-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الارتجال في اتخاذ القرارات التربوية المصيرية.. إلى متى؟

الارتجال في اتخاذ القرارات التربوية المصيرية.. إلى متى؟

لا يزال الارتجال في اتخاذ القرارات هو النهج المتّبع في مستوى وزارة التربية كما نتصور أن هذا النهج قد تخلت عنه الوزارة بعد المناقشات التي تمت في العام الماضي بخصوص التفكير في”إصلاح الإصلاح” والتي بيّنت لها أن ما نفذ من قرارات في العشرية الأخيرة بصفة متسرعة كان له انعكاس سلبي على سير التعليم، وعلى مستوى الأداء المدرسي وهو الذي سبب كثيرا من مظاهر التدهور التي يعيشها النظام التعليمي.

ومن الإجراءات الارتجالية التي أقدمت عليها الوزارة هذه السنة منذ بداية التحضير للموسم الدراسي الحالي، اتخاذ بعض القرارات المتسرّعة في مجال التسيير، نشير إلى قرارين اثنين من هذه القرارات:

القرار الأول ويتمثل في إجراء دورة تكوينية قصيرة للمرشحين الجدد للتعليم الذي يستولون على أقسام التعليم في الأطوار المختلفة مع بداية الموسم، والسؤال الذي يطرحه الكثير باستغراب هو: هل يمكن للمشرفين على التكوين أن يُعِدّوا معلمين في مستوى ما ينتظر منهم في فترة أسبوعين؟ وهي الفترة التي حددت لهذا التكوين بداية من16 أوت إلى نهاية الشهر، وهل يمكن لهم أن يزودوهم بالمهارات التقنية اللازمة والأساليب البيداغوجية الضرورية التي يطلب من المعلم الإلمام بها في هذه المدة القصيرة؟ 

لا نظن أن هذا أمرٌ ممكن، لذا كان المطلوب من الوزارة أن لا تتعجل في اتخاذ مثل هذه القرارات، وأن لا تقدم على التعامل مع هذا الموضوع بهذه الصفة الاستعجالية، كان المفروض أن لا تغامر بتكليف هؤلاء المرشحين للتعليم بمهام ليسوا مهيّئين لها، لأن فترة تهيئة المقبلين على ممارسة التعليم يجب أن لا تقل عن سنة، إذا كان مستواهم العلمي مقبولاً، أما إذا كان مستواهم بحاجة إلى ترميم كما هو الواقع، فإن فترة سنة غير كافية، وعلى هذا الأساس كان المفروض أن يسجل هؤلاء المرشحون للتعليم في فترة تربص تدوم سنة يتلقون خلالها برنامجا تكوينيا متكاملا، ولا تسند لهم مهمة التعليم إلا بعد إتمام البرنامج التكويني في السنة المقبلة. 

وفي هذه الحال، تعالج الاحتياجات المطروحة  في الميدان، ويُسدّ الفراغ باللجوء إلى المستخلفين والمتقاعدين في فترة انتقالية في انتظار تخرّج هؤلاء في العام المقبل، وبهذا نتجنب اتخاذ القرارات الارتجالية المتعلقة بتكريس المعلم وبمعالجة الإشكالات التي يعانيها التعليم، أما أنْ تقدم على توظيف أكثر من عشرين ألف معلّم بطريقة لم يعتمد فيها إلا على الانتقاء وفق الحوار الشفهي، ثم يدرج من قُبلوا في الوظيفة في فترة تكوين لم تدم إلا أياما قلائل، فهذا أسلوب لا يحقق للمدرسة ما ننتظره، ثم أنه يتناقض مع ما صرّحت به الوزيرة حين أكدت أن اهتمام الوزارة هذه السنة يضع التكوين ضمن أولوية الأولويات وخاصة تكوين إطارات التعليم الابتدائي.

القرار الثاني: هو القرار الخاص بمراجعة محتوى الكتب المدرسية وتقليص مضامينها وإعادة تنظيم أبوابها استجابة لشكوى أولياء التلاميذ من ثقل المحفظة وكثرة الكتب وكثافة المعلومات التي تتضمنها الكتب، إن هذا القرار ارتجاليٌ لا يقوم على أساس علمي أو تربوي.

إن الإقدام على تقليص مضمون الكتاب المدرسي في فترة استعجالية من دون أخذ الوقت اللازم للمراجعة والتحاليل، ومن دون الرجوع في ذلك إلى مؤلف الكتاب وإلى المختص في المادة العلمية وأخذ رأي المعلم في المضمون الذي يجب أن يبقى، إن مثل هذا العمل غير مقبول لأن مراجعة الكتاب تستلم الرجوع إلى المنهاج وإلى الأهداف وتحليل الوظائف التي يحرص عليها التعليم، ثم أن المواقيت المخصصة لكل مادة لابد أن تكون منسجمة مع الهدف ومع المحتوى المقرر، ومع قرارات التلاميذ، وهذا يتطلب دراسة مركّزة.

والإجراء الذي تم اتخاذه من خلال حذف بعض المعلومات أو إدماجها تصرّف غير سليم قد يؤدي إلى تشويه الكتاب وإلى خلط في تناول المعلومات، فقد تحذف بعض المعلومات على أساس أنها مكرّرة أو زائدة وهي في نظر المعلم أو المختصّ أساس في البناء التعليمي، وإذا كان الهدف من تقليص المضمون هو الحرص على تخفيف المحفظة كما يُردَّد في التعليق وهناك كتب يمكن اعتبارها كتبا زائدة بالنسبة لتلاميذ السنة الأولى، يجب الاستغناء عنها مثل كتاب التربية المدنية وكتاب التربية العلمية والتربية الإسلامية في السنة الأولى بالخصوص، لأن التلميذ في هذا المستوى لا يعرف القراءة فلماذا نرهقه بحمل كتب لا يقرأها؟ التلاميذ في مستوى السنتين الأولى والثانية لا يحتاجون إلا لكتابيْ القراءة والحساب أما الأنشطة الأخرى فيتمّ يتناولها عن طريق الحوار الشفهي، وكتاب التربية المدنية ليس وجوده ضروريا في محفظة التلميذ حتى في السنوات العليا لأن مضمونه يتعلق بالمضمون الأخلاقي الذي يجب أن يعيشه التلميذ في مستوى السلوك ويستطيع المعلم عن طريق الحوار اليومي أن يجعل التلميذ يستوعب هذا السلوك ويقتنع بأهميته، ولهذا نقول إن مراجعة الكتاب المدرسي يتطلب حلولا أخرى غير الحل الذي اعتمدته الوزارة من خلال حذف بعض المعلومات أو إدماجها، إن هذا الموضوع يتطلب تشكيل هيئة علمية تدرس الموضوع من جوانبه المختلفة، قبل التفكير في تقليص المضمون الذي يتألف منه الكتاب ويمكن لهذه الهيأة أن تقرر نوع الكتاب الذي يعتبر أساسا والكتاب الذي يمكن اعتباره غير ضروري للتلميذ إذ يكفي أن يكون لدى المعلم، مثل كتاب الجغرافيا في السنة الثالثة. هذا الكتاب ليس ضروريا بالنسبة لهؤلاء التلاميذ إذ يكفي أن يتناول المعلم في دروسه الشفهية أهم المعلومات التي يحتاجها التلميذ وتجعله يعيش واقعه ويدرك مظاهر محيطه.

إن الغاية التي نسعى إليها من وراء هذا التعليق هي أن نتجنب القرارات الارتجالية التي لا تقوم على دراسة، ولا تعتمد التحليل الموضوعي، لأن القرار الارتجالي يقودنا إلى الخطأ ويبعدنا عن الهدف الذي نسعى إليه.


*خبير في التربية والتعليم

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • معلم متقاعد

    الأفكار المطروحة من طرف السيد فضيل بديهية لكن ما زلنا نحتاج إلى هيئة شرعية تتابع خريطة الطريق التي تريد الإدارة اعتمادها إثر تغيير الوزير.هذه الهيئة المكونة من أصحاب الكفاءة العلمية والبيداغوجية تكون بمثابة مراقب فني يعتمد عليها المجلس الشعبي الوطني للموافقة على القرارات الجديدة.لكن الخطأ الأكبر كان لما أزيلت مدارس المعلمين التي كانت تهيئهم بعد التعليم المتوسط لأن نظام المعاهد التكنلوجية ما كان له لينجح نظرا لابتعاده عن المنهج القويم.إن عدم الاهتمام بتكوين مهني متين لا ينتج عنه إلا فشل المدرسة.

  • رضوان

    لو وسد الامر لأهله ماضاعت الأمانة فالامر ليس في الإستعجال بقدرماهو مرتبط بمعيار الإستوزار أما والسرعة في اتخاد القرار فهو من متطلبات العصر فالتطور التيكنولوجي الهائل اختصر الزمن فصار ماكان ينجز في سنوات ينجز في دقائق فالمطلوب :السرعة والدقة والسداد وإلا نحرنا الوقت فإنه أحد من السيف خاصة ونحن في مؤخرة الأمم .يجب ان تعالج قبل التفاصيل والاسباب قبل النتائج ،أما:[ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.حديث صحيح أخرجه مسلم] اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وتوفنا مسلمين .