-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
لم يلتفتوا إلى النفط والغاز واقتحموا "حراثة الرمال"

الأمن الغذائي.. معركة “تخضير الصحراء!”

إيمان كيموش
  • 15929
  • 0
الأمن الغذائي.. معركة “تخضير الصحراء!”
ح.م
صحراء الجزائر: من ثروة النفط إلى سلة غذاء

تراهن الجزائر على تعزيز استقلالها الغذائي من خلال استصلاح مليون هكتار من الأراضي الصحراوية وتطوير الفلاحة عبر 19 ولاية جنوبية، .. فهل ينجح تحدي “السيادة الغذائية”؟

في حدود الساعة السادسة صباحا، يصطف عشرات المزارعين على طول الطريق البلدي رقم 117 متجهين نحو قرى امزيرعة بدائرة زريبة الواد، أقصى شرق ولاية بسكرة، هناك على مساحة 965 كيلومتر مربع، ينشغل الفلاحون مطلع أكتوبر بسقي شتلات الخضر والفواكه، وإزالة الأعشاب الضارة، حيث يطمح هؤلاء لإحراز رقم قياسي في إنتاج الطماطم هذه السنة المنتظر جنيها شهر ديسمبر، كما يقول الفلاح الأربعيني محمد الطيب موسي.

ويتفرغ البعض منهم لزراعة السنابل التي ستتحوّل إلى مادة “الفريك” خلال فصل الربيع المقبل، أو قطف محصول الحنة، في حين يقوم آخرون بتهيئة البيوت البلاستيكية، والتي ينتظر أن تملأ محاصيلها موائد الجزائريين شمال البلاد بما لذ وطاب قريبا.

وتتخصص حقول الفيض والحوش، ونفيضة الرقمة والشهبون وقرى أخرى بهذه المنطقة الصحراوية في زراعة الحبوب والقمح والشعير بسواعد محلية، وحتى بأيادي فلاحين وافدين من ولايات مجاورة وشمالية، كخنشلة وتيبازة وبومرداس.

حدث ذلك شرق ولاية بسكرة!

في بسكرة، يتحدى الفلاحون ظروف الطبيعة وقساوة المناخ، وينتجون إلى جانب التمور، و”دڨلة نور” الشهيرة بمنطقة الزيبان، البصل والطماطم والفلفل والثوم والزيتون وعشرات أصناف المحاصيل الأخرى التي تباع في سوق الجملة امزيرعة، يقول الفلاح موسي، لتصل الخضر والفواكه البسكرية إلى جل ولايات الوطن، وتطرق عبر وسطاء يمتهنون التصدير، 25 سوقا عالمية.

وإذا كانت المساحة القابلة للزراعة ببسكرة تعادل 77 بالمائة من إجمالي الولاية، وفقا لوثائق تحصلت عليها “الشروق” من المصالح المحلية، فإن الصحراء الجزائرية ككل، تزرع اليوم 400 ألف هكتار، يقول الخبير الفلاحي ومستشار الصناعة الغذائية نواد أمقران، عبر 19 ولاية جنوبية.

وتحولت بوصلة الزراعة في الصحراء خلال الأشهر الأخيرة إلى إنتاج القمح بمختلف مشتقاته، فالحرب الروسية الأوكرانية، ألقت بظلالها على طموح المزارعين هناك، حيث باتوا يرون تحقيق الأمن الغذائي الجزائري والاستغناء في أقرب وقت عن استيراد الحبوب مسؤولية تقع على عاتقهم.

82 ألف هكتار حبوب و93 ألف هكتار خضروات

ويؤكد نواد أن دخول ولايات الجنوب معركة الإنتاج الفلاحي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير نحو الخارج، بما فيها الولايات الجديدة المستحدثة في التقسيم الإداري الأخير، جعل بعض المناطق الصحراوية تحتل الريادة.
وتنقسم المساحات الفلاحية بالجنوب إلى 167 ألف هكتار عبارة عن واحات، و233 ألف هكتار أخرى أراض مستصلحة لإنتاج مختلف المحاصيل.
وتمت زراعة بهذه المساحات 82 ألف هكتار حبوب و93 ألف هكتار خضروات و21 ألف هكتار أشجار مثمرة و19 ألف هكتار أعلاف و5 آلاف هكتار محاصيل صناعية.

“سلة غذاء”

ويتوقع رئيس المنظمة الوطنية للأمن الغذائي، كريم حسن، أن تتحول صحراء الجزائر التي تطعم ولايات الشمال منذ سنوات، في ظرف أعوام قليلة إلى “سلة غذاء” منطقة الساحل وشمال إفريقيا، أي تضمن الأمن الغذائي لـ10 دول إفريقية على الأقل إن تم استغلالها كما ينبغي، حيث تتربع الصحراء على مساحة تعادل 87 بالمائة من الوطن، لم تستغل سوى 11 بالمائة منها، كما تمتلك مقدرات من المياه تتجاوز 50 ألف مليار متر مكعب تتوزع على الهضاب العليا والصحراء الكبرى.
محدث “الشروق” يجزم: “إن تم استغلال إمكانات الصحراء بالشكل اللازم، فستتمكن الجزائر من ضمان إنتاج زراعي طيلة فصول السنة ما بين أكتوبر وماي في الجنوب، وما بين أفريل وأكتوبر في الشمال، بما في ذلك الحبوب التي تعتبر نقطة قوة القطاع الزراعي لأي دولة، كما ستنتج البلاد القمح والشعير والذرة مرتين في السنة”.
وتغطّي الصحراء الجزائرية اليوم، يقول رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حمبلي، 50 بالمائة من غذاء الولايات الشمالية، منها الخضر والفواكه بمختلف أنواعها ودقلة نور ذات الجودة العالمية، كما سطرت الحكومة برنامجا استراتيجيا لإنتاج البنجري السكري والذرة والصوجا والقمح والشعير والعلف ومنتجات صناعية على غرار الحنة والتبغ والسلجم.

كيف يُمكن رفع التصدير؟

وينتظر الفلاحون اليوم تسهيلات أكبر لإيصال الخضر والفواكه الجزائرية إلى أسواق دولية، فصادرات هذه المواد ضخت 50 مليون دولار خلال سنة 2021، وباحتساب عائدات “دقلة نور طولڨة”، ساهمت المنتجات الفلاحية المصدرة نحو 100 دولة (25 بلد يستورد الخضر والفواكه الجزائرية و75 دولة التمور) في إحراز 130 مليون دولار خارج المحروقات، يصرح الرئيس السابق للجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري لـ”الشروق”.
“الشروق” وثّقت كيفية تصدير خضروات وفواكه الصحراء مع 5 متعاملين، يشتغلون في مجال التوضيب والتصدير، بالتنسيق مع فلاحي ولاية بسكرة، حيث يقتنون المنتوج من الفلاح، يعالجونه ويهيئونه للتصدير وفقا لمعايير السوق الأجنبية وخاصة الأوروبية، ثم يباشرون التصدير على الفور.
ويقول مكيد طارق ـ 37 سنة مصدّر من ولاية البليدة ـ إنه يتعامل مع فلاحي بسكرة منذ 3 سنوات، حيث يقتني المنتوج من هناك كل موسم ويقوم بتصفيفه وتوضيبه وتعليبه ثم تصديره خاصة نحو الدول التي يقيم بها عدد كبير من أبناء الجالية مثل كندا بلجيكا، فرنسا، قطر والإمارات العربية المتحدة ، وتحتل إيطاليا هذه السنة المرتبة الأولى في استيراد الخضر البسكريّة، كما تحظى تمور “دقلة نور طولقة” بإقبال واسع من الإيطاليين، “فهؤلاء يصفونها بالتمر الألذ في العالم، بل هي أشهى من قطعة شوكولاطه سويسرية فاخرة”.
وتتميز الخضروات الجزائرية بالجودة العالية والسعر التنافسي في تلك الفترة – أي فصل الشتاء -.
ويأمل فلاحو بسكرة والذين يتراوح سن أغلبيتهم بين الـ18 والـ70 عاما، في تدخّل السلطات لتذليل الصعوبات التي تواجههم.
ويتمنى المزارع موسي عبد الكريم – 27 سنة، أن يحظى بتوجيهات وإرشادات فلاحية أكبر فيما يخص اختيار المحاصيل ومرافقة لتطوير استخدام التكنولوجيا في الفلاحة بالمنطقة.

خطة لدعم الفلاحة الصحراوية

وسطرت الحكومة برامج غير مسبوقة لدعم الفلاحة الصحراوية، حيث يؤكد بيان السياسة العامة، الذي يستعرض حصيلة الإنجازات، في الصفحة 27 وفقا لنسخة تحصلت عليها “الشروق” أنه “لتطوير الزراعات الاستراتيجية في الجنوب، تم تخصيص برنامج على أساس الحافظة العقارية الموكلة من قبل الدولة إلى ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية تبلغ مساحتها 550 ألف هكتار برسم سنة “2021_ 2022″.
كما يكشف الأمين الوطني بالإتحاد العام للفلاحين الجزائريين مشري خلف الله، عن إجراءات ماراطونية اتخذتها الدولة لمرافقة الفلاحين بالمناطق الصحراوية، منها تطوير آليات الري، عبر السقي المحوري ـ نسخة متطوّرة عن التسعينيات، بإضافة تقنيات اتصال حديثة ـ والسقي بالتقطير والتحضير مستقبلا لاستخدام تقنية “النانوا” ـ تكنولوجية حديثة تقتصد المياه في الري ـ، مؤكدا أن معظم مشاكل الفلاحين هناك ترتبط بندرة المياه وشحّ الآبار.
مساء وفي حدود الساعة السادسة و23 دقيقة، يغادر المزارعون الأرض إلى أهلهم بعد يوم شاقّ ويضربون موعدا متجددا للجد والاجتهاد، على ضوء أشعة الشمس وخطوطها الحمراء المنعكسة على “البيوت المحمية” والمزروعات المنتشرة على مد البصر.. هذا الكنز الذي لن يفنى لأن الله حبا به جزائر الشهداء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!