-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإقامات الجامعية.. بين الواقع والمأمول

سلطان بركاني
  • 407
  • 0
الإقامات الجامعية.. بين الواقع والمأمول

تفاصيل مؤلمة، تحملها منشورات بعض الطّلبة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وتتناقلها التقارير الإعلامية المختلفة لغةً والمتّفقة مضمونا، عن الأوضاع المزرية التي يعيشها الطّلبة في الإقامات الجامعية، إلى الحدّ الذي تخيب معه آمال كثير من المتفوّقين في شهادة البكالوريا وتخبو عزائمهم ويتخلّى كثير منهم عن أحلامهم، وهم يفاجؤون بواقع غير الذي رسموه في مخيلاتهم عن إقامات تأوي نخبة الأمّة وصفوتها!

الوضع المزري الذي يعيشه الطّلبة في الأحياء الجامعية، ليس وليد اليوم، فعُمره عقود من الزّمان، وسببه الرئيسُ غياب نظام صارم يحكم الإقامات الجامعية، بالإضافة إلى غياب استراتيجية واضحة في إيواء الطّلبة وتوزيعهم على الأحياء والغرف، بحيث تراعى مستويات الطّلبة وتؤخذ تخصّصاتهم بعين الاعتبار؛ فلا يعقل أن يُجمع بين طالب يدرس في فرع أدبيّ وآخر في فرع علميّ دقيق! أو يتمّ إيواء طالبٍ نال شهادة البكالوريا بمعدّل ممتاز مع طلبة حصّلوا الشّهادة بشق الأنفس! وكيف يمكن أن يتلاءم من دخل الجامعة وعينه على التفوّق والدّراسات العليا، مع من دخلوا لقضاء أعوام يتمتّعون فيها بحريتهم الكاملة في النوم والاستيقاظ والأكل والسّهر والعبث؟!

الحديث عن الأوضاع المزرية التي يكابدها الطّلبة في الأحياء الجامعية حديث ذو شجون، لكنّ الذي يعنينا في هذا المقام هو المنحدر الأخلاقي الذي هوى فيه بعض الطّلبة الذين يفترض فيهم أن يكونوا نخبة المجتمع وقدوته علما وخلقا.. أصبح الصّوت الأعلى في كثير من الأحياء الجامعية للطّلبة العابثين الذين لا يَقرّ لهم قرار حتّى يحوّلوا الغرف إلى قاعات للحفلات الصاخبة تصدح فيها الأغاني بأصوات تصمّ الآذان، إلى الساعات الأخيرة من الليل، ويحْرموا الطلبة المجِدّين من مراجعة دروسهم وإنجاز بحوثهم، ويتسبّبوا في ثني عزائمهم وقتل معنوياتهم، فكم من طالب كان يحلم بمسار جامعيّ ممتاز ومتميّز، قضت ظروف الحيّ الجامعيّ على آماله وأصبح همّه لا يتعدّى النّجاة من شبح الرّسوب، بل ربّما يقضي سنوات مديدة ليحصّل شهادة الليسانس أو الماستر.

تجد هؤلاء الطّلبة الذين ينظرون إلى الحياة الجامعية على أنّها حياة الحرية التي لا حدود لها، تتداعى كلّ جماعة منهم إلى غرفة من الغرف لأجل السّهر وتمضية الوقت، ورفع أصوات الغناء، وربّما يصل الأمر إلى الرّقص والتّصفيق، وإزعاج زملائهم في الغرف المجاورة، وإن حدث أن طرق عليهم البابَ طارق يترجّاهم أن يخفضوا صوت الغناء، فإنّه يقابل بالسخرية ويقال له: الزم غرفتك ولا تتدخّل فيما لا يعنيك!

أصبح كثير من الطّلبة يتنافسون في الكسل وقتل الوقت والعبث واللعب ونصب الشّباك لاصطياد أكبر عدد ممكن من الفتيات، وبعضهم لا يكتفي بإفساد نفسه، حتّى يتحوّل إلى داعية يتربّص بكلّ من يختار طريق الجدّ والمثابرة، فيحرّض عليه شلّة أصدقائه الذين يجعلون إغواء الطّالب المستهدف هَما يعملون له بالليل والنّهار، وقد يصل بهم الأمر إلى حدٍّ يجعلهم ينصبون له فخاخا تصعب عليه النّجاة منها!

أضحى الطّالب الذي يفتح دفاتره ويهتمّ بدراسته، مثارا لسخرية زملائه الذين ربّما يصل بهم الأمر إلى حدّ التآمر عليه لضمّه إلى شلّة العبث! حتّى أمسى بعض الطّلبة يستخفي الواحد منهم بمراجعة دروسه ويحرص على ألا ترصده الأعين وهو يحضّر للامتحانات! وإذا زاره بعضهم في غرفته تظاهر بأنّه غير عابئ بالدّراسة ولا بالامتحانات! وكم من طالب دخل إلى الجامعة بعزيمة متّقدة وأخلاق عالية، لكنّ أجواء الحيّ الجامعيّ قتلت همّته وأفسدت أخلاقه وسَمْته، وخرج من الجامعة من دون هدف!

وما قيل عن الطّلبة، يقال مثله أو قريب منه عن الطّالبات اللاتي أصبحت الأحياء الجامعية بالنّسبة لبعضهنّ ملاذا آمنا من مراقبة الأهل والأقارب، وميدانا للتنافس في المظاهر والتعاون على كلّ ما من شأنه أن يقتل الهمم ويفسد العزائم والأخلاق!

هذا الكلام لا ينطبق على كلّ الطّلبة، فهناك طلبة كثر -ولله الحمد- استعصوا على موجة الفساد، أصحاب شخصيات قوية وعزائم لا تنثني، لا ينجرفون مع التيار.. يتحدّون الظّروف الصّعبة ويصنعون من اللّيمونة شرابا حلوا، ومنهم من يستغلّ إقامته في الحيّ الجامعي في نشر الخير ودعوة الطّلبة إلى ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم، ويعطي بنفسه المثال الحيّ على أنّ طريق الصّلاح هو أفضل طريق يؤدّي إلى النّجاح.

يبقى أن نؤكّد أخيرا على أنّ الجهات التي تحمّلت أمانة تسيير الأحياء الجامعية، تتحمّل المسؤولية في إصلاح واقع “الإقامات”! وانتشالها من المنحدر الذي تهوي فيه، لتتحوّل إلى أحياء علمية بدلا من الطّابع الغالب عليها الآن، أقصد كونها أحياءَ للأكل والنّوم وتمضية الوقت! الأحياء الجامعية في حاجة إلى نظام صارم يحفظ الصّبغة العلمية للإقامات ويحفظ الأخلاق والآداب العامّة، والطّلبة من جهتهم أحوج ما يكونون إلى التوعية بخطورة الاستهتار بهذه المرحلة المهمّة والحاسمة من أعمارهم.. الطّالب إن خرج من الجامعة كما دخل إليها فهو خاسر مغبون، كيف لو خرج منها أسوأ حالا ممّا كان عليه يوم دخل إليها؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!