التحدي النووي.. الأصفر
بعيدا عن الحرب _غير المعلنة- الدائرة رحاها في سوريا، والتي يعاني تبعاتها الدموية شعبنا العربي المسلم السوري، إنها الحرب التي تُدّك فيها المصليات والمساجد، على الرّكع والسُجّد، وتهدم فيها البيوت على ساكنيها الأبرياء، وتنتهك الأعراض من سماسرة الحرب الأشقياء.
وهروبا، من مشاهد الانفجار، والدمار التي تطبع شوارع وساحات المدن العراقية فيذهب ضحيتها الصغار والكبار، هو مشهد عراقي دام، لم نعد ندرك فيه مَن الجلاد ومَن الضحية، بعد أن أطلت برأسها فتنة الطائفية، والقتل على أساس القبلية، والحزبية، والعصبية الجاهلية.
ودون نسيان، معاناة الرمز الفلسطيني الأسير، الذي هزم العداة بعزمه وحزمه، واعتصامه وإضرابه، تماما كما هزم من قبل “بلال” الفرد بسبابته غطرسة السيد وزبانيته، إنها المعركة المصيرية، التي يخوضها هنا وهناك، المستضعفون في الأرض العربية ضد الظلم، والاحتلال ومظاهر الاستبدادية.
ولا تسلني عن المكائد والمصايد التي تنصب فخاخها في مصر، وليبيا، وتونس، وأفغانستان واليمن وغيرها، ففي كلِّ جزء من أجزاء وطننا المسلم ترعرع الألم الدّفين، ودُغدغ الجرح بالسكين.
لذلك، فأنا اليوم أُؤَجل الحديث، ولو إلى حين، عن معاناة شعوبنا العربية الإسلامية وأُلقي بهوائيتي، بعيدا، بعيدا، إلى أقاصي آسيا، وبالتحديد إلى كوريا الشمالية، ففي تلك البقعة الخضراء المصْفَرّة من الأرض حيث تسود الطاعة الخرصاء، ويعم الانضباط الوجوه الصفراء، خرج على العالم، الزعيم الحاكم في كوريا الشمالية، بعد صمت طويل، سخّر فيه العلماء والباحثين، للإعداد والاستعداد، بتخصيب الأورانيوم، من أجل تحصين البلاد والعباد، ضدّ أي هجوم متحديا عدوه، القريب والبعيد بقدرته النووية، بل وموجها رؤوسه وصواريخه النووية، نحو أهدافهم الإستراتيجية.
وبُهت العالم الرأسمالي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكُبتوا أمام اللهجة الشديدة والنبرة العنيدة لحاكم كوريا الشمالية العتيدة.
هكذا _إذن- أصبح السلاح النووي الذي كان محتكرا _في البلدان الصغيرة- على مدللة الغرب، إسرائيل، التي يحل لها ما لا يحل لغيرها، فأين نحن من التهديد والوعيد الذي وجهت به دولة العراق الشقيق، بسبب سلاح نووي موهوم؟ وأين نحن من الحصار المضروب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، لمجرد أنها لوحت بإمكانية تسخير الأورانيوم للتنمية الصحية والإنسانية؟
لقد شنّت أمريكا الحرب المدّمِرة على العراق، وهي الحرب التي مازلنا نحصد آثارها المشؤومة، على أكثر من صعيد. فقلبَت نظامًا، وأعدمت عظامًا، وفرضت حكامًا.
وروضت دولة باكستان، فقلمت أظافر ورؤوس باحثيها النوويين، فدجنوا أو سجنوا، وخلا الجوّ النّووي لإسرائيل تحت المظلة الغربية، لتبقى الحاكمة بأمرها، ترتعد فرائس كلّ حكامنا من هولها، وتنتصب كمخلب قط ضد مقومات نظامنا.
وها هي الهجمة الشرسة، على إيران، من أجل تقويض مركزها العلمي المعدِّ لتسخير الطاقة من أجل النّهوض بالبلاد والعباد. منطق غريب والله، هذا الذي يفرضه الغرب على بلداننا في مجال الطاقة النووية التي يحلها مكانا، ويحرمها مكانا، ليكون الفرز على أساس الانتماء الحضاري، فيفرض الحصار، ويحدث الدمار لدى البعض لمجرد الشبهة في إمكانية التعامل مع الطاقة النووية، كما فعل الغرب مع ليبيا العقيد القذافي، وعراق الزعيم صدام، وباكستان الطالبان، وها هو، هذا الغرب بالذات، الذي يدلل الكيان الصهيوني، بمدِّه بالعتاد والبلاد، لتسليح جيشه ضد الفلسطينيين أبناء الأرض الأصلاء.
إن خروج القمقم الكوري، بهذه الجرأة، وبهذه الشجاعة، ليقف في وجه أمريكا ملوحًا، بإمكانية تحريك صواريخه، ضد أهداف في عمق المناوئين له، فيعيد إلى العالم التوازن المفقود في التعامل مع السلاح النووي المنشود.
إن القارة الصفراء تأبى إلا أن تثبت وجودها بين الأقوياء، فبعد تكنولوجيا اليابان، وصناعة الصين، ها هي ذي كوريا الشمالية تطل برأسها النووي في عالم الطاقة الخطير، الذي لا يدخله إلا الأقوياء، وويح الضعفاء والمستضعفين من هذا العالم الذي يحمل الدمار بين أنامله، والشنار في عقله وتعامله.