-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التدافع لتقرير مصير الدستور

التدافع لتقرير مصير الدستور
ح.م

منذ الإفصاح عنها، لا تزال مسودة الدستور المطروحة للنقاش الوطني تثير ردود فعل واسعة في اتجاهات مختلفة، حول مضمونها وشكلها وحتى خرجات أعضاء لجنتها، وهذا هو الأمر الطبيعي والصحي الذي يعكس الاهتمام العام بأسمى وثيقة قانونية تختصّ بتقرير مبادئ المجتمع وتنظيم الدولة وعلاقتها بالمؤسسات والأفراد، فهي النص المؤسس للإصلاح والانتقال الديمقراطي أو المكرّس للتسلط السياسي، لأنّ قواعدها الدستورية السامية هي المرتكز في البناء التشريعي اللاحق.

تلك الأهمية هي التي تجعل كل الانتقادات والمخاوف مشروعة حتى لو ظهرت أحيانا مبالغة فيها، لأنّ الموقف من الجدل الدستوري يتأسس على قاعدة الأحوط، ولا يقبل التعاطي معه بمنطق النيات الحسنة، ولذلك رأينا حتى الآن أنّ الكثير من الأصوات المعبرة عن رؤيتها تجاه مسودّة لعرابة تجنح نحو التحفظ الجزئي أو على الأقل الاعتراض على بعض المقترحات الحساسة، وهذا انعكاس تلقائي لقيمة الدستور لا يقلل من جهود اللجنة المكلفة بالصياغة، ناهيك على أن يطعن في الإرادة السياسية العليا.

وعليه يُفترض أنّ كل الملاحظات السلبية والانتقادات الموجهة صوب الوثيقة الأولية ستصب في صالح إثراء التعديل الدستوري، بتثبيت عناصر الهوية وتعميق الحريات بحماية آليات ممارستها وإحداث التوازن بين السلطات بتجذير استقلالية القضاء وتحديد طبيعة النظام السياسي وفق النماذج الدولية المتعارف عليها للخروج من النمط الهجين، لأنّ رئاسة الجمهورية أعلنت بوضوح من البداية أنها مجرد أرضية لفتح النقاش وليست رؤية نهائية تتبناها، بل أكد الرئيس عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة أنه حريص على بلوغ دستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب الجزائري عبر مختلف مكوناته السياسية والاجتماعية.

اليوم بحوزة لجنة لعرابة قرابة 1500 تقرير حول عملها الأولي، وصلت من أحزاب وجمعيات وشخصيات، لاشكّ في أنها تحمل إضافات فكرية وقانونية وسياسية ومنهجية يجب الاستفادة من عصارتها، كما أنها تترجم اتجاهات الرأي العام الذي لا يمكن تجاهل رغباته وأفكاره، طالما أن المسودة ستخضع في نهاية المطاف لاستفتاء شعبي شفاف يحدد مصيرها.

ومهما تعددت الآراء والاجتهادات داخل اللجنة وخارجها، بين الميولات العقديّة الأممية المتأثرة برياح العولمة وشعارات الحداثة من جهة، والاتجاهات الوطنية الأصيلة، المتشبثة بالخصوصية التاريخية في إطار الانفتاح الإجرائي من جهة أخرى، فإن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية وكذا تطلعات الشعب الجزائري، تجعلنا مطمئنين إلى عدم المساس بثوابت الهوية الوطنية، تحت الذريعة الواهية لثنائية المواطنين والمؤمنين، ولا التفريط في مطالب الحرية وتكريس المحاسبة السياسية للحكام في مختلف المستويات، مع ضبط سلطاتهم القانونية بما يمنع التغوّل المؤسساتي والفردي في ممارسة السلطة العامّة.

ولكن ذلك لا يسقط التنبيه على ضرورة أن يأخذ النقاش حقّه بشأن كل المقترحات، لأنّ مصيريّة الدستور توجب عدم تقييده برزنامة ضاغطة، حيث العبرة بالنتائج، مثلما أكد رئيس الجمهورية في لقائه الأخيرة بالصحافة الوطنية.

والأهم هو أنْ يدرك التيار الشعبي الوطني المكافح لأجل التغيير والانتقال الديمقراطي، وفي المقدمة منه الفصيل المؤيد لمسار الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحتى الداعم للسلطة الجديدة، أنّ الحقوق تؤخذ ولا تعطى هبةً من الآخرين، وعندما نتكلم عن الدساتير تحديدا فإنّ فلاسفة العلوم السياسية ما فتئوا يفندون على نطاق عالمي “نظرية منح الدستور”، كون السلطة بطبيعتها النفسية والثقافية والمادية ترفض التنازل عن امتيازاتها لصالح رعاياها.

لذا فإنّ ما نلاحظه اليوم من تفاعل سياسي وحزبي وشعبي مع مقترحات التعديل الدستوري يجب أن يتعمق إلى مستوى حالة من التدافع الضاغط والمؤثر في موازين القوى ميدانيّا، لأن محطة تعديل الدستور هي ساحة معركة مفتوحة بين تياريْ الإصلاح والمحافظة بالمفهوم السياسي من جهة، وبين مختلف التيارات الأيديولوجية المتناقضة المشارب من جهة أخرى.

وعليه نعتقد أن التعديل الدستوري ليس محسوما بصفة مسبقة مثلما يروج البعض، بل هو في مرحلة مخاض تحكمها التوازنات التي تشكل الأغلبية الشعبية أحد أركانها الأساسية إذا ما تمّ تجنيدها بصفة فعالة في تقرير مصير الدستور عبر الصندوق، واعتقادنا أنّ الرئيس تبّون نفسه، قد يكون وفق القناعة الشخصية والإرادة الذاتية، بحاجة إلى تجنّد شعبي عام يسنده سياسيا ويحرّره من اللوبيّات لتمرير البرنامج الإصلاحي التوافقي الذي يؤمن به.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • قدور

    الدستور له معنى في البلدان المتقدمة، والمتعلمة والمنضبطة التي تضمن للمواطنين حقوق الإنسان، والحق في حرية التعبير والحق في حرية الضمير. بينما في الدول الشمولية، وخاصة في البلدان التي يكون فيها التعصب راسخًا في القانون مثل الجزائر على سبيل المثال ، فإن الدستور ليس له معنى ، وقد رأينا ذلك في عهد بوتفليقة ، ومنذ الاستقلال ، حيث يعد كل رئيس دستورًا على مقاسه.

  • محمد قذيفه

    دستور الوطن هو الطريق الذي يجب أن ينظر اليه على أنه مرجع كل الجزائريين فان صلح سعد الشعب وارتاح وان أصابه خلل أتعب الجميع ، كونوا أوفياء للشهداء باعتماد بيانهم بيان أول نوفمبر رحمكم الله