-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من الزليج إلى الفرقاني وقفطان القاضي

التراث الجزائري يدخل اليونسكو على أجنحة المنصات الرقمية

زهية منصر
  • 2006
  • 0
التراث الجزائري يدخل اليونسكو على أجنحة المنصات الرقمية
أرشيف

تزايد، مؤخرا، دور الوسائط الاجتماعية والمنصات الرقمية في التعاطي مع الإشكاليات المتعلقة بالتراث الثقافي بمختلف مكوناته، وخاصة منه التراث اللامادي. وهذا، أمام تزايد حجم الهجمات التي يلاقيها التراث الجزائري، الذي يتعرض للسرقة والنهب من طرف عدة جهات ومحاولة نسبته إلى الغير.
وانتشر مؤخرا عدد من الصفحات المختصة في الترويج للتراث الجزائري، حيث تقوم هذه الصفحات بالتنبيه وفضح السرقات التي تطال مختلف العناصر التراثية سواء كانت لباسا، أغاني، أم ممارسات ثقافية مختلفة.
تعتبر مثلا صفحة “الإمبراطورية الجزائرية، تاريخ وثقافة”، واحدة من هذه الصفحات التي تقوم يوميا بنشر محتوى ثقافي تراثي يعيد إلى الواجهة التقاليد الجزائرية مع التوثيق التاريخي، كما تقوم الصفحة ذاتها بالتنبيه إلى أي حملة أو تشويه يطال التراث الوطني، على غرار حملة السرقة التي استهدفت لباس الشرق الجزائري ومنها المجبود وقفطان القاضي، حيث انطلقت المبادرة من هذه المنصة، قبل أن تتحول إلى مبادرة رسمية تبنتها وزارة الثقافة التي قدمت على إثرها ملفا لليونسكو لتصنيف هذا اللباس وحمايته من السرقة.
بالنسبة لمسيرة الصفحة مريم.س لم يكن الأمر في البداية أكثر من شغف بالتراث والثقافة، لكنه صار بمرور الوقت واجبا وطنيا أمام الحملات والهجمات التي تطال تراثنا.
وتقول مسيرة الصفحة إنها أطلقت مبادرتها في 2011 وكانت في البداية تتخبط بمفردها، لكن الأمر اختلف مؤخرا، حيث أضحى الجزائريون أكثر وعيا بضرورة الدفاع عن تراثهم وموروثهم.
وأوضحت مسيرة الصفحة التي تستقر حاليا بديار الغربة، أنها قادمة من تخصص خارج التراث لكنها تعشق هذا المجال وتدرس حاليا إمكانية إطلاق جمعية خاصة بالتراث الجزائري.
قبل هذه الصفحة، تقول مريم إنها فتحت عدة صفحات كانت في كل مرة تتعرض إلى هجمات وانتهت بالغلق، لكن صفحة “الإمبراطورية الجزائرية، تاريخ وثقافة” تمكنت من الصمود في وجه الهجمات المتكررة مع المجهودات التي يبذلها القائمون عليها في كل مرة تواجه محاولات النيل منها، إضافة لكونها صارت صفحة “شعبية” تحظى بمتابعة وتفاعل جمهور واسع يتم الاستنجاد به لإنقاذها في كل مرة من محاولات الاختراق والإغلاق. تقول مريم إن المعركة ليست سهلة “فالمعارك والحروب الإلكترونية” اليوم صارت تفرض منطقها في مجال التراث الثقافي، لكونه واجهة لحضارة وشخصية وكيان الدول، وتؤكد أن شعار أو اسم الصفحة “الإمبراطورية الجزائرية، تاريخ وثقافة” يعتبر إحالة إلى ثراء وتنوع الموروث الجزائري عبر مختلف مناطق الوطن.
وتكشف صاحبة الصفحة أن هذه المنصة كانت وراء العديد من الحملات لصالح الموروث الجزائري، منها حملة “إلبس جزائريا”… التي انتشرت عبر مختلف دول العالم وتبناها فنانون ونجوم وإعلاميون جزائريون وعرب في مختلف المنابر عبر العالم، وحققت نجاحا كبيرا، إذ أعادت إلى الواجهة ألبسة وأزياء تقليدية جزائرية. كما تبنت الصفحة مؤخرا أيضا فضح والتنبيه إلى خطورة الحملة المنظمة التي كانت تستهدف سرقة القطع التقليدية الجزائرية النادرة للألبسة النسائية الفاخرة والتي تعود إلى تواريخ قديمة حيث كانت شبكات منظمة أغلبها تأتي من الحدود الغربية تقوم بشراء القطاع التي تعود إلى ما قبل 1800 ويعاد ترتيبها لتنسب لاحقا لدول أخرى.
ولعبت الصفحة دورا في النبيه لهذه السرقات خاصة قفطان القاضي، وجبهة المجبود العريقة وقد نجحت الحملة تقول مسيرة الصفحة خاصة بعد التفاعل والهبة الشعبية التي انتهت إلى تبني الفكرة من طرف وزارة الثقافة وتقديم ملف التصنيف إلى اليونسكو وينتظر أن تنظر فها المنظمة قريبا.
بالنسبة لمسير صفحة “التراث الثقافي الجزائري”، هي واحدة من صفحات عديدة دخلت الخدمة مؤخرا، مع تزايد الهجمات والسرقات التي تطال التراث الجزائري بمختلف أشكاله، ويعتبر مسير الصفحة القادم هو الآخر من تخصص خارج التراث حبه لهذا المجال وراء إطلاقه للصفحة التي أضحت مؤخرا تحظى بدعم الملايين من الجزائريين ويؤكد أنها ساهمت في ربط جاليتنا بالخارج بتراثها والتنبيه إلى السرقات التي تطال التراث، ولو كان غير مادي. ويؤكد مسير الصفحة أن مهمة الحصول على معلومات ومعطيات التي يتم تقاسمها عبر الصفحة ليس بالأمر الهين لأنه يتطلب بحثا ودراية وخلفية بالمواضيع التي يتم طرحها إذ يعتبر الخطأ غير مسموح، لأنه قد يأتي بمفعول عكسي ويكون له أثر سلبي في التعاطي مع مواضيع حساسة تتعلق بالهوية والتراث الحضاري.

من الزليج إلى القفطان والفرقاني معارك اليونسكو تنزل إلى الفضاء الرقمي
برزت دور المنصات الرقمية والصفحات الإلكترونية المختصة في الدفاع عن التراث الجزائري في عدة مناسبات خاصة في ما عرف بأزمة الزليج، حيث انبرت منصات وصفحات في التعريف وشرح أصول الزليج، كونه تراثا جزائريا موجودا في قلعة المشور بتلمسان أو قلعة بني حماد، قبل أن يصل إلى قميص المنتحب الوطني. وقد ساهمت هذه الحملات في لفت انتباه الجمهور العربي وحتى الأجنبي لعمق وأصالة هذا التراث في بلادنا، قبل أن يقدم الجيران على تقديم شكوى في اليونسكو في محاولة بائسة لسرقة ونسبة هذا التراث إلى غير أصوله، حيث عادت القصور والمباني القديمة الفاخرة إلى الواجهة والاحتفاء بها الأمر الذي جعلها محل احتفاء ورغبة في الاكتشاف السياحي لاحقا من قبل عدة أسماء عربية وأجنبية.

عبد الرحمان عمار خبير في المعلوماتية:
التراث يواجه حروب الجيل الخامس
يعتبر الخبير في تكنولوجيا المعلومات، عبد الرحمان عمار، أن الأهمية التي تكتسيها اليوم الصفحات والمنصات التي تقوم بالترويج للتراث الجزائري تأتي من كون مادة هذه الصفحات والمنصات تتعلق بحضارة وبعد قيمي للشعب والأمة، حيث اعتبر المتحدث أن دور هذه المنصات اليوم يتعاظم بشكل كبير وصارت لها كلمة وتؤخذ بعين الاعتبار من طرف المنظمات التي تشتغل على التراث، مثل اليونسكو مثلا. وهذا لأننا في عصر ما بعد الرقمية وما بعد الحقيقة التي تدور في الفضاء الرقمي التي اعتبرها الخبير خطيرة وتستدعي المزيد من الوعي والاهتمام خاصة في ما يتعلق بتوفير المعلومات الصحيحة وطريقة إدارتها.
ونبه عمار عبد الرحمان إلى كوننا اليوم خرجنا من العصر الكلاسيكي للإعلام إلى فضاء أكثر تعقيدا وأسرع انتشارا ومتابعة، وبالتالي، أكثر قوة في صناعة القرار. وذكر المتحدث أننا اليوم نشهد أزيد من 26.5 مليون جزائري يشتركون في الفايسبوك وأزيد من 7 ملايين مستعمل لتويتر، مسانجر وتيكتوك وغيرها.. وتشكل هذه الأعداد جمهورا وقوة حقيقة في فرض منطقها، وبالتالي، يعتبر عمار عبد الرحمان أنه لا يمكن الاستهانة بدور المنصات الرقمية في الترويج والدفاع عن التراث الثقافي. وأضاف المتحدث ذاته أننا اليوم نواجه في هذا الجانب ضربات من الجيل الخامس، تستهدف إحداث صدمات إلكترونية تضر بالبنى والمناعة الثقافية والحضارية للشعوب. وكشف عمار عبد الرحمان أنه ومنذ مارس 2022 تم إطلاق أزيد من خمسة آلاف ذبابة إلكترونية استهدفت الجزائر في هذا الصدد.
ونبه الخبير في التكنولوجيا الرقمية إلى ضرورة مرافقة الشباب وأصحاب الكفاءات في هذه المجال، لأنهم خط الدفاع الأول وجدار الصد ضد أي اختراق محتمل لتراثنا وهويتنا، مؤكدا أن المنصات الإلكترونية اليوم أضحت جزءا من صناعة القرار.

نذير شلالي خبير في التراث:
المنصات الرقمية كرست الاحتفاء بالهوية
لا يقتصر دور المنصات الرقمية والصفحات المتخصصة في الترويج وحماية التراث من السرقة، لكنها تساهم أيضا في تكريس الاهتمام الشعبي بالتراث، حيث يعتبر الخبير في التراث، نذير شلالي، دور هذه الوسائط قد كرست هذا الاهتمام ونمت فكرة الاحتفاظ بالهوية وحرص الجزائري على التعاطي بطريقة إيجابية مع تراثه، حيث أضحت اليوم ثقافة الاحتفاء بالهوية منتشرة ومكرسة عبر هذه المنصات.. فالجزائري اليوم، حتى وإن كان مقيما في الخارج، نجده يتقاسم هذا الاحتفاء مع مقربيه وأصدقائه، بل مع الكثير من الأشخاص عبر العالم. وهذا يساهم في التعريف بهذا التراث وتكريس الدفاع عن أصالته الجزائرية.
ولكن من جهة أخرى، نبه الخبير شلالي إلى الخطورة التي قد تأتي من الطريقة الخاطئة في الترويج أو في المعلومات التي يتم تداولها، لهذا قال المتحدث إنه على الوزارة الوصية توفير المرافقة وعقد دورات تكوينية تعمل على المساعدة في تقديم المحتوى الصحيح والدقيق، خاصة وأن الناس اليوم متعطشون لاكتشاف تراثهم، حيث اكتشف من خلال المحاضرات التي كان يقدمها، اهتماما كبيرا من طرف قطاع واسع من الجزائريين بفهم كل ما يتعلق بالتراث. وقد تزايد هذا الاهتمام- يقول المتحدث- مؤخرا- مع تزايد الحملات التي تطال التراث والموروث الجزائري عبر الوسائط الرقمية.
نفس الرأي، يتقاسمه مع شلالي الخبير حسين بخوش الذي اعتبر أن صناعة محتوى جزائري رقمي في مجال التراث يجب أن تمر عبر مصفاة تعمل على تقديم المعلومات والمحتوى الصحيح، ونبه المتحدث إلى خطورة الأثر العكسي الذي قد تلعبه المنصات والوسائط في حال كان المحتوى غير دقيق أو غير متخصص. وهنا يكمن دور الوزارة الوصية في توفير المرافقة لمثل هذه المنصات.

محمد دومير:
الإعلام البديل وصحوة في الاهتمام بالتراث
اعتبر محمد دومير أن المنصات الرقمية اليوم تشكل أداة فعالة في الدفاع عن التراث الجزائري في وجه محاولات سرقة موروثنا المحلي، إذ إن الشباب الجزائري اليوم أصبح يتعامل مع هذا بكل جدية. فنجد في اليوم الواحد مئات أن لم نقل الآلاف من المنشورات والتغريدات بالصور والفيديو بما يوثق جزائرية الموروث، ويكشف تجمّل الآخرين (من غير الجزائريين) به أو محاولاتهم نسبته إلى أجدادهم.
فشبابنا يعيش فترة من الصحوة لخطورة هذه السرقات، ويتعامل معها بكل مسؤولية.
وبخصوص تجربته الشخصية في نشر فيديوهات، أوضح الدكتور محمد دومير، أنها تندرج ضمن إعادة تنشيط الذاكرة الجزائرية، حيث اعتبر اختيار طريقة عرض الوثائق وقراءتها، مثل المطالعة الجماعية من مختلف المصادر القديمة وبمختلف اللغات. ولقد تلقاها الجزائريون بتعطش كبير، إذ حصل الموسم الأول على أكثر من خمسين مليون مشاهدة، قرابة نصف مليون مشترك على قناته على يوتيوب.
وأشار دومير إلى أن أسلوب وطريقة العرض كان لها أثر كبير في رواج هذه الحلقات. فالأسلوب ليس بالفصيح تماما ولا الدارج تماما. وليس بالمحاضرة الأكاديمية أو الخطاب الرسمي، وليس بالحكاية أو القصة، بل هو ما بين كل ذلك. والطريقة، هي أن يتم فتح الكتب القديمة والاستشهاد بها مباشرة بدل كتب المعاصرين. وأضاف دومير أنه حاول أن يقترب من لغة “الميمز” في بعض المواضيع الجافة لجعلها مستساغة لدى الشباب الذي أصبح غير مستعد لسماع المحاضرات الطويلة.
فصناعة المحتوى للعالم الرقمي تختلف عن التأليف أو عن الإنتاج التلفزيوني، بل هو إعلام بديل لا مكان فيه لمن لا يقنع الشباب بالدرجة الأولى.

عمار نوارة مدير التراث وحماية الممتلكات الثقافية بوزارة الثقافة:
المنصات الرقمية ساعدتنا في التنبيه إلى حملات سرقة تراثنا
اعتبر مدير التراث وحماية الممتلكات الثقافية بوزارة الثقافة، عمار نوارة، الدور الذي تقوم به المنصات الرقمية مهما جدا ومكملا لعمل وزارة الثقافة، وفي كثير من الأحيان، تلعب هذه المنصات دور المنبه للوزارة في استرجاع عناصر تراثية، على غرار المقتنيات الأخيرة التي قامت بها الوزارة من سويسرا والبنادق التي تم استرجاعها من إنجلترا، لأن الشباب القائمين على هذه المنصات والصفحات مطلعون على كل ما يدور في المزادات العالمية في مجال التراث، وهم الذين يراسلون وينبهون الوزارة لما يمكن أن يتعرض له تراثنا.. لهذا، يؤكد عمار نوارة أن عملها يساهم في دعم الهبة الشعبية التي أبان عنها الجزائريون مؤخرا في التجند من أجل الدفاع عن تراثهم. ويؤكد عمار نوارة من جهة أخرى، على دور وزارة الثقافة في مرافقة وتوفير المعلومات والمحتوى الصحيح الذي يمكنه أن يدعم عمل الشباب المرتبط حاليا بالوسائط الاجتماعية كما حدث مؤخرا مع الزليج الذي حمله قميص المنتخب الوطني، حيث أقدمت وزارة الثقافة على التدخل عبر تنظيم ورشات حول زيلح قلعة بني حماد وشرح تاريخه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!