-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

الإنسان هو “رأسمال” الكون

أبو جرة سلطاني
  • 425
  • 0
الإنسان هو “رأسمال” الكون

لم يستورد ذو القرنيْن شيئا من خارج أرضهم، وإنما نفّذ فكرة كانت تجول بعقولهم، وكانوا يعلمون أنها الوسيلة الوحيدة لصدّ هجمات يأجوج ومأجوج. ولكنّهم عجزوا عن إنفاذها لافتقارهم إلى الفعاليّة التي تجعل أحلام الأمس حقائق اليوم.

هل انتهت دروس ذي القرنيْن عند هذا الحدّ؟ أبدا؛ ما انتهت ولن تنتهي مهما اجتهد المفسّرون في تقليب صفحات حركته في الزّمن. فالقرآن يتجدّد مع حركة النّفس والمجتمع والتّاريخ؛ فلا تنفد أغراضُه ولا تنقضي عجائبه، فهو متحرّك مع حركة الإنسان، وحركة الإنسان في الحياة متجدّدة ولكنّها محكومة بالسّنن لا تخرج عنها ولا تغالبها، وإنجازات الإنسان فيها تُحسب بمقدار أخذه بالأسباب وبذله الجهد ومعرفته بالسّنن العاملة بمشيئة خالقها -جل جلاله- في إنفاذ أقداره.

فكلّما كانت حركة الإنسان أوسع في كون الله وأدوم في جريان أزمنته وأكثر اتّزانا وتصويبًا تلقاءَ الغاية المنشودة، كلّما كان حصاده أوفرَ وثمرته أكثر. هذا مع عامّة من يأخذ بالأسباب دون تفكّر في مسبّبها ومجريها في مُلكه. أمّا المؤمن فحركته مع الأسباب محكومة بالأوامر والنّواهي ومنضبطة بما يجوز وما لا يجوز. فالإنسان مأمور بالاجتهاد في إنفاذ أوامر ربّه في حدود الاستطاعة والانتهاء عن نواهيه جملةً والأخذ بالأسباب وعلى الله النّتائج.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم، كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم”. فإذا أطاع المؤمن ربّه والتزم بتكاليف شريعته أمرًا ونهيًا كان ذلك طريقا لتحصيل التّقوى والتّخلّص من الأنانيّة ومعانقة أشواق الورَع الذي يردّ كلّ فضل لله -جل جلاله-: ((قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)) (الكهف: 98)؛ فكلاهما رحمة من الله وكلاهما فضل منه وتوفيق..

  • فالتقوى تتجذّر في القلب بقدرة المؤمن على مداومة الفعل الصّالح.
  • الورع يتأصّل في الجوارح بقدرة المؤمن على ترك ما لا يليق بالإيمان.

بهذه المعاني الكبرى يصف القرآن الكريم انجازات ذي القرنين، ويصنّفها أعمالا صالحة من رحمة الله بمن يسّر الله لذي القرنيْن بلوغَ أرضهم بالمغرب والمشرق وما بين السدّيْن. فلو لم يهده الله إليهم ما وصلهم، ولو لم يمكّن له في الأرض ويؤته من الأسباب ما يعينه على فعل الخير ما قدّمه لنا أسوة لعمل صالح يسّره الله له وأجراه على يديْه كما يجريه على من يريد من المصلحين والسّاسة النّاجحين والقادة البارعين والعاملين المهتدين.. بصفات كليّة لا تخرج ـ في عمومها – عن معاني الحكْمة والحزْم ودقّة التّقدير وحسْن التّدبير.

وهي الصّفات التي يحتاجها كلّ قائم على تدبير الشّأن العامّ من المصلحين وكبار القادة الذين تحرّكوا في تاريخ البشريّة بعزم على إصلاح أحوال أممهم بإرادة مترفّعة عن الدّنايا وبعزم متعفّف عن قبض أجر عاجل وبحرْص شهْم على اجتناب ما يشين ورفع سقف العمل عاليّا بتجاوز الجدل إلى الفعل وتخطّي معارك التّلهيّة بعدم الخوض في الماضي وتحرّي العلم والعمل والعدل مع إخلاص وصواب. ثمّ استعانة بمن حوله ودعوتهم إلى التّعاون على عمل الخير وخير العمل. وبعد الإنجاز يُردّ الأمر كلّه لله والفضل كلّه لله رحمةً منه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!