الرأي

الانتخابات النظيفة بداية الحل

ح.م

لا يختلف عاقلان على أنّ استعجال الذهاب إلى صناديق الاقتراع والعودة إلى الشرعية المؤسساتية هو الخيار الأصوب والأسلم لتأمين مصير البلاد ومصالح العباد، وهو ما صار عموم الجزائريين يدركون أهميته بكل وعي، بعيدا عن خطابات الفوضى والعدميّة التي تطلقها أبواق الأجندات المشبوهة في الخارج ويتردّد صداها في الداخل.

لكنّ ذلك لا يعني أن تتحوّل الانتخابات المنشودة من وسيلةٍ إجباريّة لإضفاء الشرعية الشعبية على الحكم إلى غاية في حدّ ذاتها، بهدف إعادة إنتاج النظام عبر استحقاقٍ صوريّ يعيد الجزائر إلى مربّع الصفر.

وعليه، وجب الدفع السياسي والإعلامي نحو الانتخابات الشفّافة التي تعبّر عن الإرادة الشعبية الحرّة، وما يقتضيه ذلك من التشبُّث بآليات ضمان نزاهة العملية الانتخابية على المستوى القانوني والتنظيمي والمادي والإداري، لأنّ المخاوف من التلاعب بأصوات الجزائريين مشروعة إلى أن يثبت العكس.

 وإذا كانت مناورات الساعين إلى إحداث الفراغ المؤسساتي مرفوضة لاعتبارات واقعية، فإنه لا يمكن الاستخفاف بتحفظات المتوجسين من سيناريوهات الماضي القريب، لأنّ زخم الحراك الشعبي الثوري فرصة تاريخية لا تتهيأ ظروفُها وشروطها إلاّ على مرّ السنوات، وربما عقود من صناعة الوعي وبثّ الأمل في التغيير.

المعطيات تؤكد الآن أنّ مشروع السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، وهو حجر الأساس في المنظومة القانونيّة للمسار الانتخابي، صار جاهزا للعرض على الطبقة السياسية والرأي العام، فوجب التوجّهُ بجدية وتجرّد وطني لمناقشة المضمون وإثراء المحتوى، ربْحًا للوقت، ولا نظنّ أنّ المسائل التقنية والإجرائيّة بحاجة إلى جدال يستغرق سنوات، فليست الجزائر أول بلد في العالم ينظّم انتخاباتٍ على هذا المنوال.

نعتقد أنّ الدافعين بكل الطرق إلى التعطيل الانتخابي، ومهما تكن خلفياتُهم وأسبابهم، لن تكون لهم حجة مقنعة أمام الشعب، لو يحصل توافقٌ واسع حول قانون الهيئة الجديدة، ما يجعل فحواه المرتقَب اختبارا فعليّا لإرادة السلطة في إعادة الكلمة للمواطنين لتقرير مستقبلهم بكل حرية.

وحين نشدّد على أهمية “اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات” في تأمين مكاسب الحَراك، فلا يعني ذلك أنَّها ستكون لوحدها المفتاحَ السحري لإنهاء أزمة الحكم والشرعيّة في بلادنا، بل الأمر يتوقف كذلك على صدق الإرادة العليا في الانصياع لمطالب الجزائريين، والمؤشرات بهذا الصدد ستترجمها التدابير القبليّة المرتبطة بتشكيل حكومة جديدة مقبولة شعبيّا، فضلا عن خيارات فريق “السلطة الانتخابية” وأعضائها مركزيا ومحليّا.

لقد صار الرهان اليوم محصورًا بين التفرّغ سريعًا من الإشكالات القانونيّة الخلافيّة، موازاة مع تجسيد الإجراءات السياسيّة المُطمئنة على تكريس النصوص، لأنّ بلاء الجزائر جاء دومًا من حيل اللصوص.

 زيادة على ما سبق، فإنّ الضمانة الأساسية لنجاح الحَراك هي استمرار التجنّد الشعبي بكل مسؤولية، لاستكمال مشوار الانتقال الديمقراطي الشاقّ، لأنّ الاقتراع النظيف، حتّى في حال تجسيده، ليس سوى خطوة أولى على طريق طويل ومحفوف بالمكاره الثقافية والذهنية والنفعيّة والإقليمية والدوليّة.

على الجزائريين أنْ يحسموا أمرهم دون تردّد في طيّ صفحة الرئاسة المؤقتة، لأنّ استهلاك الوقت دون بروز حلولٍ جذريّة طال أمدُها، يُعدّ مغامرة خطيرة غير مأمونة العواقب ولا النتائج المأمولة، لذلك لم نتردّد مرارا في التأكيد على سلك الخيارات الآمنة والعقلانية وفق قاعدة “ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه”، ولإيماننا الراسخ، وفق التجربة التاريخية للشعوب، أنّ الإصلاح السياسي والتغيير والانتقال عملية شاملة ومتكاملة ومتداخلة تقتضي الكثير من الترويض على الفعل الديمقراطي.

مقالات ذات صلة