-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاقتصادُ الجزائري في 2022.. المسيرة والحصيلة

د. عمر هارون
  • 1027
  • 0
الاقتصادُ الجزائري في 2022.. المسيرة والحصيلة

ها هي السنة تكاد تنتهي ولا يمكن أن نودّعها دون أن نحاول التأكيد على أهم المحطات الاقتصادية التي مررنا بها، خاصة أن رئيس الجمهورية وعد بأن التكون سنة اقتصادية بإمتياز، والأرقام والحقائق تؤكد أن النتائج التي وصلنا إليها أكدت بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام سنة تبعث على التفاؤل بمسار الجزائر الجديدة، سنة أكدت أن المسار سيكون حافلا في القادم من السنوات.

الجزائر.. استثناءٌ في العالم

قبل الحديث عن الجزائر وما قامت به الدولة في سبيل الخروج من الأزمات العالمية التي ضربت دول العالم خاصة ما تعلق بالكوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية، لا بأس أن نذكِّر أنفسها والقارئ الكريم أن هذا العام عرف مشاهدَ لم يكن أحد يتوقعها على غرار طوابير السيارات الراغبة في الحصول على البنزين في دولة كفرنسا، أو ارتفاع الأسعار لما يفوق 10 بالمئة في أوروبا كلها، وبيع رزم الحطب تحسبا للشتاء الحالي نظرا لعدم قدرة الدول الأوروبية على توفير الطاقة لمواطنيها، الطاقة التي ارتفعت تكلفتها في دولة كألمانيا من 1600 يورو سنويا إلى حوالي 4700 يورو مما اضطر الحكومة الألمانية لتخصيص حزم مساعدات طارئة للمواطنين، تضخّمٌ جعل الحاجات الأسبوعية لدى عائلة صغيرة تقفز في الدول الاسكندينافية من 50 يورو إلى 80 وحتى 90 يورو أسبوعيا، وجعل التضخم يصل في دولة مثل تركيا إلى 80 بالمئة وأكثر.

الطاقات الاحفورية نحو تأكيد المكانة

إن الجزائر دولة تعتمد في مداخيلها على الطاقات الاحفورية بحجم يصل إلى 95 بالمئة من العائدات ومع تطور الأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت على تموين روسيا لأوروبا بحوالي 140 مليار متر مكعب، تحوَّلت الأنظار نحو الجزائر التي لم تكن تتجاوز صادراتها إلى أوروبا 11 بالمئة في حين أن روسيا كانت تمون أوروبا بـ40 بالمئة، وها هي سونطراك تخصص برنامج يمتد 5 سنوات وقدرت قيمته بـ40 مليار دولار لتطوير البنى التحتية وتجديدها خاصة أن الجزائر هذه السنة اعتُبرت الأولى عالميا من ناحية اكتشافات الطاقة الاحفورية، وهو ما جعل رئيس الجمهورية يؤكد ضرورة تطوير الإنتاج من حدود 102 مليار متر مكعب إلى 150 مليار متر مكعب لتطوير صادراتنا من 50 مليار إلى 100 مليار متر مكعب، وذلك برفع الإنتاج وتخفيض الاستهلاك المحلي كما أن التعويل على تصدير الكهرباء من خلال كابل بحري بيننا وبين إيطاليا على مسافة 270 كلم يضاف إلى تطوير البنى التحتية لتأمين تصدير كميات أكبر من الغاز، كما يجب أن لا ننسى الغاز النيجيري الذي سيمرُّ عبر النيجر وصولا إلى الجزائر ثم أوروبا والذي يمكن أن نصدِّر من خلاله 30 مليار متر مكعب، ولعل بوادر العمل المشترك مع شركائنا كان بتوقيع الاتفاق بين سونطراك وايريكسون توتال اينارجي وايني بمبلغ 4 مليار دولار السنة الجارية، خطوات تؤكد على حرص الجزائر على تطوير بناها التحتية في الطاقة الاحفورية وسيصل الأمر إلى الطاقات المتجدِّدة.

نحو انطلاق العملاق النائم

لا يمكن أن نغفل أن الجزائر تأخرت في إطلاق استثمارات قادرة على سدِّ الحاجات الداخلية ولِــمَ لا التحول نحو التصدير، لكن المصادقة على قانون الاستثمار الذي أعطى ضمانات كبرى للمستثمرين أهمها تحويل وصاية الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار إلى الوزارة الأولى وإطلاق منصة رقمية لمتابعة الاستثمار وبعث هيئة للطعون على مستوى رئاسة الجمهورية، كلها خطوات أعطت المستثمرين أريحية في التعامل مع ملف الاستثمار خاصة أنَّ المرحلة القادمة تتعلق بإطلاق وكالات وطنية للعقار الاقتصادي والذي سيكون مسيَّرا بشكل رقمي ومتابعة حثيثة لها المجال من القاضي الأول في البلاد، إذ أن الخرجات الدبلوماسية التي قام بها كانت أهمَّ محطات في الترويج للجزائر كمركز استثماري مهمّ في شمال إفريقيا، نظرا للإمكانات الموضوعة تحت تصرُّف المستثمرين على غرار الشباك الوحيد على المستوى الوطني ومنح الضوء الأخضر للجهاز البنكي لتمويل الاستثمارات الجادّة. إن الجزائر اليوم من خلال البنى التحتية التي تمتلكها والموقع الجغرافي الذي تحتلّه وقابليتها للتعامل مع كل الشركاء التاريخيين يؤكد أن الوضع الاقتصادي يتجه نحو التحسن خاصة فيما يتعلق بالاستثمار، ولعل المعركة الكبرى التي تم التعامل معها في هذه المرحلة كانت معركة محاربة البيروقراطية.

هذا العام عرف مشاهدَ لم يكن أحد يتوقعها على غرار طوابير السيارات الراغبة في الحصول على البنزين في دولة كفرنسا، أو ارتفاع الأسعار لما يفوق 10 بالمئة في أوروبا كلها، وبيع رزم الحطب تحسبا للشتاء الحالي نظرا لعدم قدرة الدول الأوروبية على توفير الطاقة لمواطنيها، الطاقة التي ارتفعت تكلفتها في دولة كألمانيا من 1600 يورو سنويا إلى حوالي 4700 يورو مما اضطر الحكومة الألمانية لتخصيص حزم مساعدات طارئة للمواطنين.

معركة السِّلع واسعة الاستهلاك

لا أظن أن المواطن البسيط كان يؤمن بالجهود التي تبذلها الدولة وهو لا يجد كيس حليب، وكيلوغرام سميد، وقارورة زيت وغيرها من المواد واسعة الاستهلاك، التي عاش الجزائريون خلال سنة 2022 فترة حدث في توزيعها اضطراباتٌ كبيرة، لكن تدخل رئيس الجمهورية وهيئات الدولة من خلال قانون مكافحة المضاربة كان عملية دقيقة استطاعت من خلالها مختلف الهيئات إعادة الأمور إلى نصابها وتحويل المحنة إلى منحة أكدت فيها مصالحُ الدولة المختلفة أنَّ تشخيصها للأمور وطريقة تعاملها لحلها دقيقٌ بشكل كامل، وهو ما يجعل ثقة المواطن تعود وتتطوَّر في مختلف المصالح، وهو عنصرٌ أساسي في عملية الحكم الراشد، فالقدرة على تقديم وعودٍ للشعب والوفاء بها تجعل المواطن يتأكد بما لا يدع مجال للشك أن السلطات العليا للبلد تجعل المواطن أولوية وأنها العين الساهرة على توفير كل ما يكفل له الحياة الكريمة، وهو شعارُ الرئيس الذي أكد دوما من خلال مختلف خرجاته ولقاءاته أن المواطن هو أساس الدولة والعنصر الأهم في أي معادلة حُكم.

قطاع الفلاحة.. السلاح الأبدي

صحيحٌ أن الجزائر دولة نفطية لكننا تأكدنا أنه لا يمكن لنا أن نتطور إلا من خلال قدرتنا على توفير قوتنا، وهو ما جعل رئيس الجمهورية يتخذ مجموعة من الإجراءات في مجال الفلاحة على غرار رفع أسعار استقبال الحبوب من الفلاحين بين 20 إلى 30 بالمئة، مع تخفيض أسعار البذور والأسمدة بـ50 بالمئة، يضاف إلى ذلك رفع من حجم التخزين وإجبار الفلاحين على بيع إنتاجهم للديوان الوطني للحبوب، كما أكدت الدولة على رؤيتها الإستراتيجية من خلال بنك البذور الذي أشرف على إطلاقه الوزيرُ الأول، مع السماح باستيراد الجرارات المستعمَلة للفلاحين، والعمل على مرافقة الفلاحين والمؤسسات الفلاحية بمنحها الأراضي والمساعدات المالية لرفع الإنتاج، وهو ما أكده رئيس الجمهورية خلال معرض الإنتاج الجزائري الذي شهد مشاركة 600 مؤسسة وطنية عارضة.

سنة جني النتائج بإذن الله

إن الصعب هو القدرة على إطلاق ديناميكية حقيقية في أي اقتصاد، والتأكيد على أمكانية تحويل ما كان يبدو مستحيلا إلى حقيقة، وهو ما تمكنت الجزائر من تحقيقه خلال 2022، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات التي أكدت للعدو والصديق أن الاقتصاد الجزائر على المسار الصحيح، ويتوجه نحو تحقيق قفزات نوعية خلال المدى المتوسط، وإطلاق مشاريع من حجم غار جبيلات لخير دليل على ذلك، أما القادم بالتأكيد أنه سيكون في مصلحة الجزائر ومواطنيها، خاصة أن الجزائر خصصت خلال 2023 ميزانية هي الأكبر على الإطلاق ناهزت 100 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن التوجه العام ينحو نحو تأكيد ما بدأناه خلال 2022، والكل يعلم أننا بصدد إنهاء السنة بـ55 مليار دولار عوائد نفطية وحوالي 7 مليار دولار صادرات خارج المحروقات مع تعافي احتياط النقد الأجنبي مع مستويات تضخُّم وبطالة متميزة مقارنة بما هو حاصل في العالم خاصة بعد إقرار منحة البطالة، يضاف إلى ذلك التوجه نحو رفع الأجور وتحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، كل هذا والجزائر على بُعد أشهر من الانضمام لمجموعة “بريكس”، الحمد لله على كل ما تحقق في 2022 ونأمل الأفضل في العام 2023 بحول الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!