-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في كواليس التاريخ بشير شيحاني

“البؤرة الأولى”.. في طور الهجوم.. (3/2)

محمد عباس
  • 4927
  • 0
“البؤرة الأولى”.. في طور الهجوم.. (3/2)

انكب بشير شيحاني قائد منطقة أوراس -النمامشة بالنيابة على تحسين الوضعية المالية، علما أن صندوق المنطقة كان مطلع 1955 شبه فارغ، ناهيك أن رفاق مصطفى بن بوالعيد وجدوا صعوبة في توفير مصاريف رحلته إلى طرابلس في أواخر يناير من نفس السنة (حسب شهادة سالم بوبكر). وقد بدأت الوضعية تتحسن فعلا ابتداء من فبراير الموالي…

  • ويؤكد ذلك تقرير شيحاني في صائفة ذات السنة الذي يشير إلى أن نفقات التموين خلال شهري يونيو ويوليو فقط بلغت 10 ملايين فرنك (قديم).
  • وإلى جانب ذلك واصل عمله التنظيمي بتوجيه تعليمات لمسؤولي النواحي، يطلب منهم إجراء إحصاء عام كل بناحيته، لمعرفة أنصار الثورة والواقفين منها على الحياد، فضلا عن الخونة وعساكر وڤومية جيش الاحتلال، مع التنبيه إلى ضرورة مقاطعة المشتبه في مواقفهم..
  • ولتنظيم العلاقات بين الثوار وضع “دفتر المجاهد” لتحديد واجباتهم وحقوقهم، وتفادي ما يمكن أن يطرأ من مشاكل بين رفاق السلاح. وتميزت علاقاته بمساعديه بالتشجيع على تحمل المسؤولية، ويؤكد ذلك عاجل عجول الذي يقول في هذا الصدد: ” فوضنا كامل الصلاحيات لمواجهة المشاكل بعين المكان، ملحا بصفة خاصة على أولوية المبادرة الثورية”.
  • وقد شكل بمقر القيادة في الڤلعة (جنوب خنشلة) أمانة عامة تتوفر على وسائل الرقن (باللغتين العربية والفرنسية)، يشرف عليها نور الدين خلادي بمساعدة حسين أمعارفي.. وكانت الأمانة العامة فضلا عن نشاطها الإداري العادي تصدر دورية بعنوان “الوطني” (لوبارتريوت)، كما أصدرت عددا خاصا من “الجزائر الحرة” (لسان حركة الانتصار قبل أزمة الانقسام)، أرسلت نسخة منه إلى مسؤولي الثورة بالعاصمة، ووزع الباقي على مراكز جيش الاحتلال والإدارة الاستعمارية، وكانت أمانة المنطقة تولي على الصعيد الدعائي أهمية خاصة للوحدات الأجنبية في في جيش الاحتلال، مثل اللفيف الأجنبي والطابور المغربي والطلائع السنغالية… إلخ.
  • التدريب على الطاعة
  • ونظرا لأهمية العمل السياسي، كان شيحاني يوليه أهمية خاصة:
  • 1 ـ فعلى صعيد تدريب المواطنين على طاعة جبهة وجيش التحرير الوطني قام بعدة مبادرات نذكر منها:
  • 1 – دعوة المواطنين إلى مقاطعة التبغ في منشور بتاريخ 10 أبريل 1955. ولضمان نجاح العملية أمر المجاهدين بأن يبدأوا بأنفسهم، وتم ذلك فعلا. وما لبثت آثار ذلك أن ظهرت عليهم مثل: توقف سعال البعض، وقلة إجهاد البعض الآخر، ونضارة سحنات الجميع!
  • واعتمد التدرج في إلزام المواطنين بالمقاطعة:
  • ـ خصص أسبوعين للتحسيس بواسطة مناشير، تؤكد أن الاستعمار يوظف عائدات التبغ في شراء قنابل لتقتيل الشعب!!
  • ـ خصص أسبوعين إضافيين لتعويد المواطنين على المقاطعة.
  • ـ توجيه ثلاثة إنذارات إلى المتمادين على التدخين، متبوعة بالتغريم أو التأديب في حالة عدم الامتثال.
  • 2 ـ إعلان 5 يوليو 1955 -ذكرى احتلال الجزائر- يوم حداد وطني.
  • 3 ـ تنظيم “يوم مفتوح على الثورة” بوادي هلال في غضون الأسبوع الثالث من سبتمبر 1955، من أهدافه -فضلا عن التعريف بالثورة ورجالها- كسب أعيان أعراش شرق المنطقة خاصة، وتحريرهم من نفوذ القياد الموالين لإدارة الاحتلال، “وتوريطهم” بتناول الكلمة في المهرجان الخطابي الذي انتظم بالمناسبة وتوزيع الأوسمة عليهم..
  • وقد فتح شيحاني المهرجان -بحضور زهاء 300 مدعو- بخطاب طويل أكد فيه على:
  • ـ شمولية الثورة الزاحفة والبعد المغاربي للكفاح المسلح، مستدلا على ذلك بوجود مقاتلين من تونس والمغرب في صفوف جيش التحرير الوطني.
  • ـ المشروع الإنمائي للثورة بما فيه من إصلاح زراعي، وتصنيع مكثف، وتطوير التعليم، والقضاء على ثالوث الأمية والفقر والمرض.
  • ـ العصيان المدني في شقيه القضائي والضريبي خاصة، مع التأكيد مجددا على ترك التدخين والكحول والقمار… إلخ..
  • ـ وعلى صعيد الرد على مزاعم صحافة الاحتلال حول الأحداث الجارية بالجزائر منذ فاتح نوفمبر 1950، وجه بيانا إلى مواطني المنطقة لتنفيذها بالحجة والدليل القاطع، ولم ينس في هذا الصدد الرأي العام الفرنسي، موظفا أسرى جيش التحرير الذين وجهوا نداء إلى الشعب الفرنسي، كي يتفهم الأسباب العميقة التي دفعت الثوار إلى حمل السلاح ضد نظام الاحتلال.
  • ولم يترك الذكرى الثانية لعزل سلطان المغرب محمد بن يوسف تمر هكذا، بل استغلها لتوجيه منشور إلى جنود الطابور المغربي العاملين في صفوف جيش الاحتلال، لتذكيرهم بهذه الإساءة البالغة إلى سلطانهم، ودعوتهم إلى العودة لبلادهم للمشاركة في تحريرها من الحماية الفرنسية.. وكان ذلك في أواخر أوت 1955…
  • تجديد الاتصال بالوفد الخارجي
  • وحرص قائد الأوراس بالنيابة على تجديد الاتصال بالمناطق الأخرى، وبالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني في أحسن الآجال.
  • ففي ربيع 1955 تمكن من الاتصال مجددا بزيغود يوسف في المنطقة الثانية، وبعبان ورفاقه في الجزائر العاصمة. كما تمكن في يوليو من نفس السنة من الاتصال بأحمد بن بلة في القاهرة، بواسطة الشهيد عبد الكريم هالي الذي سلمه بالمناسبة رسائل من شيحاني.. وقد تلقى في غضون الأسبوع الثاني من أوت الموالي أول رد من القاهرة بواسطة محمد التكوكوي الذي رافق هالي في مهمته، وكان عبارة عن رسالتين من بن بلة وأحمد مهساس، وقد حجزتا في معركة الجرف الشهيرة وسرب مضمونهما إلى صحفية “لوموند” آنذاك.
  • وقد توالت مراسلات شيحاني إلى جماعة القاهرة قبل المعركة المذكورة بواسطة مبعوثين أمثال عبد الله اليعقوبي وعثمان حوحة…
  • وساهم قائد الأوراس بالنيابة في تأسيس “جيش تحرير المغرب العربي” عبر رافده الشرقي: “جيش التحرير التونسي”، ففي أواخر يوليو 1955 كون بجبل العنق وحدة من 50 مقاتلا جزائريا، وضعها تحت قيادة ثائر تونسي يدعى عبد المؤمن، من جناح المقاومة التونسية الرافض لترك الكفاح المسلح في إطار “إتفاقية الاستقلال الداخلي”.. وقد كلفت هذه الوحدة بمناوشة عساكر الاحتلال داخل التراب التونسي…
  • وفي بداية أوت الموالي كون فصيلة مختلطة (من 20 جزائريا و10 تونسيين)، عين على رأسها الشهيد الجيلاني بن عمر الذي كلفه كذلك بالإشراف على وحدة عبد المؤمن باسم “جيش تحرير المغرب العربي”.
  • وكان يحضر في هذا الإطار لاجتماع مع قادة الجناح التونسي الرافض لوضع السلاح وفي مقدمتهم المجاهد الطاهر الأسود.
  • الاعتماد على  النفس في التسليح
  • وعلى الصعيد العسكري، كانت الاتصالات مع الوفد الخارجي جارية على قدم وساق، لتنظيم عملية الإمداد بالسلاح انطلاقا من مصر عبر ليبيا وتونس، وكان منسق هذه العملية ابتداء من ربيع 1955 هو الشهيد أحمد بوزيد. غير أن هذه العملية الحيوية لم تكن قد انطلقت يومئذ بالكثافة المرغوبة، تماشيا مع طموح شيحاني ورفاقه الذين لم يكونوا راضين عن جهود بن بلة ورفاقه تمام الرضى، وكانوا يرون أن غنائم جيش التحرير بمنطقة الأوراس ما تزال أهم وأجدى من الأسلحة الموعودة.
  • وفي انتظار انطلاق عملية الإمداد -من مصر خاصة- بالفعالية المنتظرة، بادر شيحاني في بداية يوليو 1955 بتنظيم شراء الأسلحة التي بحوزة التونسيين في المناطق الحدودية، بعد فشل محاولة الزين عباد الحصول عليها عنوة قبل شهرين من ذلك. وقد أسندت العملية إلى الشهيد الجيلاني بن عمر الذي حقق نجاحا ملحوظا بمساعدة الشهيد السعيد عبد الحي. دخلت الكميات الأولى من هذه الأسلحة في منتصف يوليو عن طريق جبل العنق، تلتها دفعة ثانية في غضون الأسبوع الثاني من أوت، وثالثة في منتصف سبتمبر الموالي.
  • تحية إلى “باندونغ” .. من قلب الأوراس..
  • وكان شيحاني قد قرر في ربيع 1955 الانطلاق بجيش التحرير في عمليات هجومية اعتمادا على غنائمه من أسلحة العدو أساسا.. وربط هذه العمليات بمناسبة هامة بالنسبة للقضية الجزائرية: افتتاح مؤتمر باندونغ (أندنوسيا) في 18 أبريل.. فقد حيا المناسبة بمهاجمة 10 مراكز للعدو في ليلة واحدة.
  • وتزامنت مع المناسبة وأعقبتها عمليات جريئة مؤلمة لجيش الاحتلال بمنطقة الأوراس، نذكر منها:
  • 1 – كمين 18 أبريل الذي استهدف قافلة الرائد ميكال قائد فيلق للطلائع الجزائرية (تيرايور) مرابط بالولجة.. وقد نصب الكمين بين خيران والولجة، وأدى إلى مقتل الرائد رفقة مرشد الفيلق جاك والعديد من جنود القافلة..
  • 2 ـ عملية حاكم ڤنتيس “دوبوي” في حدود منتصف مايو الموالي. وقد غنم الثوار حقيبة الحاكم القتيل وبها وثائق هامة: مخطط الجنرال “بارلانج” القادم من المغرب رفقة عدد من ضباط الشؤون الأهلية لتأسيس منظومة “التأطير السياسي والاستعلامي” للسكان بواسطة شبكات “الأقسام الإدارية المتخصصة” (الصاص) الشهيرة، فضلا عن تقرير حلول نشاط بن بلة في طرابلس وقوائم مخبرين لإدارة الاحتلال بالناحية.
  • وكان المخطط يكتسي أهمية كبيرة في نظر قائد الأوراس بالنيابة، إلى درجة أن عبر عن استعداده لدفع مليوني فرنك (قديم) مقابل الحصول عليه. وبعد أن درس المخطط مليا قام بـ:
  • ـ إعلام مساعديه ومسؤولي النواحي به؛
  • ـ إلقاء سلسلة من المحاضرات حول مخاطره، على أنه يشكل أول محاولة منظمة لجزأرة الحرب؛
  • ـ تحذير المواطنين من مغبة حمل السلاح في إطاره؛
  • ـ تحذيرهم كذلك من شبهات الحديث إلى ضباط “الصاص” بصفة عامة.
  • 3 ـ كمين استهدف قافلة الرائد “ماتْسيغَرْ” قائد فيلق طلائع جزائرية مرابط بالناحية. وقد نصب الكمين -حسب المصادر الجزائرية- في منتصف يوليو في العويجة ما بين ڤنتيس والزوي، وكان من نتائجه مقتل الرائد والعديد من الطلائع…
  • 4 ـ كمين تافَسورْ في أواخر نفس الشهر، وقد استهدف قافلة من اللفيف الأجنبي. وتعتبره المصادر الفرنسية من أكثر الكمائن خسائر منذ بداية الحرب… وتذكر في هذا الصدد أنه خلف 26 قتيلا و12 جريحا.
  • وسقط في رد فعل عناصر اللفيف أبطال، نذكر منهم الشهيدين الحسين بالرحايل والحاج محمد كربادو..
  • وشهد شرق المنطقة في أواخر يوليو دائما:
  • ـ معركة وادي الزرقاء يومي 25 و26، وكان اليوم الأول فيها لصالح العدو والذي حاصر مجموعة من 20 مجاهدا مستعينا برماة جزائريين مهرة، تمكنوا من القضاء على 17 من عناصر المجموعة.. لكن المجموعة تلقت نجدة قوية ثأرت لها ثأرا مضاعفا، وغنمت أكثر من 100 بندقية حسب شهادة الرائد عثمان السعدي.
  • ـ معركة جبل أم الكماكم في 29 يوليو الذي صادف عيد الأضحى يوم جمعة، وقادها شيحاني شخصيا. وقد منعه رفاقه من المشاركة بسلاحه حفاظا عليه كقائد أعلى للمنطقة وقد أبلى فيها المجاهدون بلاء حسنا وكان عددهم -حسب نفس المصدر- زهاء 300 سقط منهم 50 شهيدا…
  • وتؤكد مثل هذه الشواهد الحية أن رهان قيادة جبهة التحرير عشية فاتح نوفمبر 54 على بؤرة الأوراس كان سليما إلى حد كبير؛ فهذه البؤرة لم تصمد فقط خلال الأشهر الستة الأولى أمام رد الفعل العنيف لجيش الاحتلال، بل استطاعت أن تنطلق إلى مرحلة الهجوم باعتراف المصادر العسكرية الفرنسية ذاتها، ولم يتوان شيحاني ورفاقه غداة عمليات 20 أوت 1955 بمنطقة شمال قسنطينة المجاورة في مد يد العون إلى زيغود ورفاقه بإرسال فصيلة إمداد من 30 نفرا، يحملون أكثر من ضعف عددهم من الأسلحة المدنية والعسكرية جلها من غنائم جيش التحرير بأوراس -النمامشة…
  • (يتبع)
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!