-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البيت الإبراهيمي.. فكرة تتعارض وحقائق الأديان الثلاثة

خير الدين هني
  • 562
  • 0
البيت الإبراهيمي.. فكرة تتعارض وحقائق الأديان الثلاثة

لا يمكن لأي مسلم يؤمن بالله ورسوله، أن يغير دين الله، وفق أهوائه ومزاجه وغرائزه ومصالحه، مثلما فعل اليهود والنصارى حين امتد بهم الزمن ولعب بهم الزيغ والهوى، وهو ما نراه واضحا من تغيير وتحريف في التوراة والإنجيل، فخرجوا عن دين الله الذي جاءهم به موسى وعيسى عليهما السلام. ومحاولة إدماج الإسلام مع اليهودية والنصرانية فيما يشبه الدين الواحد، تحت مسمى (الدين الإبراهيمي)، هو أمرٌ مخالف للإسلام وخارج عن سياقه الذي جاءت به التعاليم القرآنية، ومخالف لسنة الله التي جعلت الشعوب أمما مختلفة في أديانها وعقائدها وشرائعها.

والباري سبحانه الخالق لكل موجود، المصور لكل مخلوق، المتقن لكل مصنوع، أولى بالتصرف في ملكه – والإنسان من ملكه- وملكوته وفي خلقه بما يشاء وبما يريد وفق ما قدّره وحسبه منذ الأزل لغاية وقصد، لأنه سبحانه خلق الوجود بإرادته وهو سائرٌ إلى غاية، وخلق الإنسان والحياة والموت بحكمته وفق مشيئة عليا لا تُردّ، وهي محسوبة بمقادير ومحكومة بنواميس لا يأتيها الباطل ولا يكتنفها الخطأ، وإن ظهر للناس ما يبدو لهم أنها غير منسجمة مع حياتهم ومصالحهم، لعدم قدرتهم على إدراك حقائقها والحكمة من وجودها وخلقها بماهيات ظاهرها فيه التباين والاختلاف، وباطنها فيه الحُكم والحِكمة وحسن التقدير والتدبير.

ولذلك لا يحقّ للإنسان ولا لغير الإنسان في العوالم القصيّة من المخلوقات الذكية، ممن لا نعلم عن حقائقهم وكنههم شيئا، لقوله تعالى: “ونخلق مالا تعلمون”، أن يتدخّلوا أو يحشروا أنفسهم فيما لا ليس لهم به علم، لقوله تعالى: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ”، (الإسراء: 36)، أو يعترضوا على أمر الله وحكمه وحكمته وإرادته، إذ المطلوب من المؤمنين ممن استقامت فطرهم وسلمت عقائدهم، ألا يعترضوا على سنن الحياة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا”. (الأحزاب: 36)

ومن هذه النواميس التي قد يغيب على بعض الناس إدراك حِكَمها، أن خلق سبحانه الناس أمما وشعوبا، على مِلل ونِحل متدرجين في مسالك الحياة، لقوله تعالى:”فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (الروم: 30).

والمراد من الآية ما ذكره أهل التأويل، من أن الخطاب موجَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، ومنه إلى الأمة المسلمة والناس جميعا على وجه العموم، ممن تصلهم رسالة الإسلام، من أن الله تعالى يدعوهم إلى أن يتوجَّهوا نحو الوجهة التي دعاهم إليها، وهي وجهة الامتثال لأوامره العليا، وإلى طاعته على الوجه المخصوص الذي حدده الإسلام (عقيدة التوحيد)، بهديه ورشده وتعاليمه المستقيمة، وهذه الوجهة هي ما عُني بها في الآية “بفطرة الله التي فطر الناس عليها”، وهي فطرة الإسلام التي لا يجوز تبديلها أو تغييرها بأي وجه من وجوه التغيير، لسبب عقدي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو اندماجي أو اجتهادي، لأن هذه الفطرة خلقها الله تعالى بإرادته وحكمته، وهي الدين القيِّم (المستقيم) الذي يتوافق مع الحقيقة الغيبية الكبرى التي ترتبط بعالم الوجود والحياة والإنسان والتكليف والموت والجزاء.

ومن حكمة الباري سبحانه، أن خلق الحياة قائمة على الصراع بين الحقائق المتضادة المتنافرة، كالصراع بين الإيمان والكفر، وبين النفاق والإخلاص في العقيدة والعبادة، وبين الحق والباطل، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين المحامد والقبائح، وبين الخير والشر، وبين القبح والجمال، وبين السعادة والشقاء، وبين الحياة والموت، وبين البقاء والفناء… إلخ، وعلى هذه الحقائق المتضادة تنشأ حياة البشر ويقوم عليها التكليف والتمييز، بين الخيِّرين والشريرين، وبين المتقين البررة والعصاة الفجرة، وعليها يقوم البعث والنشور والحساب والجزاء في الآخرة، نعيما دائما سرمديا أو عذابا خالدا أبديا.

وعلى هذه القاعدة الحكيمة، خُلق الناسُ مختلفين في درجات ذكائهم وطرق تفكيرهم، وأساليب عملهم، وأنماط  حياتهم، وفي مِللهم ونِحلهم وعقائدهم واتجاهاتهم، وهم مخيّرون غير ملزَمين في عقائدهم وأعمالهم وتصرّفاتهم، ولهم القابلية الطوعية في اختيار ما يناسب عقائدهم واتجاهاتهم وأهواءهم، لقوله تعالى: “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”، أي: الطريقين، طريق فعل الخير وطريق فعل الشر، وهذا الاختيار (عدم الإجبار)، سنة حياتية سبقت في علم الأزل، قضى بها الحق سبحانه على عباده  لقوله تعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (هود: 118).

والمعنى الجلي من الآية يفيد أن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يكون الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم وشرائعهم، ولو شاء سبحانه غير ذلك  لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، فلا يزالون مختلفين في أديانهم؛ بمقتضى حكمته ومراده، ولا رادَّ لحكمه وقضائه.

وعلى هذا لا يجوز لأي كان، مهما بلغ سلطانه، أن يغيّر دين الله بأي وجه من الوجوه، على نحو ما أصبح يُعرف اليوم بـ(الدين الإبراهيمي)، الذي حاول أصحابُه أن يجعلوه دينا واحدا مندمجا، يجمع اليهودية والنصرانية والإسلام في شريعة واحدة، أو فيما يشبه الدين الواحد، بذريعة نزع الخلافات والعداوات والأحقاد بين أتباع الديانات الثلاث، والتقريب بينهم كما زعم المروِّجون لفكرة الإدماج، وهو أمر يستحيل تحقيقه لاختلاف الأديان الثلاثة في العقائد والشرائع والعبادات والأخلاق والمعاملات والممارسات.

الدين اليهودي دينٌ قومي له إلهٌ خاص باليهود وحدهم من دون سائر البشر -كما يزعم اليهود-  وعقيدتهم تقوم على مبدأ التفوُّق العرقي (شعب الله المختار)، وهم لذلك لا يؤمنون بالمسيح والمسيحية ولا بالإسلام ونبي الإسلام، والدين النصراني يقوم على عقيدة التثليث بين الأقانيم الثلاثة (الأب والابن والروح القُدُس) ولا شيء غير ذلك، والإسلام دين يقوم على التوحيد والإيمان بكل الأنبياء والرسل، و نسخ الشرائع السابقة في شريعة الإسلام الخاتمة المتكاملة الموجهة إلى الناس جميعهم،  لقوله تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” (الأعراف:158)، وفي قوله جل وعلا “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”، )المائدة:6)، وفي قوله جلّ ذكره: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران: 85).

ونسبة اليهودية والنصرانية إلى الحنيفية الإبراهيمية، نسبة خاطئة ومزوَّرة ومحرَّفة عن أصولها، لأن المراد من الحنيفية هو الميل عن الضلالة إلى الاستقامة على دين التوحيد الذي هو الإسلام، لقوله تعالى: “مَا كَانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ” (آل عمران: 67)، فاليهودية والنصرانية جاءتا بعد الحنيفية، ولم يكن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكنه كان متّبعا لأمر الله وطاعته، مستسلما لخالقه ولم يكن من المشركين من أصحاب الديانة القومية أو عقيدة  التثليث.

أصحاب مشروع الدين الإبراهيمي لا يمكنهم أن يُرضوا اليهود والنصارى، مهما فعلوا واجتهدوا وتقرّبوا وتزلّفوا وتنازلوا، لقوله تعالى: “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ”، (البقرة:120).

وأصحاب مشروع الدين الإبراهيمي لا يمكنهم أن يُرضوا اليهود والنصارى، مهما فعلوا واجتهدوا وتقرّبوا وتزلّفوا وتنازلوا، لقوله تعالى: “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ”، (البقرة:120).

وتعميما للفائدة واستدلالا على تحريم جمع الإسلام مع أديان محرَّفة، أوردُ هذه النصوص القرآنية لتأكيد تحريم  فكرة “الدين الإبراهيمي”، قال تعالى:

  1. حُنَفَاءَلِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (الحج:31).
  2. ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَحُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة:5).

3.﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (البقرة:135).

4 ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران:67).

5.﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95). والمعنى، اتبعوا ملة إبراهيم المشرَّعة  في القرآن الكريم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، فذلك هو الحق الذي لا ريب فيه، ومن يبتغ غير ذلك فقد ظلم نفسه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!