-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتخابات النزيهة ليست حلا؟!

حسين لقرع
  • 823
  • 7
الانتخابات النزيهة ليست حلا؟!
أرشيف

يروِّج بعض المعارضين الجزائريين المقيمين في الخارج، والذين أدمنوا رفضَ كلّ ما يأتي من السلطة، لفكرةٍ غريبة هذه الأيام مفادها أنّ الانتخابات التشريعية القادمة لن تكون بداية الحلّ في ظلّ بقاء النظام الحالي حتى لو كانت حرّة ونزيهة؟!

لو شكّك هؤلاء المعارضون في نزاهة الانتخابات القادمة، لفهمنا الأمر، لكنّ أن يقولوا إنّها لن تكون بداية للتغيير حتى لو جرت بكلّ شفافية، فهذا ما لا يمكن فهمُه؛ في كلّ الدول التي تسمح بإجراء انتخاباتٍ نظيفة، يتحقّق تدريجيا الانتقالُ الديمقراطي السلس وتداولُ الحكم بين السلطة والمعارضة، ويحدث التغييرُ وفق الإرادة الشعبية بمرور الوقت، ويكون للشعب ممثلون حقيقيون في البرلمان وحكوماتٌ نابعة من الأغلبية، فلماذا تكون الانتخابات الحرّة في تلك البلدان أداة للتغيير ولا تكون كذلك في الجزائر؟!

الانتخابات التي لا تُحدِث التغيير هي الانتخابات المزوَّرة التي تحدِّد السلطة نتائجها مسبقا وتمنح فيها الأغلبيةَ الاصطناعية لأحزابها التي تدور في فلكها، مهما بلغ ضعفُ شعبيتها، وهذا فعلته السلطة مع جبهة التحرير والأرندي في 10 مواعيد انتخابية تشريعية ومحلية منذ 1997 إلى 2017، وقد رأينا النتائج الوخيمة لهذا التزوير المزمن والفاضح؛ إذ غرقت البلاد في الاستبداد والفساد والتخلّف، وزهد الشعبُ في الانتخابات وأضحت أعدادُ المقاطعين لها تزداد من اقتراع إلى آخر، حتى بلغت نسبة العزوف 77 بالمائة في استفتاء 1 نوفمبر 2020، ونعتقد أنّ السلطة قد استخلصت الدرس جيّدا من هذا العزوف المتصاعد، ولن تكرّر الممارسات السابقة لفائدة جبهة التحرير والأرندي في التشريعيات القادمة، وهي تعلم إلى أيّ درجة أصبحا منبوذين شعبيا، وقد لا تفعل ذلك مع أيّ بديل آخر يطرح نفسه بشكل انتهازي مقيت، لأنها تعرف أنّ الانتخابات القادمة هي آخرُ فرصة للاستجابة لرغبة الشعب العميقة في التغيير، وإذا أضاعتها بمنح الأغلبية الاصطناعية لأيِّ تنظيم انتهازي يطرح نفسه بديلا للحزبين المنبوذين، فستفقد الانتخاباتُ صدقيتها نهائيا ولن يصدّق الشعبُ بعدها أنها يمكن أن تشكّل أداة للتغيير السلمي الحضاري، وسيتراكم الاحتقان الشعبي، وستحلب السلطة بذلك في إناء المعارضين الراديكاليين الذين يقودون الحَراك وينادون بذهاب النظام وإقامة مرحلة انتقالية ومجلس تأسيسيّ يعيد صياغة أسُس الدولة جذريا.

انطلاقا مما سبق، نعتقد أنّ السلطة ستختار أيسر الحلّين، وهو التغييرُ التدريجي الهادئ عن طريق السماح بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، حتى لو قادت إلى فوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية وتشكيل حكومة لأوّل مرّة منذ إقرار التعددية في فيفري 1989، فذلك أفضل وأكثر أمانا من تأجُّج الشارع بملايين المتظاهرين مجدّدا.

إذا كان هناك مطلبٌ ينبغي أن ترفعه الأحزابُ السياسية والشخصيات الوطنية وكل الجزائريين الغيورين على استقرار وطنهم، في الداخل والخارج، وأن يناضل الجميعُ لأجله حرصا على حلّ الأزمة وإحداث التغيير الهادئ، فهو الإلحاحُ على ضرورة إجراء انتخابات نزيهة، يختار فيها الشعب ممثليه كما يشاء، حتى يتحقّق التغييرُ التدريجي كما حصل في العديد من بلدان العالم، فذلك أدعى إلى تهدئة الشارع وتحقيق الاستقرار.

أمّا الإدّعاءُ بأنّ الانتخابات لن تغيّر الوضع ولو كانت حرة ونزيهة في ظلّ الأوضاع الحالية، فهوّ تطرّفٌ سياسي مقيت وعدمية وسوداوية وإمعانٌ في تيئيس الشعب؛ فما الذي يمنع المعارضة من تغيير الدستور وشتى القوانين وإقامة دولة القانون والفصل بين السلطات وإطلاق الحريات… إذا وصلت إلى السلطة عن طريق الانتخابات كما يفعل حزب التنمية والعدالة في تركيا منذ سنة 2002 إلى الآن؟ قد لا تتشابه الظروف، ولكنّ النضال لتحقيق أنموذج مشابه أفضل من تيئيس الناس من الانتخابات حتى لو كانت حرّة ونظيفة، بهدف الترويج لفكرة المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي مع أنّها قد تتسبّب في انقسامات مجتمعية وصراعات إيديولوجية حادّة تُدخل البلاد في متاهاتٍ خطيرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • Imazighen

    صحيح ولو تكون الانتخابات نزيهة فلا يأتي من الغرفة السفلى اي تغيير يذكر، والسبب الجهاز التنفيذي وفق الترسانة القانونية المكرسة لم يترك إلى البرلمان اي منفذ مستقل، ووفق بروتوكول التصويت لن تكون هناك أغلبية بل فسيفساء هجينة، لاحزاب مطعون فيها وبالتالي تصبح الأصوات مشتتة بالرغم من قلتها، لا تحاول إقناع نفسك بارساء ديمقراطية، يا هذا انت في الجزائر...

  • ابن الجبل

    قل لنا بصراحة ، متى جرت انتخابات حرة ونزيهة في الجزائر منذ الاستقلال ؟! واذا كانت الانتخابات النزيهة ليست حلا كما تقول .. فأين هو الحل اذن ؟؟؟ قبل أي شيء آخر ، لا بد من استعادة ثقة المواطن، الذي ملّ من الوعود ...!!!!

  • benchikh

    تحليل في القمة يا سيد حسين droit au but .والسؤال الذي يطرح نفسه هل سينجح هذا النظام الذي فرض نفسه على العامة ان يجد لنفسه شرعية حقيقية في وقت لم يبقى منه الا القليل .

  • ياسين

    هناك أطراف تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ووحدها التي تعرف السياسة والباقي قطيع يجب أن يقاد ولا يناقش أمر القياد؟؟؟ هؤلاء هم الذين يروجون للانتقالية والمجلس التأسيسي ليس لتاسيس البلد على اسس جديدة وإنما لتخريب أسس الدولة والمجتمع على حد سواء وحينها لا تبقى لا دولة ولا مجتمع؟ هؤلاء الذين ينشطون في الخفاء كما الخفافيش يظهرون فقط في الظلام ويخافون النهار من الانكشاف؟ لذا هم يدعون إلى المقاطعة والبعض منهم كان يشارك في المحاصصة في العهدات السابقة؟؟؟

  • Brahim mohammy

    اه اه لو تقنعني فقط بقيمة البرلمان في بلادنا..
    برلمان يحل داىما في الضلام و بجرة قلم الزعيم الدي لا يخطىء أبدا.( 1991/2021).
    ثم ادا كان الدستور لم يقنع احدا...فما قيمته في الحياة السياسية!!

  • عمار البريكي

    صراحة البرلمان الجزائري تبذير لاموال الشعب والامة لا فائدة منه الارفع الايدي والمطالبة بصلاحيات اكبر علي حساب مصلحة الجزائر العليا -المطالبة بزيادة في الرواتب وجوازات للسفر الي الخارج بدون دفع مقابل الخ......-
    برلمان القيل واقال وكثرة السؤال لم تخرج منه برامج او خطط لانقاذ البلاد من ازمتها الخانقة التي تتخبط فيها منذ 30 سنة.
    ارجو من الدولة ان تكتفي بمجلس الامة فقط للمصادقة علي المشاريع مع توسيع صلاحيات رئيس الدولة في الشؤون الخاصة الخارجية والداخلية
    لا لبرلمان عقيم جامد

  • محمد العربي

    ما بني على باطل فهو باطل يا استاذ