الرأي

البابا فرانسيس يغيِّر قوانين الجزيرة العربية

البابا فرانسيس أوّل حبر أعظم تطأ أقدامه أرض الجزيرة العربية، نقطة تحوّل في التاريخ البابوي، الذي يقترب من أرض اختارها الله مكانا مقدسا لخاتمة الرسالات السماوية، لكنها تغير الوجهة التي تلزم أي بابا بزيارة موطن النبي إبراهيم عليه السلام، استكمالا لعهده البابوي.
رفض البابا فرانسيس زيارة العراق، وتفقُّد مدينة أور، مدينة أبي الأنبياء والرسل، واختار دولة الإمارات العربية، موطئا لقدمه، حاملا رسالة وصفها بأنها فتح أبواب حوار الأديان السماوية الثلاث.
العراق يحيا عصرا لا سماح فيه ولا انفتاح، مذاهب لا تعرف التسامح، مذهب ينفي مذهبا آخر، ومعتنقي أديان يفرون إلى المجهول، إرهاب طائفي وفرق موت دخيلة، انتزعت سلطة القرار، مساجد تسقط منابرها، وكنائس تحرق بأيقوناتها “المقدسة”، وفرق تتقاتل حول من كان أحق بخلافة المسلمين قبل أربعة عشر قرنا، مشهد لم يرُق للبابا فرنسيس، الذي يريد “كتابة صفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين الأديان” ويجسد ما جاء في رسالته لشعب الإمارات: “سنؤكد إننا إخوة وإن كنا مختلفين”.
البابا فرانسيس غير البابا السابق بنديكتوس السادس عشر الذي عرقل خطابُه اللاهوتي حول الإسلام حوار الأديان، وأغضب المسلمين في أحيان كثيرة وهو يخاطب معتنقي الكاثوليكية، متبنيا مقولات تشكك بنزاهة الرسالة المحمدية.
يتجنب البابا فرانسيس الآراء أو التحاليل التي تمس بالمضامين المطلقة للقرآن الكريم، ويجسِّد روح التسامح وهو يتبنى مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين، وينقل بعض العوائل المسلمة في طائرته البابوية الخاصة إلى مكان آمن، وهو الذي لا ينسب الإرهاب إلى الإسلام، ويسمي الإرهاب إرهابا من دون أن يمنحه صفة دينية، رافضا الربط بين “الإسلام والعنف” مذكرا بأن التطرف الأصولي لا تخلو منه الديانة المسيحية، رغم تذكير البعض أن التطرُّف المسيحي لا يحمل سلاحا قاتلا!
دعا البابا العالمَ الإسلامي قادة سياسيين ورجال دين وجامعيين إلى إدانة لا لبس فيها للإرهاب الذي يشكل مصدر كرهٍ الإسلام، كما حمل على الأصوليين المسيحيين واليهود والمسلمين على حد سواء، معتبرا أنهم يمثلون “انحرافا”.
يبقى الحوار بين الأديان الهمّ الأكبر للبابا فرانسيس، والحوار مع الإسلام لا ينقطع، معتبرا هذا الحوار “يتقدَّم بشكل جيد”، لكنه يدعو بما لا يتفق مع المبدأ الإسلامي، إلى إعادة تفسير القرآن، معتقدا أن القيام بعمل “نقدي للقرآن” وفق منهج تاريخي ونقدي سيحقق تقدما في الدين الإسلامي، مثلما فعل المسيحيون في كتبهم المقدسة.
وزارة الخارجية الأمريكية اشتغلت على هذه الفكرة، ووظفت باحثين إسلاميين لوضع نصوص القرآن في سيَّاق تاريخي ونقدي، لكن الفشل ظل يرافق مسعاهم، قبل أن يدركوا أن الحرية في تفسير النصوص في كتب الديانة المسيحية، لا تتطابق مع نص قرآني مطلق لا يقبل التأويل.
البابا فرانسيس لا يحمل رسالة حوار ديني مجرد، من صيغ حياة جديدة، فهو الداعي إلى تشريع القوانين التي تجعل لقاءَ الأديان ثقافة عامة على مستوى شرائح المجتمع كافة، فهل يتحقق له ذلك في أرض الجزيرة العربية؟

مقالات ذات صلة