-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأنموذجُ‮ ‬الجزائري‮ ‬أم‮ ‬التركي؟

حسين لقرع
  • 3905
  • 4
الأنموذجُ‮ ‬الجزائري‮ ‬أم‮ ‬التركي؟

منذ انقلاب الجيش المصري على الرئيس مرسي، والتحذيرات من تكرار الأنموذج الجزائري بأرض الكنانة تتعالى في كل مكان، داعية إلى تجنّب الانسياق إلى العنف والمواجهة مع الجيش بذريعة “استعادة الشرعية الشعبية”.

 

   والواقع أن جوانبَ من الأنموذج الجزائري تتكرر فعلاً في مصر هذه الأيام دون أن تصل الأمور إلى حدّ المواجهة؛ فالتحريض العلماني المتواصل الذي يمارسه الفلولُ وإعلاميو الفتنة هناك، ودعوات بعضهم إلى شنق المئات من قادة الإخوان والتنكيل بالمتظاهرين، يذكّرنا بما كانت تمارسه الأقلية الفرنكو ــ علمانية بالجزائر في التسعينيات، من تحريض ودعوات إلى الإقصاء والاستئصال ورفض دعوات الحوار والمصالحة، ما ساهم في إطالة أمد الأزمة واتساع قائمة ضحاياها ووضع البلد على حافة الخطر لولا لطف الله.

   ومن حسن الحظ أن الإخوان تفطّنوا إلى اللعبة تماماً ورفضوا الانسياق وراء الاستفزازات الرامية إلى جرّهم إلى العنف ومن ثمة استنساخ الأنموذج الجزائري، وأكدوا مواصلة احتجاجاتهم بطريقة سلمية حضارية، فهي إن لم تؤدِّ إلى تكرار الأنموذج الإيراني في إسقاط الشاه ودفع جيشه إلى الانقلاب عليه والانحياز إلى الثورة في النهاية، فقد تُفضي إلى إعادة الأنموذج التركي الذي صبر فيه الإسلاميون على تعسّف الجيش سنوات طويلة حتى تمكَّنوا من الوصول إلى الحكم وتثبيت أقدامهم فيه.

   لقد تمكن إخوانُ تركيا من الظفر بالأغلبية البرلمانية وشكّل زعيمُهم نجم الدين أربكان حكومة، لكن الجيش أقالها، وكان يتدخّل ويوعز إلى المحكمة الدستورية التي أنشأها انقلابيو 1980، بحلِّ حزبه في كل مرة، وصبر أربكان على هذا الضيم طويلاً وقبِل الانقلابَ على حكومته وحلَّ كل حزب جديد يشكِّله: الرفاه والفضيلة والسعادة، دون أن ينجرّ إلى المواجهة مع الجيش الحامي للعلمانية الأتاتوركية برغم كثرة الضغوط التي تعرض لها وسجنه مراراً على كِبر سنه، ومات في عام 2011 دون أن يتمكن من تحقيق حلمه في الحكم، وقد خدمت هذه الروحُ السلمية أردوغان الذي تكيّف مع الوضع بمرونة كبيرة وأنشأ حزباً تمكّن به من الوصول إلى الحكم في سنة 2002، وحصل على أغلبية أصوات الأتراك في ثلاث انتخابات تشريعية، والرابعة على الأبواب بعد 7 أشهر من الآن، بالنظر إلى النتائج الاقتصادية العملاقة التي حققها لبلده وشعبه‮ ‬في‮ ‬ظرف‮ ‬11‮ ‬سنة،‮ ‬ومنها‮ ‬تحويل‮ ‬تركيا‮ ‬إلى‮ ‬القوة‮ ‬الاقتصادية‮ ‬الـ17‮ ‬في‮ ‬العالم‮.‬

   وإذا لم تنجح مظاهراتُ الإخوان في إجبار العسكر على إعادة مرسي إلى الرئاسة وبالتالي انتهاء الأزمة عند هذا الحدّ، فإن السيناريو التركي مرشحٌ للاستنساخ في مصر إذا سُمح بإجراء انتخابات عامة حرّة وشفافة؛ إذ سيفوز الإخوان مجددا في أي انتخابات قادمة مع تعاظم التعاطف الشعبي معهم على خلفية الظلم الذي يتعرضون له، ولكننا لا نعتقد أن الجيش والفلول سيسمحون بإجراء انتخابات نزيهة، وسيعيدون سيناريو مبارك في تكريس ديمقراطية الواجهة والهيمنة على الحياة السياسية مجدداً، ولكنهم سيحتاجون إلى “أرندي” آخر “يولد بشواربه” ليعوِّض الحزبَ الوطني المُحل ويكتسح الانتخابات القادمة بأغلبية مُصطعنة وسيتعرّض الإخوان إلى التهميش والتحجيم السياسي لسنوات ولن يُسمح لهم بالعودة إلى الحكم، وسيتعين عليهم التحلي مجدداً بالمزيد من الصبر وضبط النفس والمغالبة وانتظار الفرص للعودة ومواصلة الضغط عن طريق الشارع فربما كانت هناك ثورة ثانية تقضي عل الفلول، وربما تدفع الظروف الجيش المصري في النهاية ــ تحت وطأة انهيار الاقتصاد وكثرة التوترات الاجتماعية ــ إلى نفس القناعة التي وصل إليها الجيشُ التركي بعد طول مكابرة وعِناد وتعسف، فيقرر، ولو بعد سنوات عديدة، العودة‮ ‬إلى‮ ‬الثكنات‮ ‬وتسليم‮ ‬السلطة‮ ‬للشعب‮ ‬ليختار‮ ‬حكّامه‮ ‬بكل‮ ‬حرية‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • dionysos93

    البعض يحارب من أجل الحرية و أخرون يفاوضون من أجل تحسين شروط عبوديتهم.

  • عبد الرشيد

    الى المصري الفلولي محمد علي , وهل كان سيربكم شيئ مما يفعل مرسي , وهل بلدكم مصر تتحمل العيش في الحرية وهي التي لم تذق طعم الحرية من عهد الفرعون القديم وحتى الفراعنة المتأخرين ( عبد الناصر و السادات ومبارك ) , والفصيل الوحيد الذي يعشق الحرية بفضل إلتزامه الديني هم الإخوان السلمون , ها أنتم تصدقون بعض الدا.... وبائعي الأوطان بالدولار فتبيعون أصدق جماعة تريد الحرية والكرامة للأمة كلها .

  • أحمد علي

    تحياتي لأشقائي في الجزائر الحبيب - الأنقلاب الحادث في مصر تم بسبب رعونة مرسي والأخوان، وخرقة للدستور والقانون اللذان أقسم على أحترامهم، وسماحه لأنصاره بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا لأول مرة في تاريخها (ثاني مرة في العالم بعد حصار أتباع هتلر لنفس المحكمة في ألمانيا)، وعزله للنائب العام بدون وجه حق، وتعيينه لأخر مخترقاً مبدأ الفصل بين السلطات، بالأضافة الي ثبوت عدم كفاءة منقطع النظير، وعدم أكتراثه بأستقالة معظم مستشاريه أحتجاجاً!!!

  • الفاروق

    لا أعتقد أن الفلول سينجحون هذه المرة لأن الدائرة ستدور على الانقلابيين الخونة، وسيتمكن الشعب المصري الثائر من إفشال الانقلاب والمضي قُدُمًا نحو تكريس الدولة المدنية بتوجه إسلامي، وسيتم إفشال محاصرة غزة التي أثبتت أنها قوة سياسية وعسكرية استطاعت الصمود في وجه إسرائيل ، وهو مؤشر على أن تحرير القدس قد آذن بالاقتراب إن شاء الله. والأيام بيننا ، وإن غدا لناظره قريب. " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "