-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التعليم : ماذا عن خوصصته واستقلالية مؤسساته؟!

التعليم : ماذا عن خوصصته واستقلالية مؤسساته؟!

تبنت الدولة منذ الاستقلال مبدأ مجانية التعليم وديمقراطيته، وهذا يعني التركيز على تشييد المؤسسات التعليمية في كل مكان وفتح الباب على مصراعيه لتعلم الأطفال مهما كان مستوى معيشتهم.

وقد حقق هذا المبدأ مكاسب وطنية كبيرة، منها انتشار المعارف في المجتمع والتكوين السريع لما تحتاجه البلاد من إطارات وتقنيين. ومن المكاسب أيضا إقبال الإناث على التعلم حتى صرن يمثلن الأغلبية في قوائم الناجحين في مختلف المستويات. ولا يخفى على أحد أن ذلك كلّف ميزانية الدولة عبر السنين أموالا طائلة… ولا ينكر مثل هذا الاستثمار في العنصر البشري إلا جاحد. ولو نقارن أنفسنا بالمغرب الشقيق الذي نتساوى معه تقريبا في عدد السكان، فإننا نجد الفارق بيننا في عدد التلاميذ يتجاوز مليون متمدرس وأن الفارق في عدد طلبة الجامعات يفوق نصف مليون طالب. وهذا جميل، ومن حقنا أن نفاخر بهذه المكاسب في مجال التعليم.

تغلّب “الكم” على “الكيف”

غير أن  الكثير من النقائص الموضوعية ترتبت عن هذه السياسة. فمن الطبيعي أن يتغلب هذا “الكم” على “الكيف”. على سبيل المثال، فعامل الاكتظاظ في المؤسسات التعليمية الذي يعيشه التلاميذ والطلبة في كل المستويات يسيء إلى جودة التكوين. وتخرّج من ساء تكوينه وتمّ توظيفه في مرافق الدولة -وفي سلك التعليم بوجه خاص- يؤدي إلى نتائج سلبية نشهدها اليوم في النقائص التي جعلت مستوى التعليم عندنا يتدنى ويتدنى.

وهذا الوضع جعل أولياء التلاميذ يبحثون عن الحلول. والحل السهل المنتشر الآن هو اللجوء إلى الدروس الخصوصية أو إلى المدارس الخاصة. وما يزيد الطين بلة أن الغاية من هذه الدروس الخصوصية التي تعطى لأغلب تلاميذنا ليست في آخر المطاف تكوين التلميذ تكوينا فكريا ومعرفيا جيدين، بل تتمثل غايتها في ملء دماغ التلميذ بالجاهز من المعلومات المبني على استغلال ذاكرته (وحدها تقريبا) للحصول على أحسن العلامات في الامتحانات الرسمية.

وللأسف، فبدل الوقوف ضدّ هذه الظاهرة، كيّفت وزارة التربية مناهجها التربوية وامتحاناتها لتتماشى مع هذا التوجّه الذي يتعارض مع مبادئ التربية والتعليم التي تفرض علينا تكوين التلميذ فكرا وروحا. وهنا لا يسعنا إلا أن نستغرب في مسؤولي التربية وخبراء المناهج التعليمية عندما يحدثوننا باسترسال، وبمصطلحات يصعب علينا استيعابها، عن المقاربات الحديثة في التعليم بلغة مبتذلة مؤكدين أنهم استغلوها لتحسين التحصيل العلمي والمعرفي للتلميذ… بينما نشهد العكس تماما في الميدان سنة بعد سنة.

ولعل أبسط دليل على ذلك ما وصلت إليه نتائج الباكلوريا هذه السنة وضخامة عدد الحاصلين على درجة الامتياز… وكثير منهم بعيدون كل البعد عن الامتياز. وقد وقفنا على هذا التضخيم في علامات الباكلوريا خلال المقابلات التي تجرى لمن يتوجه إلى المدارس العليا للأساتذة : فأغلب هؤلاء الممتازين حاصلون على علامات في الباكلوريا تجاوزت 15/20، بل كثير منها تجاوز 16/20، ومنها ما تجاوز 18/20. نسألهم في مواد نالوا فيها العلامة الكاملة في الباكلوريا فيعجزون عن الإجابة عن أسئلة كان يجيب عنها بكل يسر تلاميذ بداية القرن حاصلين على 11/20 في الباكلوريا!

ولذا نتساءل في هذا السياق : إذا كان أولياء التلاميذ يرهقون أنفسهم في دفع أموال طائلة للدروس الخصوصية ونحوها حرصا منهم على مستقبل أبنائهم… والتلاميذ لا يعوّلون إلا على تلك الدروس، فلماذا ترهق الدولة ميزانيتها في تمويل المدارس العمومية إلى هذا الحد ونتائج الدراسة على تلك الحال؟ لعله من الأجدى لها أن تموّل جيوب أولياء التلاميذ بعلاوات تمدرس مع خوصصة المدارس! وإن كنا ضد الخوصصة، فلتقف الدولة، التي تحارب الفساد، وقفة صارمة لتواجه هذه الظاهرة : دفع أموال طائلة في التعليم دون مردودية مناسبة.

ومن سلبيات المدرسة العمومية التي لا يقبلها عاقل أن التلميذ فيها أصبح خلال كل سنة ضحية لإضرابات متواصلة وتوقفات عن الدراسة تقوم بها مختلف الأسلاك العاملة، وخاصة سلك المعلمين والأساتذة. لكن هذه الإضرابات والتوقفات عن العمل لا نجدها في المدارس الخاصة؟ فهل السبب يكمن في كون وضع المعلمين والأساتذة أفضل في المدارس الخاصة؟ لا نعتقد ذلك، بل نعتقد أن السبب الرئيسي هو أن ولي التلميذ الذي يدفع نفقات دراسة ابنه لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يحرم هذا الابن من الدراسة. والإدارة والمعلم والأستاذ في المدرسة الخاصة يدركون ذلك جيدا، ولذا لا يجرؤ أحدهم على التوقف عن العمل. فما الحل؟ لماذا يذهب تلميذ المدرسة العمومية ضحية الإضرابات المتكررة كل سنة رغم ما تنفقه الدولة على دراسته، وينجو من ذلك تلميذ المدرسة الخاصة الذي لا تنفق عليه الدولة شيئا يذكر؟ !

وماذا يحدث في التعاليم العالي؟

ثم ماذا يحدث في المؤسسات الجامعية تحت وصاية التعاليم العالي؟ الوضع أدهى وأمرّ. إضرابات لا تتوقف طيلة السنة الجامعية، وفي كل المؤسسات عدا النادر منها. إذا لم يكن الطالب مضربا فالأستاذ أو العامل أو الموظف هم المضربون بدون أي رادع. وفي نهاية السنة، يتم التداول في اللجان وينتقل الطالب من سنة إلى أخرى، ويتخرّج بزاد من التحصيل العلمي لا يحسد عليه لأن ما اكتسبه من المعارف والمهارات، بسبب الإضرابات والاكتظاظ وغيره، لا يتجاوز نصف ما كان ينبغي عليه تحصيله.

وهنا نتساءل : لو كان الطالب يدفع مقابلا ماليا (ولو قسطا ضئيلا) من راتب الأستاذ الذي يدرّسه فهل سيقدم على الإضرابات؟ ولو اقتطع من راتب الأستاذ أو الموظف جزءٌ عند توقفه عن العمل، فهل سيقدم على الإضرابات؟

ثمّ كيف تسكت الوصاية وتتساهل مثلا مع من يشلّون الدراسة في المؤسسات الجامعية خلال أسابيع وشهور، ويغلقون أبوابها لأتفه الأسباب، وأحيانا لأسباب واهية… علما أنهم يحرمون بذلك جلّ الطلبة من الدراسة في المؤسسة؟

وكيف تسمح الوصاية مثلا بأن يكون في قائمة الناجحين من له أصفار في مقررات إجبارية، وهذا طبقا لتعليمتها الأخيرة القاضية بعدم مراعاة ما يسمى بـ”النقطة الاقصائية”؟

وكيف تسمح الوصاية بأن يجد الطالب نفسه في قائمة الناجحين وهو لم يحضر أي درس في بعض المقررات طبقا لتعليماتها الأخيرة القاضية بعدم مراعاة الغيابات في تقييم الطالب؟

أليس أحرى بالوصاية اللجوء إلى استقلالية المؤسسات للبتّ في مثل هذه الخروقات وتحمل كل مسؤول مسؤولياته في مؤسسته؟

إنه من العبث وسوء التسيير أن نترك الحبل على الغارب في مجال التعليم بكل مراحله، وأن نتستّر وراء قوانين جميلة لا نُطبّقها في الميدان مداهنةً لبعض الفئات، وأن نكتفي بالتباهى بالكمّ دون الكيف، وأن نبذّر أموال الدولة بدون طائل، ونحن نزعم محاربة الفساد!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • أبو يونس

    كعادتك أستاذ تتطرق لما هو مفيد للبلاد والعباد...رزقك الله موفور الصحة والعافية ...

  • ثانينه

    نطالب بتحرير التعليم الخاص علي الاقل حتي لايكون تحت قبضهالبعثيين الجدد الدين حطموا المدرسه الجزائريه وجعلوها مدرسه بافلوبيه تعلم التلميد تخزين المعلومات الموجوده في الكتب واعاده سردها من جديد نحن في حاجه الي مدرسه تنمي فكر التلميد وتجعله قادرا علي حل المشاكل بتصوراته واستنتاجاته نريد طفلا متوازنا يحسن جميع الفنون الرياضه الموسيقي الرسم الانغلاق ينشؤ جيلا دو نظره انطوائه علي المجتمع نريد طفلا مبدعا لاتهمه النقاط التي يتحصل عليها اكثر من الثقه في نفسه وفي قدراته