الرأي

التسلّق على جمجمة البخاري ممنوع!

تداعى بعضهم إلى “مناظرة” واهية حول صحيح البخاري وكتب التراث الإسلامي إجمالا، بعدما تجرّأ سفهاء القوم على النيل من أصحّ كتب الإسلام بعد القرآن والسنّة، زاعمين أنها حوَت الخرافات والأوهام، ربّما بسبب جملة من الأحاديث التي لم تبلغها عقولهم الصغيرة.

 وإن كان حول بعض النصوص المرويّة ضباب، وهي أصلاً لا علاقة لها بعقائد المؤمنين وعباداتهم المفروضة، فهل نجعل من ذلك مطيّة لنسف أدقّ الصّحاح النبويّة، كلّا إنها حجّة مُنكرة ومدحوضة.

لا نفهم لماذا يتحمس بعض الصادقين لمثل هذه المناظرات التي لا هدف لها إلا البحث عن “رجع الصدى”، هل غاب عن وعيهم عقود من الجولات الفارغة والصولات العقيمة من حوار الحضارات والأديان والمذاهب!

ماذا جنينا عقديا وفكريا وفقهيا وثقافيا من آلاف المؤتمرات والندوات والمجالس العابرة للحدود والقارات، وقد كانت أرفع مستوًى وأحكم منهجيّة وأعلى قدرًا في منزلة أقطابها الفطاحل من كل الملل والنحل؟

في نهاية المطاف، نفض جميع المستبشرين بجدوى الحوار أيديهم من الطرشان، حينما أدركوا أن الطرف الآخر، إلا الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه، لا يبتغي بلوغ الحقيقة، بل هو صاحب “مشروع وجودي” لاستئصالهم كدين ومذهب وانتماء.

يا معشر العقلاء، ما هذه الأفكار النّشاز سوى مظهر من معارك الحرب ضد الإسلام، تتلون في كل فترة بما يخدع الناس!

للأسف ينخرط فيها بعض المهووسين بالجدل عن عمد أو جهل، لكنهم لا يملكون الشجاعة ليظهروا مكشوفي الوجوه دون أقنعة ساترة!

منْ كان غيورًا منافحًا عن دينه، فليدحض أباطيلهم الساذجة بالردود العلميّة على شبهاتهم “المؤسّسة”، أما الترهات والخزعبلات المتستّرة وراء رداء التنوير والتجديد وإعادة قراءة التراث، من طرف دخلاء على علوم القرآن والسنة والشريعة عمومًا، والجاهلين بمقاصد الدين وأحكامه، تحصيلهم منه لا يعدو أن يكون جمعًا سخيفًا للمُشتبه فيه، فلا داعي لمناظرة هؤلاء اللاهثين خلف الشهرة على طريقة الأعرابي الذي تبوّل في مسجد رسول الله (ص).

لا ينفع مع رهط الدجّالين الجدد سوى المكاشفة وتعرية سوْءاتهم العقلية والأخلاقية، أما معاملتهم على أنّهم أهل علم ورأي وفهم مختلف، فهو تزكية لتطاولهم على الدين، ومنحهم فرصة مجانية للإشهار على حساب علماء الأمة وجهابذتها الذين قعّدوا لعلوم الأصول منذ الرعيل الأول إلى يوم الناس المشهود، حينما طلع علينا هؤلاء الرويبضات من المتفيقهين والمستعلمين!

ليبشّروا بعقائدهم وأفكارهم مثلما يشاؤون، أمّا الإسلام فليس دينا مستباحًا لتصعدوا على منصته، فلا تقدموا أنفسكم مدافعين عن سماحته، بينما ترومون في الباطن محْوه من حياة البشرية، وإن كان ولابدّ من حضوره، فلا يتجاوز في منطقكم شطحات الصوفية!

بعضهم سيقول إن الله حاور إبليس، والقرآن تحدّث عن جدال الكفّار والمشركين وأهل الكتاب، ونجيب: لسنا في هذا المنحدر من السذاجة والطيبة حتّى نصدق كل ناعق أبله، يحمل شمعة خافتة في يده اليسرى، وهو يتباهي بمناشدة المعرفة، بينما يخفي في اليمنى معول هدم الدين من الأساس!

نحن لا نتهم الأشخاص، بل نقصد مدرسة “الإسلام الحداثي”، تلك الأكذوبة الكبرى التي تحاول عبثا التحلّل من الإسلام، قبل تحييده عن معركة الحياة والحضارة والأمم، تحت شعارات التسامح والحبّ والتعايش!

مقالات ذات صلة