الجزائر
"الشروق" تستطلع آراء مختصين وأكاديميين:

الإنجليزية لغة علم و”بزنس” وهي حتمية وليست اختيارا

وهيبة سليماني
  • 5511
  • 38

يأتي الحديث عن تعزيز اللغة الإنجليزية في الجزائر، في وقت تعيش فيه البلاد حالة من الاضطراب السياسي، والحراك الشعبي المتواصلة من أجل تجديد النظام بكفاءات شبابية وسد نوافذ الفساد انطلاقا من محاسبة رموز النظام القديم، حيث وقع سجال بين فئة من المثقفين والأساتذة والخبراء، في ما يخص هذه الخطوة، التي يعتبرها البعض ذهابا ضروريا وليس اختياريا يفرضه الواقع والعالم الرقمي، فيما يرى البعض الآخر التمهيد لتعزيز الإنجليزية في الوقت الراهن، ارتجالا ونوايا مبيتة تستغل الغليان السياسي.

ووصف بعض الأستاذة الجامعيين، في تصريح إلى “الشروق”، قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في ما يخص تنصيب فوج تفكير قطاعي، يضم مختصين في الميدان، ومسؤولين بالإدارة المركزية، قصد تقديم مقترحات عملية بخصوص تعزيز اللغة الإنجليزية، وتحسين مرئية النشاط التعليمي، والبحثي لمؤسسة التعليم العالي الجزائرية، وتفتحها على المحيط الدولي، بالخطوة الجادة التي تأتي قبل مسافة ألف ميل، داعين الوزير بوزيد الطيب، إلى تطبيق ما جاء في مراسلته إلى رؤساء الندوات الجهوية للجامعات، للإسراع في تنصيب فوج تفكير قطاعي خلال شهر سبتمبر المقبل.

خطوة بخلفية مبيتة لا تتناسب مع الظرف

ومن جهته، اعتبر أستاذ الترجمة في جامعة الجزائر، الباحث علي زيكي، أن خطوة وزير التعليم العالي، بوزيد الطيب، غير جادة، لأنها جاءت في وقت غير مناسب حسبه، حيث يرى أن تدريس اللغات يحتاج إلى استقرار سياسي ونظام قائم.

وقال زيكي إن الظروف غير مستقرة وغير مناسبة سياسيا وبيداغوجيا، ما يجعل خطوة تعزيز اللغة الإنجليزية سواء في المدارس أم الجامعات، ارتجالية وبنوايا خلفية مبيتة، مضيفا: “يجب النظر في تقسيم اللغات.. أعتقد أن كل اللغات متعادلة.. ثم إن المجتمع يعيش غليانا سياسيا. وللخروج من الأزمة، لا بد من مؤسسات قائمة وأفكار وخطط راسخة”.

وأكد الأستاذ في معهد الترجمة بجامعة الجزائر، علي زيكي، أن كلام وزير التعليم العالي، بوزيد الطيب، غير واضح وغير جاد في ما يخص خطوة تعزيز اللغة الإنجليزية، قائلا: “.. وكأننا نريد أن نمحو 130 سنة من وجود الاستعمار في الجزائر، ونخوض الأمور هكذا!.. اللغة الفرنسية تدخل في النسيج الاجتماعي للجزائريين، وتغيير الذهنيات يحتاج وقتا”.

واقترح الأستاذ زيكي أن تبقى الأمور كما هي في ما يخص وضع اللغات الأجنبية في المنظومة التعليمية في الجزائر، إلى غاية استقرار الوضع السياسي. وفي المرحلة القادمة بحسبه، يجب أن تشكل لجان بالمعنى الحقيقي و”ليس لجينة”، يقول، حيث دعا إلى تدريس كل اللغات وأن يترك اختيار إتقانها من طرف البعض حسب الميول الشخصي، والأرضية المهيأة لكل راغب في تعلمها، مشيرا إلى أن كل اللغات تفتح آفاقا ومجالات واسعة أمام من يتقن الحديث بها.

في السياق، دعا أستاذ الأدب العربي، الدكتور مصطفى بيطام، إلى تثمين فكرة تعزيز الإنجليزية في المدارس والجامعات ومعاهد البحث، وقال: “مسافة ألف ميل تبدأ بخطوة.. وخطوة تعزيز الإنجليزية لا بد منها”، حيث وصفها بـ”الذهاب الحتمي وليس الذهاب الاختياري”.

وأكد أن الأمر يحتاج إلى وقت، خاصة أن في ذهنياتنا كجزائريين لا تزال اللغة الفرنسية أثرا اجتماعيا ولدته مرحلة استعمارية دامت 130 سنة.

ويرى أن على الجزائر أن تواكب التطور وأن تغير بعض الذهنيات، وتعترف باللغات التي تأتي في الطليعة، مثل اللغة الإنجليزية. هذه الأخيرة، التي تواكب المستجدات والعالم الرقمي.

وحسب الدكتور بيطام، فإن الذين يرفضون ويقفون ضد خطوة تعزيز اللغة الإنجليزية خائفون على مناصبهم من أن تضييع، وهم خاصة الذين يتحدثون باللغة الفرنسية، مؤكدا أن هؤلاء يقاومون الآن من أجل إفشال مشروع تعزيز اللغة الإنجليزية، ويواجهونه بكل الطرق متحججين بالظرف الحالي.

وقال: “حان الأوان لنتعلم اللغات العالمية، ونتحرر من قيود الفرنسية، ونعترف بأن الإنجليزية وسيلة بحث وهي التكنولوجيا بعينها، ونحتاجها في الكثير من الأمور”.

اللغة الإنجليزية تملك أرضية عند الشباب الجزائري

وحول ذات الموضوع، أكد عضو لجنة التربية بمجلس الأمة، عبد الكريم قريشي، مدير معهد الأدب واللغات، عميد كلية العلوم الإنسانية بورقلة سابقا، أن تعزيز اللغة الإنجليزية ليس معناه إقصاء أو تهميش اللغات الأخرى، حيث يمكن بعد سنوات قليلة أن تصبح اللغة الصينية ضرورية للكثير من دول العالم.

ولكن حسبه، فإن الإنجليزية تملك أرضية عند فئة الشباب الجزائري اليوم، لأنه بحسبه، حتى عمال بسطاء وسائقو مركبات في مؤسسات خاصة يتقنون التحدث بالإنجليزية، ومن الضروري البدء في خطوة تعزيز هذه اللغة في المؤسسات التربوية والمعاهد قبل 2020.

وقال عبد الكريم قريشي: “من يرفض استعمال الإنجليزية في البحث العلمي، إنسان غير عاقل.. إن الذهاب إليها ضرورة وليس اختيارا”، مضيفا: “ليس معناه رفض اللغات الأخرى”. ودعا إلى تكوين أساتذة يتقنون جيدا اللغة الإنجليزية ويملكون أسسا علمية وبيداغوجية لتلقينها للتلاميذ والطلبة، معتبرا التكوين العالي، والتركيز على الجانب البيداغوجي أهم خطوة لتعزيز هذه اللغة.

وأوضح قريشي أن دور الأسرة مهم في تحبيب اللغة الإنجليزية لدى التلاميذ والطلبة، ولا بد، بحسبه، من البحث عن سبل تحضير الأسر الجزائرية لذلك.

خطوة عملاقة.. والإنجليزية هي الاتصال بالعالم

ورحب أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، الباحث محمد لحسن زغيدي، بقرار وزير التعليم العالي، بوزيد الطيب، المتعلق بتنصيب فوج تفكير قطاعي حول تعزيز اللغة الإنجليزية، قائلا: “خطوة عملاقة في مجال اللغات، إلى جانب خطوات خطتها الجامعة الجزائرية تجاه اللغات ككل واللغات الشرقية كالفارسية والتركية والصينية”. وهذا حسب الدكتور زغيدي، يتناسب مع سوق العمل وتطلع الجزائر إلى مرحلة حاسمة لمواكبة العالم والعصر والاتصال والتخاطب ما بين المصالح الدبلوماسية الدولية.

وقال إن الإنجليزية هي التعامل في جميع المجالات وإن العديد من دول العالم تتخذها لغة ثانية بما في ذلك فرنسا، حيث دعا بحسبه، وزيرها الأول مؤخرا، الطلبة في حفل تكريمهم، إلى تكريس الإنجليزية.

وأوضح الباحث في التاريخ، الدكتور زغيدي، أن تعزيز اللغة الإنجليزية ليس معناه التقوقع على لغة واحدة، ولكن أن تكون لغة ذات مكانة لائقة إلى جانب اللغة العربية في البحث العلمي، قائلا: “مساحة الجزائر تتطلب تنمية متعددة الجوانب وإن اللغة الإنجليزية ضرورية هنا، وهي لغة التواصل في قطاع المحروقات وفي الاستثمار والتنمية البشرية، في الفلاحة والزراعة والتجارة”. ويرى زغيدي أن تقوقع الكثير من الشخصيات الجزائرية داخل الفرونكوفونية، جعلهم أميين ويستنجدون بالمترجمين في الكثير من المناسبات واللقاءات العالمية، قائلا: “نحن لا ندعو إلى محاربة الفرنسية أو أي لغة أو التقوقع على الإنجليزية، ولكن نريد أن نجعل من هذه الأخيرة وسيلة ناجحة وسهلة لإيصالنا إلى المناسبات العالمية، وألا نبقى جهلة حينما نخرج إلى العالم.. الإنجليزية تساوي عملية بزنس وتساوي عملية استقطاب بشري للتنمية”.

الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا التيجاني:
الفرنكوفيل” هم أكثر المقاومين للغة الإنجليزية في الجزائر

قالت الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا التيجاني، إن كل تغيير يقابله بالضرورة مقاومة، مهما كانت بساطته وهذا حسب النظريات الاجتماعية، وإن مشروع تعزيز اللغة الإنجليزية في الجزائر، سيقاوم وسيكون نتائجه إما سلبية أو إيجابية، موضحة أن المقاومة لا تكون من طرف الذين يتحدثون بها بقدر مقاومة الذين يميلون أصلا للثقافة الفرنسية”الفرنكوفيل”.

وباركت مبادرة تعزيز اللغة الإنجليزية في الجامعات، مقترحة تنصيب لجنة لتعزيز اللغات الأجنبية ككل، تنبثق منها لجان صغيرة خاصة بكل لغة، حيث ترى الباحثة التيجاني، أن الإنجليزية لغة البحث العلمي، وأن قيمة الجامعة في عدد البحوث التي تصدرها في السنة، ولأن أغلب البحوث في الجامعات العالمية باللغة الإنجليزية، فإن هذه الأخيرة ضرورة لا بد منها.

وكشف أستاذة علم الاجتماع في جامعة الجزائر، ثريا التيجاني، عن مسألة هامة مطروحة في معاهد الترجمة وفي بحث معاهد البحوث، وهذا حكم تدريسها في معهدي اللغات الأجنبية، والترجمة، حيث لاحظت أن الذين يقومون ببحوث مترجمة من العربية إلى لغات أخرى أو العكس هم في الغالب لا يتقنون العربية، وهذا حسبها يستدعي تعزيز اللغة العربية بالدرجة الأولى.

وقالت التيجاني، “من المفروض أن اللغات الأجنبية تدرس في مؤسساتنا التربوية لتعزيز اللغة العربية، ولكن يحدث العكس”.

مقالات ذات صلة