-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البكالوريا: فضيحة كل 24 سنة!؟

البكالوريا: فضيحة كل 24 سنة!؟

لم تترك التسريبات الأخيرة في امتحان البكالوريا أحدا من دون رد فعل. وكانت الحادثة ولا تزال حديث الشارع؛ فالكل خاض في الموضوع وتعارضت الآراء تعارضا كبيرا، فمنهم من أخذته الشفقة بالوزيرة كأنها تمثل الضحية الأولى للجريمة، ومنهم من طالب باستقالتها وكأن هذه الاستقالة ستُفرِّج كرب المظلومين أو ستحل مشكلا أكبر منها. والواقع أن الأمور أكثر تعقيدا ومرارة وخطرا على مستقبل البلاد، تتجاوز الكثير ممن نظنهم أصحاب قرار.

تسريبات ثلاثة

لقد نسي الكثير من الناس أن في جوان 1968 حدثت تسريباتٌ في البكالوريا (كان كاتب هذه الكلمات أحد ضحاياها كتلميذ). وفي ذلك الوقت لم يكن عدد التلاميذ ضخما، ولا وسائل الاتصال منتشرة ولا سلطة تسمح بأن يعلو صوت فوق صوتها، فأعاد التلاميذ الامتحان بعد نحو أسبوع، وشُكِّلت آنذاك لجنة تحقيق لتحديد الجاني.. ومرّ الحدث بسلام وطوي ملف القضية دون أن نعلم من هو الفاعل. ولم يستقل الوزير أحمد طالب الإبراهيمي بسبب الفضيحة، بل على العكس من ذلك تمكّن أكثر في مناصبه السياسية وتدرّج صعودا في هرم السلطة. 

وبعد مرور 24 سنة، أي في جوان 1992، حدث تسرُّبٌ واسع النطاق أدهش القاصي والداني رغم محدودية وسائل الاتصال آنذاك. ويُذكر أن الأمر بلغ بالفاعلين أنهم أوصلوا مواضيع البكالوريا المسرَّبة إلى عتبة بيت الوزير علي بن محمد استفزازا له واستعراضا لعضلاتهم. حينها لم يجد الوزير في هرم السلطة من يشدُّ عضده فبات وحيدا يواجه وضعا لا حيلة له به. وإلى حد الساعة نفتقد توضيحات حول ما جرى ومن كان الفاعل؟!

ومجددا، وبعد 24 سنة، وقع تسرُّبٌ في جوان 2016 لمواضيع البكالوريا لم تشهد البلاد مثله، فأدى إلى تعميق الكارثة جراء فعالية شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الخبر. لم يكن أحدٌ يتصور حجم الجريمة، كما لم تتصور الوزيرة نورية بن غبريت أنها ستكون على رأس وزارة تحدث فيها هذه الفوضى العارمة قبيل رمضان. ولحسن حظها أنها وجدت، خلافًا لعلي بن محمد، سندا قويا في هرم السلطة. 

 

تساؤلات

حسب ما نذكر، لم يكن واضحا أن تسريب 1968 كان مقصده الإطاحة بأفراد أو جماعات. أما تسريبات 1992 و2016 فواضح أن مدبّريها كانوا يقصدون الإساءة إلى أفراد أو الإطاحة بجماعات. لا نستبعد أن يكون هدف هؤلاء إشعال فتيل الفتنة في الشارع نظرا إلى عدد الضحايا المستهدَفين. ثم إنه من الواضح أن سمعة البلاد وقيمها وآلام الأبرياء من المواطنين (لاسيما التلاميذ والأولياء) لم تكن تهمّ هؤلاء.

السؤال المطروح: من الذي بإمكانه القيام بجريمة من هذا القبيل ومن هذا الحجم؟ ومن يمكن أن يعرّض نفسه لهذه المغامرة دون خوف من شدة العقاب؟ لا نعتقد أن من ألقي عليهم القبض لتورّطهم كانوا المدبِّرين حتى لو كان لهم ضلعٌ في القضية. ولذا لا نستبعد أن تحاول السلطات كالعادة دفن القضية والتستُّر عن كشف المدبِّر الحقيقي، كما أنستنا قضية مدبِّر تسريبات 1992. قد يعني ذلك أن الفاعل أقوى من المفعول به أو أنهما متعادلان.

وإذا أضفنا إلى هذه التعقيدات تلك التي يلاحظها كل المواطنين في تدهور الجانب الأخلاقي وجانب القيم في جميع المستويات، لاسيما في مجال التربية والتعليم فإننا نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية؛ فالغش الذي تفشى في الدراسة والتعليم لم يعد حكرا على التلميذ، بل طال المربي والمعلم والأستاذ وولي الأمر إلا من رحم ربك؛ إذ صار كل هؤلاء يدعمون التلميذ في عملية الغش والتزوير قبل وخلال الامتحانات دون تردد ولا وازع. هذا أمر أشد وطئا على مستقبل التعليم من انعكاسات التسريبات. وحبذا لو يعي وليُّ الأمر والمعلم هذا الأمر قبل فوات الأوان.

 

مقارنات بين الوزير والوزيرة

عندما ننظر فيما يجمع أو يفرّق بين الوزير علي بن محمد والوزيرة نورية بن غبريت في باب تسريب مواضيع البكالوريا وحيثياتها يمكن أن نلاحظ ما يلي: 

1-  كل منهما ينتسب إلى مدينة الرئيس الذي عيَّنه. 

2- هو رجل وهي امرأة.. يبدو أن بعض التعاطف الذي كسبته الوزيرة جاء من هذا الباب، فقد سمعنا من يقول بعد التسريبات: “حقروها لأنها امرأة”.

3 – كل منهما يحسن الاستماع، وبارع في أسلوب الإقناع والطرح.

4 –  الوزير لم يكن في لجنة إصلاح المنظومة التربوية، أما الوزيرة فكانت عضوا فيها.

5 – الوزير شن حملة ضد مشروع إصلاح المنظومة التربوية، أما الوزيرة فقد باركت المشروع قبل الاستوزار، ثم اعترفت بفشله أو تعثُّره.

6 – الوزير قدَّم استقالته بعد الفضيحة التي حلَّت به مباشرة، وقُبلت منه في آخر المطاف. أما الوزيرة، فربما لم تقدم استقالتها أو إنها فعلت ولم تُقبل منها.. ومن يدري، فربما ستأتي بعد مرور سحابة البكالوريا.

7 -الوزير لم يجد سندا إثر تسريبات مواضيع البكالوريا، أما الوزيرة فوجدت سندا رسميا صريحا في أكاديمية شرشال، ولدى الوزير الأول شخصيا، والأمين العام لاتحاد العمال شخصيا، ورئيس الديوان الرئاسي شخصيا، وعدد من الأحزاب والجمعيات ذات الاتجاهات المعروفة من شاكلة حزب العمال.. بينما لم تجد هذا السند لدى فئة محسوبة على التيار الإسلامي.

8 –  الوزير له مشروع “تشريقي” يدعو إلى “الأصالة” المرتبطة بالأمة العربية والإسلامية والمغرب العربي الكبير، وإلى “الانفتاح” على لغة التواصل العالمي (لغة شكسبير). أما الوزيرة فلها مشروع “تغريبي” يدعو إلى “الوطنية” الضيِّقة و”الانفتاح” على لغة موليير.

9-  الوزير قضى حياته في أركان وزارة التربية وعايش تطوُّراتها أولا بأول منذ الاستقلال، وترقى درجة درجة من بداية السلمّ إلى أن بلغ القمة، وسُمي وزيرا في مطلع التسعينيات، ثم أفل نجمُه في الوزارة وأُبعد نهائيا من حقل التربية والتعليم. أما الوزيرة فلم تعش أيّ مرحلة من تلك المراحل إلا كما يعيشها أولياء التلاميذ. وفجأة وجدت نفسها ذات صباح على رأس وزارة التربية.

10- الوزير يتقن اللغتين (لغتي سيبويه وموليير) إتقانا كاملا، ويجعل الإنسان يعشق اللغة العربية عندما يستمع إليه. أما الوزيرة فتتقن لغة موليير واستعمالها للغة العربية –مضطرةً- ثقل عليها وعلى المستمع.

رغم هذه الفروق والجوامع بين الوزير والوزيرة، فلا شك أن فئتيهما تتفقان على أن ما يحدث في مجال التربية والتعليم يتطلب جهدا جماعيا، وتعاون جميع الأطراف، وعملا دؤوبا لتبديل العقليات السائدة (الغش والتزوير والمطالبة بالعتبة وتنقيح المناهج…) ومواقف صارمة (الانضباط، العنف في المدارس، التسيُّب في التسيير…)، أي مواقف تضرب بيدٍ من حديد كلَّ من يتلاعب بمصير أطفالنا وسمعة البلاد. نأمل أن نعمل جميعا في هذا الاتجاه خلال الـ24 سنة القادمة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • الساسي

    السلام على من اتبع الهدى
    ان الاراء والافكار لا تقاس بالعائلات ولا عدد الدكاترة
    ان عائلة السول محمد صلى الله عليه وسلم فيها حمزة والعباس وعلي رضي الله عنهم وفيها ابولهب و و و
    تحياتي

  • العربي

    اذن وبناءا على هذه المتتاليه الحسابيه ننتظر تسريبات اخرى سنة2040 يا استاذ.

  • بدون اسم

    السلام عليكم،
    في رايك سيد ساسي الوقت ليس مناسب للتكلم في هذا الموضوع,؟؟؟أود معرفة رأيك وأن تفيدنا حول وقت التكلم في مثل هذه المواضيع...أنا لست هنا لأدافع عن صاحب المقال وإنما لأقول ما أعرف عنه :
    1.هو أستاذ جامعي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
    2.يشهد له الداني والخاص بسداد رأيه ورشاحة عقله ووفير علمه.
    3.هو من عائلة سوفية قدمت 5 دكاترة للجزائر أكبرهم توفي -رحمه الله-والبقية أطال الله في أعمارهم.
    4.لا أظنه من الذين يوحى إليهم لا، شخصيته أكبر من أن يوحى إليه.
    تحياتي

  • زغوان العربي

    واصبح رئيسا لديوان وزير التعليم الابتدائي والثانوي-عبد الكريم بن محمود-رحمة الله عليه. ثم اصبح اطارا بجهاز حزب جبهة التحرير الوطنية وهو من اوعز له العقيد محمد الصالح يحياوي لكتابة الكلمة التابينية التي قراها وزير الخارجية انذاك السيد عبد العزيز بوتفليقة. عين في اطار الاصلاحات الحمروشية وزيرا للتربية خلفا للاستاذ محمد الميلي-شفاه الله- طالبه الرئيس محمد بوضياف بالبقاء في منصبه لكنه رفض ذلك لانه يعرف دهاليز السلطة افضل بكثير من بوضياف. لماذا نسيت بكالوريا1976م التي نجح فيها كل من هب ودب؟! ;;;;;;

  • زغوان العربي

    شكرا للدكتور ابي بكر سعد الله-عالم الرياضيات- على هذا المقال الموضوعي الى حد بعيد، واود فقط تصحيح بعض الهفوات الواردة فيه، تسريبات بكالوريا1968م كانت بنفس عقلية تسريبي 1992 و2016م، وما عليكم الا مراجعة مذكرات احمد طالب الابراهيمي-الجزء الثاني الصادر عن دار القصبة-الجزائر. الدكتور علي بن محمد-حفظه الله- من مدينة المسيلة ابا عن جد ولا يزال يتسوق من سوقها اليومي(الكدية-الشتاوة) دون ان يعرفه احد، وقد بدا مشواره استاذا للادب العربي بمدينة قسنطية فرئيسا لديوان وزير الشباب والرياضة-الراحل بن محمود-44

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ...
    التسريب لا يعني "مكيدة" أو الاطاحة بشخص معين ؟
    وانما تخريــــــــــــــــب الوطـــــن والحاق الضرر بأبنائــــــــه؟
    - لي ناوي على الشر أيخرب عقله !؟
    مسلوبو الارادة عديمي الثقة بالنفس ؟
    -أعتذر عن هذا التعبير-
    رمضان كريم
    شكرا

  • أبو أمينة

    لقد أسمعت لو ناديت حيا * * * ولكن لا حياة لمن تنادي

  • أبو بكر خالد سعد الله

    إلى السيد الساسي : لو كتبت مرة واحدة في هذه المواضيع لجاز أن تتشكك في النوايا. لكن موقفي في موضوع التربية ينشر تباعا في الشروق وغيرها منذ 15 سنة.

    اختير هذا الوقت بالذات لأن احتمال تسريب ثان واسع النطاق كان بالنسبة لي أمرا واردا ففضلت التأني.
    من الواضح أن ما يفرق الطرفين هو الجانب الايديولوجي (التمسك بالفرنسة أو الانفتاح على غيرها مع تعزيز مكانة اللغة العربية). وفيما عدا ذلك فلا أعتقد أن لهما خلافا يذكر. والدعوة إذن لهما بتدارس الوضع وتغليب الجانب التربوي على اليديولوجي.
    وأنت حر في رأيك.

  • جزائري

    لما كانت هناك إرادة قوية لبناء منظومة تربوية جزائرية أصيلة ومتفتحة على العالم، اختير من هو الأقدر في الميدان والخبير في هذا الشأن. لكن لما أطل زمن الرِدَّة وزمن الهدم والردم اختير من هو أبعد الناس لهذا الميدان لكي لا يتردد في تقويض كل ما تم بناءه منذ مشروع النهظة لابن باديس! ...وليس البناء كالهدم.

    تغييب إرادة الأمة بمؤسسات صورية هو عين التزوير، بل أصبح التزوير الأداة الأساسية لممارسة الحكم في الجزائر...ولهذا يا أستاذ، أرى أن التزوير الذي طال كل شيء والبكالوريا على وجه الخصوص...تحصيل حاصل!

  • محمد

    السلام عليكم.
    كلامك سيدي جميل ويحمل الحقيقة المرة التي عشتها كتلميذ في الستينات وكأستاذ في التسعينات والألفينات ...ماذا عسانا أن نفعل في ظل هذه التراكمات من الفضائح والمهازل...لم يستحوا ففعلوا كل شيء ...
    منظومة التربية منذ إصلاحها -عفوا إفسادها- كونت جيل -طبعا ليس كله- يضرب ويسب أستاذه ويعنف أهله ويغش زملائه ولا يستحي من أفعاله...
    تحياتي

  • رابح

    متتالية حسابية حدها الاول وزير التلبية و اساسها 24 سنة

  • جمال

    يا استاذي العزيز . لاتوجد سياسة تريد من هذالبلد متعلما . بل اكثر من ذلك هناك يد خارجية لاتريد تعليم في هذا البلد . اما الوزراء الذين تتحدث عنهم فماهم الا عملاء لاسيادهم هناك وراء البحار ... الحل الوحيد الذي تبقى هو الغاء نهائي لما يسمى شهادة البكالوريا ....لا اكثر ولا اقل .

  • بدون اسم

    يظهر جاليا أن صاحب المقال أستاذ رياضيات .فشكرا جزيلا للأستاذ أبوبكرسعد الله.

  • جزائري

    لما كانت هناك إرادة لبناء منظومة تربوية جزائرية أصيلة، اختير الأحسن والأقدر في الميدان والخبير بهذا الشأن .... ولما جاء زمن الرِدَّ ة وما يقتضيه من هدم وتقويض، اختير من لا يمت بصلة للميدان لكي لا يتردد لحظة في تدمير ما تم بناءه منذ انطلاق مشروع النهظة لابن باديس...وليس البناء كالهدم!

    تغييب إرادة الامة بمؤسسات صورية على كل المستويات هو عين التزوير، بل هو الطريقة الاساسية المعتمدة للوصول للحكم والبقاء فيه.... تزوير البكالوريا ياأستاذ تحصيل حاصل!

  • الساسي

    السلام على من اتبع الهدى

    لم أفهم القبصد من كتابة الموضوع وفي هذا التوقيت بالذات إلا أنني بدأت أشك بأن أحدا أوحى إليك بالكتابة في هذا الموضوع فمسكت العصا من الوسط (من الثلث) وكتبت في الموضوع,
    أعتقد أن بسردك لتاريخ فضائح الباكالوريا تريد أن تساهم في صنع موقف (على الأقل لدى بعض قرائك) مساند للوزيرة
    أما في استعمالك لمصطلح تشريقي مقابل تغريبي, فأعتقد أنك لم تصب وسقطت في فخ الموضوعية الزائفة فنفهم أنك تسوي بينهما ,
    في النهاية فهمت أنك من المتعاطفين مع الوزيرة ربما لأنها امرأة أو ربما إرضاء لمن ..

  • مداني

    ضرب التعليم لتركيع البلد

  • مداني

    قررت احدى جامعات اليابان تعليق دراجات من صنع جزائري وكتبت عليهم شعار ادرسوا او تصبح مثل هؤلاء

  • Je suis aussi Matheux

    Un Article, top, on dirait un juriste qui l'a redigé. Une autre fois les matheux prouvent leurs capacités logique et analogique. Moi je dirais, que le phénomène de fuite aura tendence à suivre un cycle sous forme ,d'un modèle arithmétique d'où la ou les personnes responsables des fuites de sujets réagissent en conséquence pour atteindre un but bien définit. Personnellement, je pensé que Madame la Ministre est une personne scientifique, il faut juste la laisser travailler .