-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأفكار.. ألا يزال لها سلطةٌ على المجتمع الجزائري؟

بن يغزر أحمد
  • 301
  • 3
الأفكار.. ألا يزال لها سلطةٌ على المجتمع الجزائري؟
ح.م

وحتى أجعل هذا السؤال أكثر وضوحا سأطرحه بصيغة أبسط: هل ما يزال بإمكان من ينتجون الأفكار ويقدمونها من خلال مختلف الوسائط قدرة على التأثير في السلوك الاجتماعي؟

إن إنتاج الأفكار المتميزة أو حتى العادية ذات العلاقة بالتفاعل مع التحديات التي تواجه مجتمعا ما هو من المؤشرات الدالة على حيويته وفعاليته، وعندما تغيب هذه الميزة فإن المجتمع يعيش فعلا في حالة احتباس وأزمة، وبالتالي فإنه يرهن مصيره لردود الفعل، وللمصادفات التي لا يدركها ولا يتحكم فيها، وفي أسوأ الأحوال يضع نفسه تحت سلطة أفكار لا ينتجها هو، وقد لا تكون منسجمة ولا متوائمة مع ذاتيته وشخصيته.

يقول المفكر مالك بن نبي رحمه الله في هذا السياق: “لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من “أشياء” بل بمقدار ما فيه من “أفكار”، ولقد يحدث أن تلمَّ بالمجتمع ظروفٌ أليمة كأن يحدث فيضان أو تقع حربٌ فتمحو منه “عالم الأشياء” محواً كاملاً أو تُفقده إلى حين ميزة السيطرة على “عالم الأفكار” وهنا يكون الخراب ماحقاً. أما إذا استطاع أن ينقذ “أفكاره” فإنه يكون قد أنقذ كل شيء، إذ أنه يستطيع أن يُعيد بناء “عالم الأشياء”.

يتأتى هذا العجز عن إنتاج وتسويق الأفكار من ناحيتين على الأرجح، إما من ناحية الجهات المنوط بها أساسا هذا الدور كالنخب العالمة وما هو قريب منها، ومؤسسات إنتاج المعرفة كالجامعات ومراكز التفكير والبحث وغيرها، أو من ناحية جهاز الاستقبال الاجتماعي عندما لا يحفل بأيِّ فكرة، ولا يوليها الاهتمام الذي تستحق، فيحكم عليها وعلى أصحابها بالانكفاء والموت.

وبالقدر الذي تحتاج المجتمعات إلى الأفكار لكي تبني عليها سيرها نحو الأفضل، فإنها بنفس القدر أو ربما أكثر تحتاج أن تهيِّئ البيئة القادرة على تحفيز إنتاج هذه الأفكار، وعلى حسن تفعيلها في الواقع، ومثلُ ذلك كمثل البذرة بقدر ما يكون ضروريا زرعُها في التراب، يكون ضروريا بعد ذلك إحاطتُها بالرعاية والاهتمام لتستوي على سوقها، وتوهب ثمارها.

هل يمكن أن نحدد المصادر التي يشكل من خلالها المجتمع الجزائري عالم أفكاره؟ وكيف يمكن أن نتأكد من فعالية هذه الأفكار في صياغة سلوكاته الفردية والجماعية؟ تزداد أهمية مثل هذه الأسئلة مع التعدد والتنوع الذي أصبح يميز مصادر التلقي وإمكانيات الوصول بفضل التطور الذي مس وسائط التواصل مقارنة بفترات زمنية سابقة قبل الأنترنت، إذ كانت الأسرة ومعها المدرسة تؤدّي دورا تأسيسيا في تأثيث عالم الأفكار، ولم يعد بإمكان أيِّ جهة اليوم أن تزعم قدرتها على الحد أو على توجيه هذا السيل الانفتاحي بنفس الأساليب التقليدية.

طبعا تعمل جهاتٌ عديدة بما هو متاحٌ لها أن تؤثر في عالم الأفكار، وعندما يتعلق الأمر بالسلطة السياسية، أو بالكتل السياسية والإيديولوجية المتنافسة، فإنَّ قدرتها في الغالب لا تنبع من قوة الأفكار التي تطرحها بالضرورة، ولكن قد تنبع من الأساليب التي تناور بها من أجل التوجيه أو التعبئة أو صرف الأنظار عن ما تراه لا يناسب استراتيجياتها ومصالحها، وهي إذا تفعل ذلك قد تجند المثقف، وقد تستدعي التاريخ، وقد تثير زوابع المخاوف والهواجس من أوهام أو من وقائع حقيقية، وهي إذ تفعل ذلك لا تخاطب عقل المجتمع لكن تثير عواطفه.

في مثل هذه الأجواء المسمَّمة بأشكال التضليل يكون أسوأ شيئ يحدث هو زرع مشاعر اللاثقة على نطاق واسع، وتصير العوائق التي تحول دون إنتاج الأفكار واستيعابها أكبر من كل إمكانيةٍ لتجاوزها، ومع الوقت تفقد الأفكار حتى الجيد منها أيَّ قدرة على جلب الانتباه، وفي أحسن الأحوال قد تحظى ببعض المدح وبعض التصفيق وبعض الإعجاب ربما، لكنها تقابَل بنفس القدر أو ربما أكثر أكيد بكثير من التغاضي والنسيان والإهمال.

عندما نقرأ اليوم ما كتبه مالك بن نبي مثلا في سنوات القرن الماضي حول النهضة والحضارة والتغيير، وعندما نتلمس عمق ما طرحه من أفكار سواء في تشخيص المشكلات أو في اقتراح الحلول، تواجهنا أسئلةٌ كبيرة: لماذا لم تُؤخذ مثل هذه الأفكار على محمل الاهتمام والمناقشة والتجسيد؟ هل المشكلة في منهجية عرض هذه الأفكار؟ هل يتعلق الأمر بمثاليةٍ يراها البعض في هذه الأفكار؟ أم أن هناك مقاومةً لهذه الأفكار بدوافع سلطوية أو إيديولوجية أو شخصية؟

ولا يتعلق الأمر هنا حصرا بأفكار مالك بن نبي لكنه نموذج وعلى سبيل المثال فقط، ويمكن ذكر أسماء أخرى ومن مشارب مختلفة، وفي ميادين ومجالات متنوعة لاقت نفس المصير.

إن ما يقود السياسة وإدارة الشأن الجماعي ويصنع توجهات الرأي العام من مختلف القضايا وفي كل الميادين في جزائر اليوم ليست الأفكار، في الغالب يحدث ذلك بخليط من الموروث من القناعات الشخصية للأفراد متعددة المصادر، والانطباعات الخالية من العمق المعرفي، وردود الفعل التي تحركها دوافع متباينة، طبعا من الخطأ أن يُؤخذ هذا الكلام على إطلاقه، لكن الغالب في التشخيص هو هذا.

إن هذا لا يعني أن وظيفة إنتاج الأفكار متوقفة تماما في الجزائر، أو أن سلطة الأفكار معدومة بشكل كامل، لكن التجاوب أقلُّ من المأمول بشكل غير مُطَمْئِن، كما أن ما يُنتَج -وهو كثيرٌ ومهم ومتعدد- لا يجد من أجهزة التلقي والاستقبال والتسويق الذي نجده في المجتمعات المتطورة، إذ أن الكثير من الأفكار التي أنتُجت في هذه المجتمعات وصار لها شيوعٌ عالمي، لم تكتسب ذلك من قوتها بالضرورة ولكن من الروافع التي أعطتها بعدا عالميا.

ويمكن هنا أن نعطي أمثلة عن أفكار صارت متداولة في كل مكان ومنقولة على كل لسان، فقط لأنها وجدت من يسوِّقها على أنها أفكارٌ عظيمة، وقد تكون وقد لا تكون كذلك، ومنها على سبيل المثال فكرة “نهاية التاريخ” لفوكوياما، أو “صدام الحضارات” لهنتغتون، أو “النظام العالمي الجديد”… وأكيد أن وراء هذا الترويج غاياتٍ ومرامي إستراتيجية تستهدفها دولٌ وهيئات.

لقد ساهمت عوامل عديدة في تعميق التنافر بين الأفكار ومن ينتجها وبين القطاع الواسع من الناس؛ ففضلا عن التأثير الذي أحدثه التطوّر التكنولوجي في مجال التواصل وخاصة في اتجاه الانسياق نحو السهولة والسرعة والسطحية والاختصار وسطوة الصورة، فإنَّ انزواء منتجي الأفكار خاصة من ذوي الخلفيات الاكاديمية في بروجهم العلمية، وعدم إيلاء السلطة وحتى المجتمع الاهتمام والمكانة المستحقة للفكر وأهله، كل ذلك ساهم في تهميش وتقليص سلطة الأفكار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • يوغرطة

    لاجل التقدم والتطور علينا ان نتبع خطوات الدول الناجحة والتي انطلقت من الصفر اي التي نهظت من دمار الحرب والدمار كاليابان والمانيا والصين واوروبا
    علينا ان نقتدي وناخذ من تجارب الاخرين المفيدة اما ان نكرر ونثرثر ونجتر الكلام كالابقار فلا داعي لذلك يا سادة سئمنا التشدق والتفيهق والنعيق كالغربان الي العمل الي التطبيق الي الافعال وبكل صدق وبكل اخلاص ووفاء وضمير طاهرر وصافي وبدون نفاق

  • مالك بن نبي حابس

    هذه فكرة هل هي تستحق التفعيل طبعا ان الرفض او القبول الجهل او العلم ليس فقط بنية او بغير نية كل ذلك يقبعوفي الحضيض للحابس صفة تؤهله لانتاج افكار تستحق التصفيق لان الذي يستمر في القراءة لما ينتجه لن يمر بسلام فالحابس يستثمر يضع جدار يقبل ويرفض يصفي وفي خضم الصراع الذي يريد ان يضفي عليه صبغة الحياء والمعرفة الهادئة يجد انه توقف بفعل الانتقااء والجدل والمدارس فالحابس لا يعرف مصدر الحركة وليس له نية بل يرفض ومقتنع تماما برسالته تلك التي شاخ وهو يستلهم منها روح منعدمة الصفاء كيان بسيط يرمي بحصاه الصغيرة امتم بحيرة ليحل مشكلة الغوص والبرودة والخوف والخطر والغرق فالتهور صفة ايوب الصغير

  • يقول ايوب

    مضحك نعم انه اسلوب
    هزلي للاستخفاف بالفكر البشري الرائد يعني اي فكرة نتاج جيل تطرح بطريقة ما حسب فلسفة فولان او علان او تتعرض للتحرش او الغزل المباح وتنتج كائن طفيلي لا يموت الا بالاستئصال