الرأي

التحرير الثاني مهمة أصعب…

محمد سليم قلالة
  • 719
  • 2
ح.م

على خلاف ما يُروِّج له الكثير، ينبغي أن نُوجِّه اليوم التحية لهذا الجيل الشاب الذي لم ييأس من إمكانية تحقيق رسالة الشهداء، بعد قرابة الستين عاما من ذكرى النصر. رغم كل ما مُورس عليه من سياسات التشويه والتغريب، ورغم كل ما يَعرف اليوم من ضغوط وإلهاء، مازال مُعظمه، يتطلع إلى رموزه الثورية ولا يقبل عنها بديلا.

نشهد ذلك في مواقفه، وشعاراته، وطموحاته، وتطلعاته، وإن غطَّت عليها بعض المشاهد الباهتة والمُفَبرَكة لصورٍ نَمطية تُبيِّن أبناءنا في غير الصورة التي هم حقيقة عليها، أو على الأقل على غير الصورة التي يريدون أن يكونوا عليها.

يتم إلصاق كافة الصفات السيئة بهم، ويتم الترويج إلى أشكال شاذة منهم على أساس أنها تُمثِّل الجميع. وتَتعمَّد وسائل إعلام معروفة إلى إبرازهم في شكل مُسْتلِب، شاذ، باحث عن المُتعة، تحت غطاء التحرر والانفتاح على العالم، فار من بلده، كاره لوطنه، مُتنكِّر لتضحيات آبائه وأجداده… حتى كدنا لا نتكلم عن هذا الجيل إلا بما هو سيء أو بما يُسيء لهذا الوطن.

في حين أن الحقيقة هي خلاف ذلك تماما، جيل اليوم يخوض معركة تحريرية أصعب من الأولى التي توّجت بالانتصار العسكري، بعد تضحيات جسام. إنه يتعرض إلى ضغوط أكبر مما تعرض لها غيره، من حيث أنها تتعلق بمستويات غير مادية كالفكر والقيم ونمط التفكير، ومن حيث أن العدو فيها لا مرئي ويملك من وسائل التأثير ما لا يمكن حصره أو متابعته.

معركة اليوم أصعب، ومعارك الغد أكثر صعوبة. لذلك علينا أن ننتظر صراعا أكثر شراسة، تستخدم فيه أسلحة غير تقليدية مرنة ولكنها أكثر فتكا، وخاصة ما تعلق منها بالإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وكل ما له علاقة بالإنترنت والتكنولوجيات المتقدّمة.

ميدان معركة اليوم والغد هو الميدان الافتراضي والتكنولوجي والمعرفي، وليس ساحات القتال التقليدية، والسلاح فيها لا يقتل الأبدان إنما يصيب نورونات العقل وأحاسيس ومشاعر الناس ليهزمهم متجاوزا كل الحصون التقليدية ووسائل الدفاع المادية.

وليس من السهل الانتصار في هذه المعركة، إذا لم يتم الأخذ بأسباب الانتصار فيها على جبهة الوعي أولا والقدرة المعرفية ثانيا والإرادة ثالثة. ويا لها من معركة تنتظر هذا الجيل الصاعد.

لذا فإنه علينا ألا نستهين بطبيعة المعركة التي تجري اليوم أمام أعيننا، وأن نتوقف على إلقاء اليوم على هذا الجيل الذي يقاوم بأكثر من وسيلة، وأن نَفهم ما الذي يريده من خلال شعاراته وأفكاره، وألا تتركنا بعض المظاهر الخدّاعة التي يروّج لها الإعلام المضاد، نُقلِّل من شأن المعركة التي يخوضها اليوم.

لقد مضى زمن تقييم معارك اليوم والغد بمقاييس معارك الأمس. وعلى كل جيل أن يتذكر أنه بالضرورة لن يستطيع خوض معركتين في زمنين مختلفين بنفس السلاح. والثقة في شبابنا هي بوابة تحقيق كل انتصار.

مقالات ذات صلة