض مقاومة الاستعمار، وقاد حملة أخرى على الحبيب الجفري، واتهم الأمير عبد القادر بـ”العمالة لفرنسا” وأن صوفيته هي علامة “خيانته للإسلام” كما اتهمه ب”الماسونية”؟!. وكان كاتبٌ جزائري عُرف بإلحاده قد سبقه في تسعينيات القرن العشرين وزعم في تصريح صحفي أن الأمير عبد القادر “خان الوطنية الجزائرية”.

إن علينا أن نفهم أن الهجمة يقصد بها تفريغ الدين الإسلامي من محتواه التحرري التقدمي حيث القاعدة ان الناس ولدوا أحرارا بأنفسهم وأوطانهم لا يَستعبدون ولا يُستعبَدون، وأنهم متساوون كأسنان المشط ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى، وأن عملية التفريغ هذه موكولة إلى الحركة الصوفية لتحويل الدين إلى طقوس وممارسات تخديرية تبعد المسلمين عن دينهم ودنياهم، في ذات الوقت يتقاتلون فيما بينهم ولا مرجعية لهم سوى هذا المستعمِر الغربي الذي ينهب أرضهم وخيراتهم.

 

تُرى: هل يستجيب التصوّف لهم؟

 هذا هو السؤال الأكبر الذي يواجه حركة التصوّف اليوم ويحدّد أفقها السياسي، فصحيح أن التصوّف بدأ في القرون الهجرية الأولى في البصرة كنوع من أنواع المقاومة السلبية لظلم الساسة المحليين، وكانت أول دار جعلت للمتصوّفة ينعزلون بها ويتعبدون فيها واتخذت اسم زاوية هي في مدينة الرملة وسط فلسطين التي كانت مركز مبايعة خلفاء بني أمية، وتمكنت من تجديد الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي بعيدا عن السيطرة الفارسية على الدولة العباسية، وظل أهل المغرب العربي على علاقة وطيدة واسعة مع فلسطين والشام، خاصة وأن الجيوش العربية الإسلامية الأولى كانت في معظمها من القبائل العربية الشامية بقيادة الفلسطيني موسى بن نصير، واتخذ أهل المغرب العربي مذهب الإمام مالك لتفسير الدين الذي هو مذهب أهل المدينة المنوّرة والدولة الأموية، وحين وصلتهم الحركة التصوفية التي رابطت على الحدود الجنوبية للمغرب العربي ونشرت الإسلام سلميا في غرب إفريقيا، والإشارة هنا لدولتي المرابطين والموحدين اللتين قدِّر لهما التصدي للحروب الصليبية التي شنتها دول إسبانيا والبرتغال وفرنسا على الحدود الشمالية للمغرب العربي وأفشلوا مشروع هؤلاء الغزاة باستعمال اليهود للتسلل إلى غربي وأواسط إفريقيا.

 وبلغت ذروة التصوّف المكافح ضد الاستعمار في عهد صلاح الدين الأيوبي؛ إذ خرج من بجاية المتصوّفُ الجزائري الشهير سيدي بومدين الغوث وساهم إسهاما واسعا في استرداد القدس الشريف وفقد ذراعه على أبوابها، وهناك عند حائط البراق الشريف وُلدت حارة المغاربة التي هدمها موشي ديان على رأس أهلها الجزائريين عام1967. ولا أعتقد أنها مسألة دون مغزى أن يكون الصوفي الجزائري الذي دفن ذراعه في القدس قد توفي في تلمسان الحاضرة الأموية الكبرى في منطقة المغرب العربي.

 بلغت ذروة التصوّف المكافح ضد الاستعمار في عهد صلاح الدين الأيوبي؛ إذ خرج من بجاية المتصوّفُ الجزائري الشهير سيدي بومدين الغوث وساهم إسهاما واسعا في استرداد القدس الشريف وفقد ذراعه على أبوابها، وهناك عند حائط البراق الشريف وُلدت حارة المغاربة التي هدمها موشي ديان على رأس أهلها الجزائريين عام1967. 

هذا الأفُق التحرُّري للتصوّف الإسلامي ممثلا في فلسطين والجزائر هو الذي بإمكانه فضح وإفشال المخطط الاستعماري في إطفاء المعنى التحرّري التقدّمي للدين الإسلامي وتعطيل كل أساليب الاختراق التي تتم منذ مطلع العشرية الأولى لقرننا الحالي، والمتصوّفون الفلسطينيون والجزائريون هم القادرون على أرض الواقع اليومي المتَّسم بالكفاح الملموس لإعادة ربط التصوّف بالتحرر السياسي كما هو تحرر عقلي.. وإذا خرج التصوف عن حقيقته السياسية التحررية ومنهجه العقلي الروحي المتفتح لم يعد تصوّفا؛ لأن التصوّف كان دوما ممارسة إسلامية، ولم يكن يوما علما يؤسس لدين آخر.

 أعتقد أن التصوّف في الجزائر وفلسطين مدعوٌّ اليوم أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على الدين دون تشويه والحفاظ على كرامة العروبة مفهوما وشعبا وأرضا باعتبارها نواة الدين وعلى الشعوب الإسلامية باعتبارها جوهر إنسانية الإسلام وعالميته وسلميته بحاجة إلى إعلاء فقه التحرّر من الظلم الاجتماعي والاحتلال الأجنبي، وهو الفقه الذي سار عليه بومدين شعيب والأمير عبد القادر والسنوسي؛ نعم هو فقه التحرُّر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!